التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2590 2741 - حدثنا عمرو بن زرارة ، أخبرنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن إبراهيم عن الأسود قال : ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان وصيا . فقالت : متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري -أو قالت : حجري- فدعا بالطست ، فلقد انخنث في حجري ، فما شعرت أنه قد مات ، فمتى أوصى إليه ؟ [4459 - مسلم: 1636 - فتح: 5 \ 356]


ثم ساق أربعة أحاديث :

أحدها : حديث ابن عمر -تابعه محمد بن مسلم عن عمرو ، عن ابن عمر- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين ، إلا ووصيته مكتوبة عنده" . من طريق مالك عن نافع ، عنه .

ثانيها : حديث عمرو بن الحارث ، ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أخي جويرية بنت الحارث قال : ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا ، إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة .

ثالثها : حديث طلحة بن مصرف : سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى ؟ فقال : لا . فقلت : كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله .

رابعها : حديث عائشة ذكر عندها أن عليا كان وصيا . فقالت : متى

[ ص: 171 ] أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري -أو قالت : حجري- فدعا بالطست ، فلقد انخنث في حجري ، فما شعرت أنه قد مات ، فمتى أوصى إليه ؟


الشرح :

(الوصايا ) : جمع وصية ، أصلها من وصيت الشيء أصيه إذا وصلته ، فكأنه وصل ما بعد مماته بحياته . وفي "الباهر" لابن عديس : الوصية و (الوصاية ) .

والوصاية -بفتح الواو وكسرها : الاسم من أوصى الرجل ووصاه ، وحكاهما الجوهري أيضا ، أعني : الوصايا بفتح الواو وكسرها .

والحديث المعلق أسنده بعد .

ومعنى ( كتب ) : فرض أو ندب ، المعنى : إذا كنتم في حال تخافون منها الموت فأوصوا .

و (الخير ) : المال الكثير ، قالته عائشة وجماعة .

وعن علي أنه أربعة آلاف فما دونها نفقة ، وتوقف في صحته عنه .

[ ص: 172 ] وعن عائشة : من له أربعمائة دينار وله عدة من الولد ، قالت : باقي هذا فضل عن ولده .

( حقا على المتقين ) : قال : كانت الوصية للولد والوالدين والأقربين فنسخ الله من ذلك ما أحب إلى من يرث ، وقال الحسن وجماعة : هي واجبة للقرابة (غير ) الوارثين ، وقيل : المراد بها من لا يرث من الأبوين كالكافر والعبد . وقال الشعبي والنخعي : إنما كانت للندب . قال طاوس : إن أوصى لأجنبي وترك قريبه محتاجا نزعت منه وردت على القريب . وقال الحسن وإسحاق : إذا أوصى لغير وارثه بالثلث جاز له ثلث المال ، وأخذ أقاربه الثلثين .

(والجنف ) : الميل ، كما ذكره البخاري ، وهو ما ذكره أكثرهم كما قاله ابن التين ، وقال الضحاك : الخطأ والإثم العمد ، وقال طاوس : هو الرجل يوصي لولد ابنته . يريد ابنته .

[ ص: 173 ] قال ابن بطال : وذلك مردود بإجماع . فإن لم يرد فوصيته من الثلث ، ذكره في باب : الصدقة عند الموت .

ومعنى غير متجانف : أي غير مائل إلى حرام ، كما ذكره البخاري حيث قال : ( متجانف ) : مائل . وهو ما ذكره الطبري عن عطاء ، وقال أبو عبيدة : جورا عن الحق وعدولا .

إذا تقرر ذلك :

فحديث ابن عمر أخرجه عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن نافع عنه كما سلف به ، ورواه عبد الله بن نمير وعبدة بن سليمان ، عن عبيد الله ، عن نافع ، كما رواه مالك ، أفاده ابن حزم قال : ورواه (يونس ) بن يزيد عن نافع أيضا كذلك ، وكذا رواه ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، [عن ابن شهاب] عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه .

