التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2596 [ ص: 199 ] 6 - باب: لا وصية لوارث

2747 - حدثنا محمد بن يوسف ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس ، وجعل للمرأة الثمن والربع ، وللزوج الشطر والربع . [4578 ، 6739 - فتح: 5 \ 372]


ذكر فيه عن ابن عباس قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس ، وجعل للمرأة الثمن والربع ، وللزوج الشطر والربع .

الشرح :

لفظ الترجمة حديث مروي من طرق :

أحدها : من طريق أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته عام حجة الوداع : "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث " أخرجه الترمذي من حديث إسماعيل بن عياش ، عن شرحبيل بن مسلم ، عن أبي أمامة به ثم قال : حسن . وفي بعضها : صحيح .

فإن صحت فكأنه صحح رواية إسماعيل عن الشاميين .

[ ص: 200 ] وهو رأي أحمد والبخاري وغيرهما .

وأخرجه أبو داود وابن ماجه أيضا .

ثانيها : من طريق عمرو بن خارجة مرفوعا مثله ، أخرجه الترمذي أيضا من حديث شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن عمرو به ، ثم قال : حسن صحيح . وأخرجه النسائي وابن ماجه .

ثالثها : من طريق أنس ، أخرجه ابن ماجه من حديث سعيد بن أبي سعيد عنه به .

رابعها : من طريق جابر ، أخرجه الدارقطني وقال : الصواب إرساله .

خامسها : من طريق ابن عباس مرفوعا : "لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة " رواه الدارقطني من حديث حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء عنه به . زاد ابن حزم من طريق مرسلة : "فإن أجازوا فليس لهم أن يرجعوا " .

[ ص: 201 ] سادسها : عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده يرفعه : "إن الله قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث ، فلا يجوز لوارث إلا من الثلث " وذلك بمنى .

سابعها : عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا وصية لوارث ، ولا إقرار بدين " أخرجهما الدارقطني ، ولابن أبي شيبة من حديث أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي : ليس لوارث وصية .

وأما حديث ابن عباس فشيخ البخاري فيه : محمد بن يوسف ، وهو الفريابي كما بينه أبو نعيم الحافظ .

إذا عرفت ذلك فقام الإجماع كما حكاه ابن بطال : على أن الوصية للوارث لا تجوز . قال ابن المنذر : وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ما اتفق عليه من ذلك ، فساق حديث أبي أمامة من طريق سعيد بن منصور ، عن إسماعيل ، ثم ساقه من حديث قتادة عن شهر . وقال : عمرو بن جارية . وصوابه : خارجة كما أسلفناه .

واختلفوا إذا أوصى لبعض ورثته ، فأجازه بعضهم في حياته ثم بدا لهم بعد وفاته ، فقالت طائفة : ذلك جائز عليهم ، وليس لهم الرجوع فيه ،

[ ص: 202 ] هذا قول عطاء والحسن وابن أبي ليلى والزهري وربيعة ، والأوزاعي ، وقالت طائفة : لهم الرجوع في ذلك إن أحبوا . هذا قول ابن مسعود وشريح والحكم وطاوس ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور ، وقال مالك : إذا أذنوا له في صحته فلهم أن يرجعوا ، وإن أذنوا له في مرضه وحين يحجب عن ماله فذلك جائز عليهم ، وهو قول إسحاق . وعن مالك أيضا : لا رجوع لهم إلا أن يكونوا في كفالته فرجعوا . وقال المنذري : إنما تبطل الوصية للوارث في قول أكثر أهل العلم من أجل حقوق سائر الورثة ، فإذا أجازوها جازت كما إذا أجازوا الزيادة على الثلث ، وذهب بعضهم إلى أنها لا تجوز وإن أجازوها ; لأن المنع لحق الشرع ، فلو جوزناها كنا قد استعملنا الحكم المنسوخ ، وذلك غير جائز ، وهذا قول أهل الظاهر . قال أبو عمر : وهو قول عبد الرحمن بن كيسان والمزني . قال ابن حزم : إلا أن يبتدأ الورثة هبة لذلك من عند أنفسهم .

حجة الأول أن المنع إنما وقع من أجل الورثة ، فإذا أجازوه جاز وصار بمنزلة أن يجب لهم على إنسان مال فيبرئوه منه ، وقد اتفقوا على أنه إذا أوصى بأكثر من الثلث لأجنبي جاز بإجازتهم ، فكذلك هذا . وحجة من أجاز الرجوع أنهم أجازوا شيئا لم يملكوه في ذلك الوقت ، وإنما يملك المال بعد وفاته ، وقد يموت الوارث المستأذن قبله ولا يكون وارثا ، وقد يرثه غيره ، وقد أجاز من لا حق له فيه فلا يلزمه شيء .

[ ص: 203 ] وحجة مالك أن الرجل إذا كان صحيحا فهو أحق بماله كله يصنع فيه ما شاء ، فإذا أذنوا له في صحته فقد تركوا شيئا لم يجب لهم ، وذلك بمنزلة الشفيع يترك شفعته قبل البيع ، أو الولي إذا عفا عمن يقتل وليه فتركه لما لم يجب له غير لازم ، وإذا أذنوا له في مرضه فقد تركوا ما وجب لهم من الحق ، فليس لهم أن يرجعوا فيه إذا كان قد أنفذه ; لأنه قد فات ، فإن لم ينفذ المريض ذلك كان للوارث الرجوع فيه ; لأنه لم يفت التنفيذ ، ذكره الأبهري . وذكر ابن المنذر عن إسحاق أن قول مالك في هذه المسألة أشبه بالسنن من غيره . قال ابن المنذر : واتفق مالك والثوري والكوفيون والشافعي وأبو ثور أنه إذا أجازوا ذلك بعد وفاته لزمهم ، وهل هو ابتداء عطية منهم أو لا ؟ فيه خلاف : الصحيح أنه ينفذ ، وقد بسطته في كتب الفروع مع تحقيقات فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية