التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2613 [ ص: 257 ] 22 - باب: قول الله تعالى : وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح إلى قوله : نصيبا مفروضا [النساء : 6 - 7]

وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم ، وما يأكل منه بقدر عمالته .

2764 - حدثنا هارون ، حدثنا أبو سعيد -مولى بني هاشم - حدثنا صخر بن جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يقال له ثمغ ، وكان نخلا ، فقال عمر : يا رسول الله إني استفدت مالا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تصدق بأصله ، لا يباع ولا يوهب ولا يورث ، ولكن ينفق ثمره " . فتصدق به عمر ، فصدقته ذلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى ، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف ، أو يوكل صديقه غير متمول به . [انظر : 2313 - مسلم: 1632 - فتح: 5 \ 392]

2765 - حدثنا عبيد بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [النساء : 6] . قالت : أنزلت في والي اليتيم أن يصيب من ماله إذا كان محتاجا بقدر ماله بالمعروف . [انظر : 2212 - مسلم: 3019 - فتح: 5 \ 392]


[ ص: 258 ] ثم ساق حديث ابن عمر في صدقة عمر بثمغ وكان نخلا .

وفي آخره : (ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف ) إلى آخره ، وقد سلف ، والبخاري رواه عن هارون ، وهو ابن الأشعث الهمداني الثقة ، وهو من أفراده عن أبي سعيد مولى بني هاشم

واسمه : عبد الرحمن (خ س ق ) بن عبد الله بن عبيد البصري ، نزل مكة يلقب جردقة .

وذكر فيه أيضا حديث عائشة رضي الله عنها : ومن كان غنيا فليستعفف [النساء : 6] . قالت : أنزلت في والي اليتيم أن يصيب من ماله إذا كان محتاجا بقدر ماله بالمعروف .

وقد سلف أيضا ، ومعنى : وابتلوا اليتامى اختبروهم في عقولهم ، تميزهم وأذهانهم ، وذلك أن يختبر بعد البلوغ بشيء من ماله ، وظاهر القرآن أنه قبله ، والمراد بالنكاح هنا : الحكم بالإنفاق ، ومعنى : آنستم علمتم رشدا عقلا ، كما قاله أبو حنيفة ; لأنه لا يرى الحجر على حر مسلم وصلاحا في الدين ، أو صلاحا في الدين والمال كما قال الحسن والشافعي ، أو صلاحا وعلما بما يصلح ، والأنثى كالذكر عند الشافعي وأبي حنيفة ، ومشهور مذهب مالك أن يضاف إلى ذلك دخول الزوج بها إسرافا مجاوزة المباح ، فإن فرط قيل : أسرف إسرافا ; فإن قصر قيل : سرف يسرف وبدارا هو أن يأكله مبادرة أن يكبر فيحول بينه وبين ماله .

[ ص: 259 ] وقوله : فليستعفف قال زيد بن أسلم وغيره : نسختها : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [النساء : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [النساء : 29] وهذا ليس تجارة . وقال جماعة : غير منسوخة واختلفوا في معناها ، فقالت عائشة ما في الكتاب ، وقال عمر : إن غنيت تركت وإذا احتجت أكلت بالمعروف .

وقاله ابن عباس ، وفي حديث مرفوع : "كل من مال يتيمك غير مسرف ولا متأثل مالك بماله " وعندنا يأكل أقل الأمرين من أجره ونفقته وقيل : أجرته .

وفي رد البدل قولان أصحهما : لا . وقيل : نعم ، وهو قرض ، وهو قول عطاء وجماعات ، وروي ذلك عن عمر وابن عباس ، وتأوله الداودي على قول عمر : (إنما ) أنا في هذا المال كولي اليتيم إذا استغنى عف ، وإن احتاج أكل ورد . وتأوله الجماعة على أنه لا يرد شيئا كما سلف .

وقال ابن بطال : ومن كان غنيا فليستعفف هو للندب ، وإن أكل بالمعروف لم يكن عليه حرج .