[ ص: 174 ] وأخرجه مسلم من حديث أيوب عن نافع : "ما حق امرئ يوصي بالوصية وله مال يوصي فيه ; تأتي عليه ليلتان إلا ووصيته مكتوبة عنده" ومن حديث يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله ، عن نافع أيضا ، وفي لفظ : "يبيت ثلاث ليال" وروى ابن عون عن نافع : "لا يحل لامرئ مسلم له مال "

قال أبو عمر : لم يتابع ابن عون على هذه اللفظة . ورواه سليمان بن موسى عن نافع ، وعبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع : "وعنده مال " قال أبو عمر : وهذا أولى عندي من قول من قال : شيء ; لأن الشيء قليل المال وكثيره ، وقد أجمع العلماء على أن من لم يكن عنده إلا الشيء اليسير التافه من المال أنه لا يندب إلى الوصية .

قلت : في هذا شيء ستعرفه قريبا عن الزهري ، وذكر أبو مسعود في "تعليقه" أن مسلما عنده : "يبيت ليلة" ولم (يؤخذ ) فيه كما نبه عليه ابن الجوزي وغيره ، قال ابن عمر : ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك إلا وعندي وصيتي .

وقد اختلف العلماء في وجوب الوصية على من خلف مالا بعد أن تعلم أن حديث ابن عمر ، فيه الحض على الوصية ; خشية فجأة الموت ، والإنسان على غير عدة ونسيان- فقالت طائفة : الوصية واجبة على ظاهر الآية .

[ ص: 175 ] قال الزهري : جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر .

قيل لأبي مجلز : على كل عشر وصية ؟ قال : كل من ترك خيرا .

وبهذا قال ابن حزم ; تمسكا بحديث مالك . قال : وروينا من طريق عبد الرزاق ، عن الحسن بن عبيد الله . قال : كان طلحة بن عبيد الله والزبير يشددان في الوصية ، وهو قول عبد الله بن أبي أوفى ، وطلحة بن مصرف ، والشعبي ، وطاوس ، وغيرهم . قال : وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا . وقالت طائفة : ليست واجبة ، كان الموصي موسرا أو فقيرا ، هو قول النخعي والشعبي ، وهو قول مالك والثوري والشافعي .

قال : -أعني الشافعي - قوله : "ما حق امرئ مسلم" يحتمل ما الحزم ، ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا من جهة الفرض . واحتجوا برواية يحيى بن سعيد التي فيها : يريد أن يوصي فيه . فرد الأمر إلى إرادته ، والشارع لم يوص ، ورووا أن ابن عمر لم يوص ، وهو

[ ص: 176 ] الراوي ، وأن حاطب بن أبي بلتعة بحضرة عمر لم يوص ، وأن ابن عباس قال فيمن ترك ثمانمائة درهم : ليس فيها وصية . وأن عليا نهى من لم يترك إلا من السبعمائة إلى التسعمائة عن الوصية ، وأن عائشة قالت فيمن ترك أربعمائة دينار : ما في هذا فضل عن ولده . وعن النخعي : ليست الوصية فرضا ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك .

قال ابن حزم : وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه ، أما من زاد -يريد : مالكا ومن أسلفناه- رووه بغير هذا اللفظ ، لكن بلفظ الإيجاب فقط . وأما قولهم : إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يوص . فقد كانت تقدمت وصيته بقوله الثابت يقينا : "إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة " وهذه وصية صحيحة بلا شك ; لأنه أوصى بصدقة كل ما يترك إذا مات ، وإنما صح الأثر بنفي الوصية التي تدعيها الرافضة إلى علي فقط .

وأما ما رووا أن ابن عمر لم يوص فباطل ; لأن هذا إنما روي من طريق أشهل بن حاتم ، وهو ضعيف ، ومن طريق ابن لهيعة ، وهو لا شيء ، والثابت عنه ما أسلفناه .

وأما خبر حاطب وعمر فمن رواية ابن لهيعة ، وأما خبر ابن عباس ففيه ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف .

