التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2610 2761 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أمي ماتت وعليها نذر . فقال : "اقضه عنها " . [6698 ، 6959 - مسلم: 1638 - فتح: 5 \ 389]


ذكر فيه حديث عائشة ، أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي افتلتت نفسها ، وأراها لو تكلمت تصدقت ، أفأتصدق عنها ؟ قال : "نعم ، تصدق عنها " .

وحديث ابن عباس ، أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أمي ماتت وعليها نذز . فقال : "اقضه عنها " .

الشرح :

معنى : (افتلتت ) : أخذت نفسها فجأة يقال : افتلت الشيء إذا أخذته فجأة ، وكل شيء عوجل مبادرة فهو فلتة .

قال صاحب "المطالع " : كذا ضبطناه (نفسها ) بالفتح على المفعول به الثاني ، وبضمها على الأول ، والنفس مؤنثة وهي هنا : الروح ، وقد تكون بمعنى الذات ، و (أراها ) بضم الهمزة : أظنها .

أما حكم الباب :

[ ص: 250 ] ففيه : أن الولد ينبغي أن يفعل عن والده ما يظن أنه يود فعله .

وفيه : قضاء النذر ، وقد أخرجه من حديث مالك ، ومالك إنما يراه في المال ، وقد جاء مفسرا في الصوم وغيره ، وقد سلف الخلف فيه ، ولم يأخذ به أصحاب مالك سوى محمد بن عبد الحكم .

وقام الإجماع على أن الصدقة تنفع الميت ، عملا بقوله : "نعم " وقيل : يحتمل أن يكون المتصدق عنها يهبها الأجر بعد وقوع الصدقة عن المتصدق وظاهر الحديث خلافه ، ولا يبعد أن يثاب المرء بفعل غيره كما يغتاب ويسرق ماله ، يوضحه الحديث السالف : "إذا تصدقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها بما كسب ، وللخازن مثل ذلك " ويدل على نفعه بالصدقة حديث أبي هريرة الثابت : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية " وحديث سعد بن عبادة لما أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يتصدق عن أمه : أي الصدقة أفضل ؟ قال : "سقي الماء " ودلت عليه الآيات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأويل قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم : 39] على الخصوص .

قال ابن المنذر : وأما العتق عن الميت فلا أعلم فيه خبرا يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ثبت عن عائشة أنها أعتقت عبيدا عن أخيها عبد الرحمن ، وكان مات ولم يوص .

[ ص: 251 ] وأجاز ذلك الشافعي . قال بعض أصحابه : لما جاز أن يتطوع بالصدقة وهي مال ، فكذا العتق . وفرق غيره بينهما فقال : إنما أجزناها للأخبار الثابتة ، والعتق لا خبر فيه بل في قوله : "الولاء لمن أعتق " دلالة على منعه ; لأن الحي هو المعتق بغير أمر الميت فله الولاء ، فإذا ثبت له الولاء فليس للميت منه شيء ، وليس بصحيح ; لأنه قد روي في حديث سعد بن عبادة أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها ؟ قال : "نعم " فدل أن العتق ينفع الميت ، ويشهد لذلك فعل عائشة السالف .

وقد اختلفت الآثار في النذر الذي كان على أم سعد ، فقيل : كان غير عتق . وذلك مذكور في النذور في باب : من مات وعليه نذر . وقال ابن المنذر : وممن كان يجيز الحج التطوع عن الميت الأوزاعي والشافعي وأحمد ، ومنعها غيرهم .

وقد سلف ذلك في الحج .

قال ابن المنذر : وفي ترك الشارع إنكار فعل المرأة التي افتلتت نفسها حتى ماتت ولم توص ، دلالة على أن تارك الوصية غير عاص إذ لو كان فرضا لأخبر أنها تركت فرضا .

وأما قضاء الدين عن الميت فما لزم الذمة فلا خلاف في قضائه عن الميت ، وما لزم البدن ففيه الخلاف ، وقد سلف أيضا .

[ ص: 252 ] واعلم أن حديث ابن عباس في قصة سعد ذكره البخاري قريبا في باب : إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود ، كما ستعلمه وفي لفظ : (وأراها لو تكلمت تصدقت ) . وفي "الموطأ " أنه قال لها : أوصي . قالت : فيم أوصي ؟ (إنما ) (المال لابني ) سعد . فإن كان هذه قصة أخرى أو لم يبلغ ذلك سعدا فقال : (لو تكلمت تصدقت ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية