التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2602 [ ص: 225 ] 11 - باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب

2753 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله -عز وجل - : وأنذر عشيرتك الأقربين [الشعراء : 214] قال : "يا معشر قريش -أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا " . تابعه أصبغ ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب . [3527 ، 4771 - مسلم: 206 - فتح: 5 \ 382]


ذكر فيه حديث أبي هريرة قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله -عز وجل - : وأنذر عشيرتك الأقربين قال : "يا معشر قريش " أو كلمة نحوها . . الحديث بطوله .

قال الإسماعيلي : وحديث أبي هريرة هذا وحديث ابن عباس في الباب قبله مرسلان لأن الآية نزلت بمكة -شرفها الله - وابن عباس كان صغيرا ، وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة .

قلت : والسماع ممكن أو من صحابي آخر فلا إرسال (يقدح ) .

وقام الإجماع على أن اسم الولد يقع على البنين والبنات ، وأن النساء التي من صلبه وعصبته كالعمة والابنة والأخت يدخلن في الأقارب ، إذا وقف على أقاربه ، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - خص عمته بالنذارة كما خص ابنته ، فكذلك من كان في معناهما ممن يجمعه معه أب واحد .

[ ص: 226 ] وروى أشهب عن مالك أن الأم لا تدخل في مرجع الحبس ، وقال ابن القاسم : تدخل الأم في ذلك ، ولا تدخل الأخوات لأم .

واختلفوا في ولد البنات أو ولد العمات ممن لا يجتمع في أب واحد مع الموصي والمحبس هل يدخلون في القرابة أم لا ؟ فقال أبو حنيفة والشافعي : إذا وقف وقفا على ولده دخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا ، وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنات . والقرابة عند أبي حنيفة : كل ذي رحم . فيسقط عنده ابن العم والعمة ، وابن الخال والخالة ; لأنهم ليسوا محرمين . والقرابة عند الشافعي : كل ذي رحم محرم وغيره ، فلم يسقط عنده ابن العم ولا غيره . قلت : صحح أصحابه أنه لا يدخل في القرابة الأصول والفروع ، ويدخل كل قرابة وإن بعد ، وقال مالك : لا يدخل في ذلك ولد البنات .

وقوله : (لقرابتي وعقبي ) كقوله : لولدي وولد ولدي يدخل فيه ولد البنين . ومن يرجع إلى عصبة الأب وصلبه ، ولا يدخل ولد البنات . حجة من أدخل ولد البنت الحديث السالف : "إن ابني هذا سيد " في الحسن بن علي ، ولا يظن أن أحدا يمتنع أن يقول في ولد البنات أنهم ولد لأبي أمهم ، والمعنى يقتضي ذلك ; لأن الولد في اللغة مشتق من التولد ، وهم متولدون عن أبي أمهم لا محالة ; لأنه أحد أصليهم الذين يرجعون إليه ، قال تعالى : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [الحجرات : 13] فللذكر حظه وللأنثى حظها والتولد عن جهة الأم كالتولد عن جهة الأب ، وقد دل القرآن على ذلك قال تعالى : ومن ذريته داود إلى أن قال : وعيسى [الأنعام : 84 ، 85] فجعل

[ ص: 227 ] عيسى من ذريته وهو ابن بنته ، ولم يفرق في الاسم بين نبي الله وبين ابنته .

وأجيب بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما سمى الحسن ابنا على وجه التحنن ، وأبوه في الحقيقة علي وإليه نسبه ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في العباس : "اتركوا لي أبي " وهو عمه ، وإن كان الأب حقيقة خلافه ، قلت : وأعلى من هذا أن من خصائصه أن أولاد بناته ينسبون إليه ، كما أوضحته في "الخصائص " ، وعيسى جرى عليه اسم الذرية على طريق الاتساع والتغليب للأكثر المذكور ، وهذا شائع في كلام العرب .

ودليل آخر وهو قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم [النساء : 11] والمراد الذكر وابنه خاصة ، ألا ترى قوله تعالى : ولذي القربى [الأنفال : 41] اختص به بنو أعمامه ومن يرجع نسبه إليه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى سهم القرابة بني أعمامه دون بني أخواله ، فكذلك ولد البنات ; لأنهم لا ينتمون إليه بالنسب ، ولا يلتقون معه في أب ، قال الشاعر :


بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وفي إعطائه - صلى الله عليه وسلم - بني المطلب ، وهم بنو أعمامه حجة على أبي حنيفة أن ابن العم داخل في القرابة ، ولما أعطى بني المطلب وبني هاشم جاء عثمان وجبير بن مطعم إليه فقالا : قد عرفنا فضل بني هاشم لمكانك الذي وضعك الله فيهم ، فما بالنا وبني المطلب أعطيتهم ومنعتنا وقرابتنا واحدة ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام "

[ ص: 228 ] وعثمان من بني عبد شمس ، وجبير بن مطعم من بني نوفل ، وهو أخو عبد شمس بن عبد مناف والمطلب بن عبد مناف وهاشم بن عبد مناف ، فأعطى بني المطلب وهم بنو أعمامه ، وأعطى بني هاشم و (هم ) جده ، وليس فيهم من يرجع إلى أجداد الأمهات مثل ولد البنات والأخوال وغيرهم من ذوي الأرحام ، فدل ذلك على رد قول القائل : إن القرابة تقع على قرابة الأب والأم ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعط إلا من رجع إلى عصبته ، وكذا من سوى بين الأقرب والأبعد ; لأنه لما أعطى الأولين ومنع الآخرين علم أنه لا يستحق بالقرابة إلا على وجه الاجتهاد ، وقد يدخل في القرابة جميع قريش بقوله : "يا معشر قريش " وخص بعضهم بالعطاء ، فصح البداءة بالفقراء قبل الأغنياء .

وفي قوله لابنته : "سليني ما شئت " أن الائتلاف للمسلمين وغيرهم بالمال جائز ، وذلك في الكافر آكد .

التالي السابق


الخدمات العلمية