وأما حديث علي فإنه حد القليل ما بين السبعمائة إلى التسعمائة ، وهم لا يقولون بهذا ، وليس في حديث أم المؤمنين بيان ما ادعوا ، بل لو صح كل ذلك ما كانت فيه حجة ; لأنهم قد عارضهم صحابة ،

[ ص: 177 ] كما أوردنا ، وإذا وقع التنازع لم يكن قول طائفة أولى من قول أخرى ، والفرض حينئذ هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ، وكلاهما يوجب فرض الوصية .

قلت : [و] ذكر النخعي لما نقل أن طلحة والزبير كانا يشددان في الوصية ، فقال : ما كان عليهما أن لا يفعلا ، توفي رسول الله وما أوصى ، وأوصى أبو بكر ، فإن أوصى فحسن ، وإن لم يوص فلا بأس .

قال ابن العربي : السلف الأول لا نعلم أحدا قال بوجوبها ، وأما الحسن بن عبيد الله فلم يسمع أحدا من الصحابة ولا سيما هذين القديمين الوفاة . وأظنه استنبط من حديث ابن أبي أوفى في الباب ، وقول طلحة له : إن هذا مذهبهما والأمر فمحمول على الندب ، وقد أوصى - صلى الله عليه وسلم - عدة وصايا منها ما سلف .

[ ص: 178 ] ومنها : "لا يبقين دينان بجزيرة العرب" ، وإجازة الوفد ، و"الصلاة وما ملكت أيمانكم" . وحديث عمرو بن الحارث السالف ، وعند ابن إسحاق : أوصى عند موته لجماعة من قبائل العرب بجداد أوساق من تمر سهمه بخيبر ، وأوصى بالأنصار خيرا ، نعم مات ودرعه مرهونة ولم يوص بفكها .

وأما ما ذكره ابن حزم عن طاوس ، فذكر سعيد بن منصور في "سننه" عن ابن عيينة ، عن ابن طاوس عنه أنه كان يقول : إن الوصية كانت قبل الميراث ، فلما نزل الميراث نسخ من يرث وبقيت الوصية لمن لا يرث ، فهي ثابتة ، فمن أوصى لغير ذي قرابة لم تجز وصيته .

قلت : فهذا كما ترى ، قال : ثابتة . ولم يقل : واجبة .

[ ص: 179 ] وقال الشافعي : لما احتملت الآية ما ذهب إليه طاوس ، وجب عندنا على أهل العلم طلب الدلالة على خلاف قوله أو موافقته ، فوجدنا الشارع حكم في ستة مملوكين ، كانوا لرجل لا مال له غيرهم فأعتقهم ، فجزأهم ثلاثة أجزاء ، فأعتق اثنين وأرق أربعة ، فكانت دلالة السنة في هذا بينة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - أنزل عتقهم في المرض وصية ، والذي أعتقهم رجل من العرب ، والعربي إنما يملك من لا قرابة بينه وبين العجم ، فأجاز - صلى الله عليه وسلم - الوصية ، فدل ذلك على أن الوصية لو كانت تبطل لغير قرابة بطلت للعبيد المعتقين .

قلت : وأسند أبو داود في "ناسخه ومنسوخه" عن ابن عباس : أنها منسوخة بآية الميراث . قلت : وقاله ابن عمر أيضا ، وهو قول مالك والشافعي وجماعة . ونقل العدوي البصري في "ناسخه" عن بعض أهل العلم نسخ الوالدين وثبت الأقربون ، وهو قول الحسن وطاوس وجماعة ، وليس العمل عليه ، وقال بعضهم : والعمل به ، نسخها : يوصيكم الله [النساء : 11] للرجال نصيب [النساء : 7] وهو قول ابن عباس وجماعة .

[ ص: 180 ] وقال النحاس في "ناسخه" : في هذه الآية خمسة أقوال .

فمن قال : القرآن يجوز أن ينسخ بالسنة قال : نسخها : "لا وصية لوارث" ومن منع قال : نسخها الفرائض .

قال ابن عباس : نسخها : للرجال نصيب [النساء : 7] . وقال مجاهد : يوصيكم الله .

وقال الحسن : نسخت للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون ، وكذا روي عن ابن عباس .

