التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2600 2751 - حدثنا بشر بن محمد السختياني ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري قال : أخبرني سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " كلكم راع ومسئول عن رعيته ، والإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية

[ ص: 212 ] ومسئولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته " . قال : وحسبت أن قد قال : "والرجل راع في مال أبيه " .
[انظر : 893 - مسلم: 1829 - فتح: 5 \ 377]


ثم ذكر حديث حكيم بن حزام : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني . . إلى آخره .

وسلف في الزكاة .

وحديث ابن عمر "كلكم راع . . " بطوله .

الشرح :

ما احتج به البخاري فيما ترجم عليه في تقديم الدين على الوصية هو قول جميع العلماء إلا أبا ثور ، وما ذكره معلقا أخرجه الترمذي وابن ماجه ، وللحاكم من حديث علي كرم الله وجهه قال : إنكم تقرءون هذه الآية من بعد وصية يوصى بها أو دين [النساء : 11] وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية . وفيه : الحارث الأعور ، ويعضده الإجماع على مقتضاه . وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق . وقد تكلم الناس في الحارث ، وقال ابن التين : إنه حديث لا يثبته العلماء بالنقل ، والآية نزلت في عثمان بن طلحة ، قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الآية فدفع إليه المفتاح ، ذكره الواحدي في "أسبابه " عن مجاهد .

[ ص: 213 ] وحديث : "لا صدقة إلا عن ظهر غنى " هذا قدمه مسندا ، وما ذكره عن ابن عباس هو إجماع ، كما قاله ابن التين ، وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص ، عن شبيب بن غرقدة عن جندب قال : سأل طهمان ابن عباس : أيوصي العبد ؟ قال : لا إلا أن يأذن له أهله .

وحديث : "العبد راع " قدمه مسندا في الصلاة من حديث ابن عمر ، وحديث ابن عمر أخرجه ( . . . ) .

إذا تقرر ذلك ، فوجه إدخال حديث حكيم هنا أنه جعله من باب الديون وإن لم يعرفوا بها ; لأنه لما رآه قد سماه له ، ورأى الاستحقاق من حكيم متوجها إلى المال إن رضيه وقبله أجراه مجرى مستحقات الديون . وقال ابن المنير : دخوله هنا من وجهين :

أحدهما : زهده في العطية وجعل يد آخذها السفلى تنفيرا عن قبولها ، ولم يرد مثل هذا في تقاضي الدين ، فالحاصل أن قابض الوصية يده السفلى ، وقابض الدين استيفاء لحقه إما أن تكون يده العليا ; لأنه المتفضل ، وإما أن تكون يده السفلى ، هذا أقل حالتيه ، فتحقق تقديم الدين على الوصية بذلك .

ثانيهما : ذكره المهلب ، وهو أن عمر : اجتهد أن يوفيه حقه في بيت المال ، وبالغ في خلاصه من عهدته هذا وليس دينا ، ولكن فيه شبه الدين ; لكونه حقا في الجملة -وهذا ما قدمته - قال : والوجه الأول

[ ص: 214 ] أقوى (من ) مقصود البخاري .

وأما حديث ابن عمر فوجهه هنا -والله أعلم - أنه لما كان العبد متبرعا في مال سيده صح أن المال للسيد وأن العبد لا ملك له فيه ، فلم تجز وصية العبد بغير إذن سيده كما قال ابن عباس ، وأشبه في المعنى الموصي الذي عليه الدين فلم تنفذ وصيته إلا بعد قضاء دينه ; لأن المال الذي بيده إنما هو لصاحب الدين ومسترعى فيه ومسئول عن رعيته ، فلم يجز له تفويته على ربه بوصية وغيرها إلا أن تبقى منه بعد أداء الدين بقية ، كما أن العبد مسترعى في مال سيده ولا يجوز له تفويته على سيده ، فاتفقا في الحكم لاتفاقهما في المعنى . قال ابن المنير : والحديث أصل يندرج تحته مقصود الترجمة ; لأنه لما تعارض في ماله حقه وحق السيد قدم الأقوى وهو حق السيد ، وجعل (السيد ) مسئولا عنه مؤاخذا بحفظه وكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية ، والدين واجب والوصية تطوع ; وجب تقديمه .

فائدة : البداءة في الآية بالوصية قبل الدين لا يقضي أن يكون مبدأها على الدين ، وإنما يقتضي الكلام أن يكون الدين والوصية يخرجان قبل قسمة الميراث ; لأنه لما قيل : من بعد كذا وكذا . علم أنه من بعد هذين الصنفين . قال تعالى : ولا تطع منهم آثما أو كفورا [الإنسان : 24] أي : لا تطع أحدا من هذين الصنفين . وتقول : مررت بفلان وفلان . ولا توجب

[ ص: 215 ] ترتيبا بينهما . قال تعالى : يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين [آل عمران : 43] فأمرت بذلك كله ، ولم يقتض أن يكون السجود قبل الركوع ، ولو قلت : مررت بفلان ففلان أو بفلان ثم فلان . اقتضى أن يكون الذي بدأ بتسميته هو الذي مر به أولا ، فلما قال تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين [النساء : 11] اقتضى أن تكون القسمة بعدهما ، لا تبدية لأحدهما على الآخر ، نعم فهم بالسنة التي مضت والمعنى أن الدين قبلها ; لأن الوصية إنما هي تطوع يتطوع (به ) الموصي ، وأداء الدين فرض عليه ، والفرض أولى من التطوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية