التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2601 [ ص: 216 ] 10 - باب: إذا وقف أو أوصى لأقاربه ، ومن الأقارب

وقال ثابت عن أنس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة : "اجعلها لفقراء أقاربك " . فجعلها لحسان وأبي بن كعب .

وقال الأنصاري : حدثني أبي ، عن ثمامة ، عن أنس مثل حديث ثابت قال : "اجعلها لفقراء قرابتك " . قال أنس : فجعلها لحسان وأبي بن كعب ، وكانا أقرب إليه مني ، وكان قرابة حسان وأبي من أبي طلحة واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام فيجتمعان إلى حرام ، وهو الأب الثالث ، وحرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، فهو يجامع حسان أبا طلحة أبيا إلى ستة آباء إلى عمرو بن مالك ، وهو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، فعمرو بن مالك يجمع حسان وأبا طلحة وأبيا . وقال بعضهم : إذا أوصى لقرابته فهو إلى آبائه في الإسلام .

2752 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسا رضي الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة : " أرى أن تجعلها في الأقربين " . قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله . فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه . [انظر : 1461 - مسلم: 998 - فتح: 5 \ 379]

[ ص: 217 ] وقال ابن عباس : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين [الشعراء : 214] جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادي : "يا بني فهر ، يا بني عدي " . لبطون قريش [3525 - مسلم : 208]

وقال أبو هريرة : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر قريش " . [2753 - مسلم : 206]


ثم ذكر حديث أنس أنه - عليه السلام - قال لأبي طلحة : "أرى أن تجعلها في الأقربين " . قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله . فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه .

وقال ابن عباس : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادي : "يا بني فهر ، يا بني عدي " . لبطون قريش .

وقال أبو هريرة : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر قريش " .

الشرح :

قول ابن عباس هذا أسنده في : الفضائل والتفسير .

وعند مسلم : صعد على الصفا .

وفي لفظ : خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل ينادي : "يا صباحاه " .

وللترمذي : وضع إصبعيه في أذنيه ورفع صوته فقال : "يا بني عبد مناف ، يا صباحاه " .

[ ص: 218 ] وقول أبي هريرة قد أسنده في الباب بعده .

وقوله : (وهو يجامع حسان وأبا طلحة وأبيا ) . كذا وقع في رواية المروزي والهروي ، وفي أخرى : فهو يجمع حسان وأبو طلحة وأبي ، برفع الجميع . وهو صواب أيضا .

وهذا الكلام يحتاج إلى إيضاح ، نبه عليه الدمياطي الحافظ النسابة ، وذلك أن أبا طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، فيجتمع أبو طلحة وحسان وأبي بن كعب في عمرو بن مالك بن النجار ، فيجتمع أبو طلحة وحسان في حرام بن عمرو جد أبويهما .

وبنو عدي بن عمرو بن مالك يقال لهم : بنو مغالة . وبنو معاوية بن عمرو بن مالك يقال لهم : بنو جديلة ، بطنان من بني مالك بن النجار .

فقوله : (فهو يجامع حسان وأبا طلحة وأبيا ) هو ضمير الشأن .

إذا تقرر ذلك : فالبخاري ترجم على أنه يخص بالعطية أقرب الناس إلى المعطي وإن كان ثم قرابة فوقه . وقال الداودي : لا حجة فيه في الوصايا ; لأنه - عليه السلام - إنما أشار عليه أن يضع ماله في أقاربه ، ففعل فبدأ بأقرب أقاربه ، وهذا لا يرفع اسم القرابة عمن فوقهم ، والآية التي ذكرها البخاري تدل على خلاف ذلك ; لأنه لم يرد بها بني عبد المطلب خاصة ; لأنهم أقرب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقد اختلف العلماء إذا أوصى بثلثه لأقاربه أو لأقارب فلان من

[ ص: 219 ] الأقارب الذين يستحقون الوصية ، فقال الكوفيون والشافعي : يدخل في ذلك من كان من قبل الأب والأم ، غير أنهم رتبوا أقوالهم على ترتيب مختلف . وقال أبو حنيفة : القرابة هم كل ذي رحم محرم من قبل الأب والأم ممن لا يرث غير أنه يبدأ بقرابة الأب على قرابة الأم ، وتفسير ذلك أن يكون له خال وعم ، فيبدأ بعمه على خاله فيجعل له الوصية . وقال صاحباه والشافعي : سواء في ذلك قرابة الأب والأم ، ومن بعد منهم أو قرب ، ومن كان ذا رحم محرم أو لم يكن ، وهو قول أبي ثور ، وقال أبو يوسف ومحمد : القرابة من جمعه أب وأم . منذ كانت الهجرة ، قالا : ولا يدخل في ذلك الولد ولا الوالدان . وقال آخرون : القرابة : كل من جمعه والموصي أبوه الرابع إلى من هو أسفل منه ، وهو قول أحمد . وقال آخرون : القرابة : كل من جمعه والموصي أب واحد في الإسلام أو الجاهلية ممن يرجع بآبائه وأمهاته إليه أبا عن أب أو أما عن أم إلى أن يلقاه .