وقال النخعي والشعبي : الوصية للوالدين ، والأقربين على الندب .

وقال الضحاك وطاوس : الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص القرآن إذا كانوا لا يرثون . قال طاوس : من أوصى لأجانب وله أقرباء فردت للأقرباء .

[ ص: 181 ] وقال الضحاك : من مات وله شيء ولم يوص لأقربائه فقد مات عن معصية لله . وقال الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى فيما ذكره الطبري : إذا أوصى رجل لقوم غرباء بثلثه وله أقرباء أعطى الغرباء ثلث المال ، ورد الباقي على الأقرباء .

قال الطبري : وحكي عن طاوس أن جميع ذلك ينتزع من الموصى لهم ويدفع لقرابته ; لأن آية البقرة عندهم محكمة . قال النحاس : فالواجب أن لا يقال : إنها منسوخة ; لأن حكمها ليس بناف حكم ما فرض الله من الفرائض ، فوجب أن يكون كتب عليكم الآية . كقوله : كتب عليكم الصيام [البقرة : 183] .

وقال أبو إسحاق في قوله : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت [البقرة : 180] هذا الفرض بإجماع نسخته آيات المواريث التي في النساء ، وهذا مجمع عليه . وقال قوم : إن المنسوخ من هذا ما نسخته المواريث ، وأمر الوصية في الثلث باق . وهذا ليس بشيء ; لأن الإجماع أن ثلث الرجل إن شاء أن يوصي فيه بشيء فله ، وإن ترك ذلك فجائز ، والآية في قوله : كتب عليكم [البقرة : 180] الوصية منسوخة بإجماع كما وصفنا . وقال الطبري بإسناده إلى جهضم ، عن عبد الله بن بدر ، عن ابن عمر في قوله : إن ترك خيرا الوصية [البقرة : 180] نسختها آية المواريث . قال ابن يسار : قال ابن مهدي : فسألت جهضما عنه فلم يحفظه .

[ ص: 182 ] ولما ذكر ابن الحصار في "ناسخه" قول ابن عباس وابن عمر قال : هذا إنما هو نقل وتصريح بالنسخ ، وليس برأي ولا اجتهاد . وفي ابن ماجه بإسناد ضعيف من حديث جابر مرفوعا : "من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ، ومات مغفورا له" ومن حديث أنس مرفوعا : "المحروم من حرم وصيته" .

وفي المسألة قول ثالث ، قاله أبو ثور : إنها ليست واجبة إلا على رجل عليه دين أو عنده مال لقوم ، فواجب أن يكتب وصيته ويخبر بما عليه ; لأن الله فرض أداء الأمانات ، فمن لا حق عليه ولا أمانة قبله فليس . بواجب عليه أن يوصي ، يقويه قوله : "ما حق امرئ مسلم" فأضاف الحق إليه ; كقوله : هذا حق زيد فلا ينبغي أن يتركه ، فإذا تركه لم يلزمه .

وقد سلف رواية : يريد الوصية ، فعلق ذلك بإرادة الموصي ، ولو كانت واجبة لم يعلقها بإرادته ، وهو رأي الجماعة .

[ ص: 183 ] قال ابن بطال : ومما يدل على ذلك أيضا أن ابن عمر راوي الحديث لم يوص ، ومحال أن يخالف ما رواه لو كان واجبا ، ولكنه عقل منه للاستحباب . وقد أسلفنا رد هذا .

ثم اعلم أن الحق في اللغة هو الثابت مطلقا ، فإذا أطلق في الشرع فالمراد به ثبوت الحق فيه ، ثم الحكم الثابت في الشرع أعم من كونه واجبا أو مندوبا أو مباحا إذ كل واحد منها ثابت وموجود فيه ، لكن إطلاق الحق على المباح قلما يقع في الشريعة ، وإنما يؤخذ فيه بمعنى الواجب والندب ، فإن اقترن به على ما في معناها ظهر فيه قصد الوجوب وإلا فهو محتمل كما جاء في هذا الحديث .