[ ص: 260 ] وقال ربيعة ويحيى بن سعيد : الأكل ها هنا لليتيم لا للولي ، إن كان فقيرا أنفق عليه بقدر فقره . وقال عكرمة وعروة والشعبي ، وروي عن ابن عباس : فليستعفف قال : يتقوت من ماله حتى لا يصيب من مال اليتيم شيئا .

والإشهاد من باب الندب خوف إنكار اليتيم ، وقيل : الإشهاد منسوخ بقوله : وكفى بالله حسيبا أي : شهيدا أو كافيا من الشهود وهذا قول أبي حنيفة أن القول قول الوصي في الدفع . وقيل : معناه فيمن اقترض منه فعليه أن يشهد عند الدفع ، وفسر : حسيبا في رواية أبي ذر : كافيا . وقيل : عالما . وقيل : مقتدرا . وقيل : محاسبا .

وقوله : للرجال نصيب نزلت بسبب أن الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، ويقولون : لا يرث إلا من طعن بالرمح . وذكر حديث عمر في الباب ; لذكره أكل الولي منه ، وليس من الباب في شيء كما قاله ابن التين ; لأن عمر شرط ذلك وشرط إطعام الصديق بخلاف الوصي .

(وثمغ ) بإسكان الميم ، وقد فسره بقوله : (وكان نخلا ) .

وقوله : (وهو عندي نفيس ) . أي : خطير يتنافس فيه . وقال الداودي : اشتقاقه أنه يأخذ بالأنفس ، وقال المهلب : إنما أدخل هذا الحديث في الباب ، لأن عمر حبس ماله على أصناف وجعله إلى من يليه وينظر فيه ، كما جعل مال اليتيم إلى من يليه وينظر فيه ، فالنظر لهؤلاء الأصناف

[ ص: 261 ] كالنظر لليتامى ، لأنهم من جملة هذه الأصناف .

وقال ابن المنير : حديث عمر غير مطابق للترجمة ; لأن عمر هو المالك لمنافع وقفه ولا كذلك الموصي على أولاده ، فإنهم إنما يملكون المال بقسمة الله تعالى وتمليكه ، ولا حق لمالكه فيه بعد موته ، فكذلك كان المختار أن وصي اليتيم ليس له الأكل من ماله إلا أن يكون فقيرا فيأكل .

وفيه من الفقه :

أن عمر فهم عن الله تعالى أن لولي هذا المال أن يأكل منه بالمعروف كما قال تعالى ، وقوله (غير متمول ) كقوله تعالى : ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا فدل أن ما ليس بسرف أنه جائز لولي اليتيم أن يأكله .

وقوله : (لا جناح على من وليه ) ولم يخص غنيا من فقير .

فيه : إجازة أكل الغني مما يلي .

وقال ابن بطال : جمهور علماء التأويل إنما أباحوا للولي الأكل من مال اليتيم إذا كان فقيرا ، ولم يذكروا في ذلك الغني .

والفقهاء على أنه لا رد ، وقد روى حديث عمر ولم يذكر فيه الرد ، رواه سعيد عن قتادة عن أبي مجلز عنه ، ومن رأى الرد فذلك مخالف لظاهر القرآن .

[ ص: 262 ] وأباح ابن عباس للغني أن يشرب من لبن إبل اليتيم بالمعروف من أجل قيامه عليها وخدمته لها ، فكيف يجب أن يكون على الفقير أن يقضي ما أكل منها بالمعروف إذا أيسر ، والنظر في ذلك أيضا يبطل وجوب القضاء ; لأن عمر شبه مال الله بمال اليتيم ، وقد أجمعت الأمة : أن الإمام الناظر للمسلمين لا يجب عليه غرم ما أكل بالمعروف ; لأن الله تعالى قد فرض سهمه في مال الله ، فلا حجة لهم في قول عمر : (ثم قضيت ) إن صح .

التالي السابق


الخدمات العلمية