وقال مالك : لا يدخل في الأقارب إلا من كان من قبل الأب ، خاصة العم وابنه والأخ وشبههم ، ويبدأ بالفقراء حتى يغنوا ، ثم بعطاء الأغنياء . هذا ما نقله ابن بطال عنه ، ونقل عنه ابن التين : أنه إذا أوصى للقرابة يعطي القرابة من الرجال والنساء ; لأن اسم القرابة يقع عليهم . قال : وبه قال الشافعي ، وزاد بعضهم : وأقربهم وأغناهم وأفقرهم سواء ; لأنهم أعطوا باسم القرابة كما أعطي من شهد القتال بالحضور . قال : وقيل : لا يدخل من كان من قبل الأم . وإنما جوز

[ ص: 220 ] أهل هذه المقالات الوصية للقرابة إذا كانت تلك القرابة تحصى وتعرف كما نبه عليه الطحاوي ، فإن كانت لا تحصى ولا تعرف فإن الوصية لها باطل في قولهم جميعا إلا أن يوصي لفقرائهم ، فتكون جائزة لمن رأى الموصي دفعها إليه منهم ، وأقل ما يجوز أن يجعلها فيهم اثنان فصاعدا في قول محمد ، وقال أبو يوسف : إن دفعها إلى واحد أجزأه ، واحتج للصاحبين بأنه - صلى الله عليه وسلم - لما قسم سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم جميعا ، وفيه من رحمه منهم محرمة وغير محرمة ، وأعطى بني المطلب وأرحامهم جميعا منه غير محرمة ; لأن بني هاشم أقرب إليه من بني عبد المطلب ، فلما لم يقدم في ذلك رسول الله من قربت رحمه على من بعدت ، وجعلهم كلهم قرابة يستحقون ما جعل إليه لقرابته ; سقط قول أبي حنيفة في اعتباره ذا الرحم المحرم واعتباره بالأقرب ، وسقط قول من جعل أهل الحاجة منهم أولى ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - عم بعطيته بني هاشم وفيهم أغنياء ، وحجة أخرى على أبي حنيفة ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أمر أبا طلحة أن يجعل أرضه في فقراء قرابته جعلها لحسان وأبي ، وأبي إنما يلقى أبا طلحة عند أبيه السابع ، ويلتقي مع حسان مع أبيه الثالث ، فلم يقدم أبو طلحة حسان لقرب رحمه على أبي لبعد رحمه منه ، ولم ير واحدا منهما مستحقا لقرابة منه في ذلك إلا كما يستحق منه الآخر ، فثبت فساد قوله ، واحتج له بأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى حسان بن ثابت وأبيا لقربهما إليه ، ولم يعط أنسا شيئا والأقرب أولى كالميراث ، ولأنا لو سوينا بينه وبين القريب والبعيد أدى ذلك إلى إبطالها ; لأن المقصود بها الأدنى فإذا اشترك فيها من لا يحصى دخل

[ ص: 221 ] الغني والفقير إلى آدم ; لأنه ليس أب ينسب إليه بالقرابة أولى من أب .

والوصية والوقف سواء ، وفي رواية : (فجعلها أبو طلحة على ذوي رحمه ) ، ولأن المقصود بها الصلة فالرحم المحرم أولى كالنفقة ، وإيجاب العتق ، وذو الرحم المحرم أولى بالصلة من ذي الرحم غير المحرم ، واحتج من صرف للتعدد بحديث أبي طلحة من حيث إنه لو اكتفي بالواحد لأعطى حسان وحده دون أبي ; لأنه أقرب إليه من أبي ، فلما كان المعتبر في ذلك الاثنين أعطاهما وإن كانا ليس متساويين في الدرجة مع قول السهيلي : كان ابن عمة أبي طلحة أمه سهيلة بنت الأسود بن حرام . وكذا قوله : في (الأقربين ) ، وفي أقاربك . وأقل الجمع اثنان .

واحتج بعض أصحابنا فقال : إنما استحقوا باسم القرابة فيستوي في ذلك القريب والبعيد والغني والفقير كما أعطى من شهد القتال باسم الحضور ، ثم نظرنا في قول من قال : هو إلى آبائه في الإسلام . فرأينا الشارع أعطى سهم ذي القربى بني هاشم وبني المطلب ، ولا يجتمع هو مع أحد منهم إلى أب منذ كانت الهجرة ، وإنما يجتمع معهم في آباء كانوا في الجاهلية ، وكذلك أبو طلحة وأبي وحسان لا يجتمعون عند أب إسلامي ، ولم يمنعهم ذلك أن يكونوا قرابة يستحقون ما جعل للقرابة فبطل قول صاحب الصاحبين كما قال الطحاوي .

[ ص: 222 ] وثبت أن الوصية لكل من توقف على نسبه عن أب أو أم حتى يلتقي هو والموصي لقرابته إلى جد واحد في الجاهلية أو في الإسلام .