وعلى هذا فلا حجة لداود وأتباعه في التمسك به على الوجوب ; لأنه لم تقترن به قرينة تزيل إجماله ، فإن أبى إلا دعوى ظهوره قابلناه بما قاله بعض أصحابنا في هذا الحق ، أنه قد اقترن به ما يدل على الندب ، وهو تعلقها على الإرادة ، فإقرار مثل هذا يقوي إرادة الندب ، ولو أنا سلمنا أن ظاهره الوجوب ، نقول بموجبه فيمن كان عليه حقوق يخاف ضياعها ، أو له حقوق كما قال أبو ثور .

والترخيص في الليلتين أو الثلاث رفع الحرج والعسر أو أراد الموصي يتأمل ويقدم في هذه الليالي ما يريد الوصاة به .

وقوله : ("مكتوبة عنده" ) فيه : أن الوصية نافذة وإن كانت عند صاحبها ، ولم يجعلها عند غيره ، وكذلك إن جعلها عند غيره وارتجعها .

[ ص: 184 ] وفيه : أن الكتاب يكفي من غير إشهاد ، وبه قال محمد بن نصر المروزي ، وهو ظاهر الحديث ، ولولا أنه كاف لما كان لذكره فائدة . وحمله المتأخرون ، منهم النووي على أن المراد : إذا أشهد عليه بها لا أنه يقتصر على مجرد الكتابة ، بل يعمل بها ولا ينتفع إلا إذا كانت بإشهاد ، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وكذا قال القرطبي : ذكر الكتابة مبالغة في زيادة الاستيثاق ، فلو كتبها ولم يشهد بها فلم يختلف قول مالك أنه لا يعمل بها إلا فيما يكون فيها من إقرار بحق لمن لا يتهم عليه ، يلزمه تنفيذه .

وأما حديث عمرو بن الحارث : فقد أسلفته في الكلام على أم الولد وكونه ختنه ; لأنه أخو جويرية أم المؤمنين ، وهذا قول ابن الأعرابي وابن فارس والأصمعي أن الختن من قبل المرأة ، والصهر من قبل الزوج . وقال محمد بن الحسن : الختن : الزوج ومن كان من ذوي رحمه ، والصهر من قبل المرأة .

وقوله : (أرضا جعلها صدقة ) إنما تصدق بها في صحته وأخبر بالحكم بعد وفاته ، وهي : فدك والتي بخيبر ، قاله ابن التين وقد أسلفنا هناك أن فيه دلالة على أن أم الولد تعتق بموت السيد ، وقال ابن المنير : ووجه دخوله هنا احتمال كون الصدقة هنا موسى بها ، وهو مخالف لما ذكره ابن التين .

[ ص: 185 ] وأما حديث ابن أبي أوفى : فقد سلف الجواب عنه ، والمراد فيه أنه لم يوص ، إنما أراد الوصية التي زعم بعض الشيعة أنه أوصى بالأمر إلى علي ، وقد تبرأ علي من ذلك حين قال له : أعهد إليك رسول الله بشيء لم يعهده إلى الناس ؟ فقال : لا ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة . وهو راد لما أكثره الشيعة من الكذب على أنه أوصى له بالخلافة . وأما أرضه وسلاحه وبغلته ، فلم يوص فيها على جهة ما يوصي الناس في أموالهم ; لأنه قال : "لا نورث ، ما تركناه صدقة " ورفع الميراث عن أزواجه وأقاربه ، وإنما تجوز الوصية لمن لا يجوز لأهله وراثته .

وأما حديث عائشة : فيه : أنه انخنث . أي : انثنى . ومنه سمي : المخنث ; لتثنيه وتكسره . قال صاحب "العين" : الخنث : السقاء . وخنث : إذا سال . وخنثته أنا .

ووصيته بكتاب الله في الحديث الذي قبله غير معنى قول عائشة : بما أوصى ؟

وقوله فيه : (أوصى بكتاب الله ) . قد فسره علي بقوله : ما عندنا إلا كتاب الله . وكذلك قال عمر : حسبنا كتاب الله حين أراد أن يعهد عند موته .

التالي السابق


الخدمات العلمية