وأما الذين قالوا : إن القرابة هم الذين يلتقون عند الأب الرابع ، فإنهم ذهبوا إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قسم سهم ذي القربى أعطى بني هاشم وبني المطلب ، وإنما يلتقي هو وبنو المطلب عند أبيه الرابع ; لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، والآخرون هم بنو المطلب بن عبد مناف ، فإنما يلتقي معهم عند عبد مناف وهو أبوه الرابع فمن الحجة عليهم في ذلك للآخرين : أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أعطاها حرم بني أمية وبني نوفل ، وقرابتهم منه لقرابة بني المطلب ، فلم يحرمهم لأنهم ليسوا قرابة ، ولكن لمعنى غير القرابة فكذلك من فوقهم لم يحرمهم ; لأنهم ليسوا قرابة ، ولكن لمعنى غيرها ، وكذلك أعطى أبو طلحة لحسان وأبي ، وإنما يلتقي مع أبي لأبيه السابع فلم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على أبي طلحة ما فعل وقد أمر الله تعالى نبيه أن ينذر عشيرته الأقربين ، فدعا عشائر قريش كلها ومنهم من يلقاه عند أبيه الثاني وعند أبيه الثالث والرابع والخامس والسابع ، ومنهم من يلقاه عند آبائه الذين فوق ذلك إلا أنه ممن جمعته وإياهم قريش ، فبطل قول من جعل إلى الأب الرابع ، وثبت قول من جعل إلى أب واحد في الجاهلية أو الإسلام .

واحتج أصحاب مالك لقوله : إن القرابة قرابة الأب خاصة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما أعطى ذوي القربى لم يعط قرابته من قبل أمه شيئا ، وسيأتي إيضاحه في الباب بعده ، وقد سلف كثير من معنى حديث أبي طلحة في باب : فضل الزكاة على الأقارب من كتاب الزكاة .

[ ص: 223 ] فرع : اختلف قول مالك في دخول القرابة وكذا البنات ، فمنعه ابن القاسم ، وكذا من كان من قبل الأم ، وقال ابن الماجشون بالدخول ، واختلف فيما إذا قال : لآبائي . هل تدخل العمومة والخالات ؟ والمختار عندهم : الدخول ، لقوله تعالى : ورفع أبويه على العرش [يوسف : 100] يعني : أباه وخالته ، وكذلك اختلف إذا قال : بني . هل تدخل البنات ؟

خاتمة :

قال ابن التين : قول من قال في البخاري : إذا أوصى لقرابته فهو إلى آبائه في الإسلام ، ثم نقل عن أبي يوسف أن الوصية لقرابته ذوي رحمه المحرمة وغيرهم من الرجال والنساء ، الأقرب والأبعد في ذلك سواء إلى أقصى أب له في الإسلام من الرجال والنساء ، ثم نقل عن الداودي أنه قال : إن أراد القائل في البخاري من عدي مضر وقحطان ، فهو معنى قول مالك ، وترتيب القربة وأما عدنان وقحطان فهم يتناسبون إليها ، وكذلك يتعاقلون ; لأنهم سواء في دارهم [و] تناسبوا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس كذلك غيرهم .

أخرى : في قوله في حديث أبي هريرة : وأنذر عشيرتك الأقربين [الشعراء : 214] دلالة أنه لا يخص بالقرابة أقربهم إلى الموصي . وبنو عبد مناف أربع قبائل تقدمت : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو عبد شمس ، وبنو نوفل ، وأقربهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - بنو هاشم ، وأقرب بني هاشم عبد المطلب ، وأدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجال والنساء والقبائل على

[ ص: 224 ] أن بعضهم أبعد من بعض قال تعالى : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا [الحجرات : 13] فالشعوب : القبائل العظام كمضر وربيعة وتميم وقيس ، والقبائل دون ذلك كقريش ونحوها ، والأفخاذ : بني هاشم وبني عبد شمس .

تنبيه :

وقع في شرح بعض شيوخنا هنا أن قال بعد ترجمة البخاري : وقال إسماعيل بن جعفر : أخبرني عبد العزيز بن عبد الله عن إسحاق بن عبد الله قال : لا أعلمه إلا عن أنس فذكر حديث بيرحاء في الزكاة ، ثم نقل عن الطرقي أنه قال : إن البخاري أخرجه عن الحسن بن شوكر عن إسماعيل بن جعفر ، وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده " عن همام بن يحيى ، عن إسحاق بن عبد الله . انتهى ما ذكره . وهو عجيب منه فهذا الحديث ليس في الباب ، وإنما ساقه البخاري بعد بأبواب في باب : من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه ، ولم يسقه منقطعا ، إنما ساقه مسندا عن إسماعيل بن جعفر ، قال : نا إسماعيل ، أخبرني عبد العزيز . فذكره .

قلت : والحسن بن شوكر من رجال أبي داود فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية