التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2615 [ ص: 263 ] 23 - باب: قول الله تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما . [النساء : 10]

2766 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال : حدثني سليمان بن بلال ، عن ثور بن زيد المدني ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اجتنبوا السبع الموبقات " . قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : "الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " .

[5764 ، 6857 - مسلم: 89 - فتح: 5 \ 393]


ثم ساق حديث أبي الغيث -واسمه سالم - عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "اجتنبوا السبع الموبقات " . قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : "الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزخف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " .

الشرح :

اليتيم في اللغة : المنفرد ، وهو لمن مات أبوه ، ومن البهائم : من ماتت أمه .

نارا يصيرون به إلى النار ، أو تمتلئ بها بطونهم عيانا يوجب النار ، وعبر عن الأخذ بالأكل ; لأنه المقصود الأغلب منه ، والصلا : لزوم النار .

قال الداودي : وهذه الآية أشد ما في القرآن على المؤمنين ; لأنها

[ ص: 264 ] خير إلا أن تريد مستحلين . وقرئ : وسيصلون بفتح الياء وضمها ، والفتح أولى : سعيرا مسعورة . أي : موقدة شديدا حرها .

وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم ، و (الموبقات ) : المهلكات ، جمع موبقة من أوبق ووابقة : اسم فاعل من يبق وبوقا إذا هلك ، والموبق مفعل منه كالموعد ; يقال : وبق يبق ووبق . زاد القزاز : بائق ويبيق . وذكرهما النحاس ومعناه : هلك ، وعد منها التولي يوم الزحف ، وهو حجة على الحسن في قوله : كان الفرار كبيرة يوم بدر ; لقوله : ومن يولهم يومئذ دبره [الأنفال : 16] والزحف أصله المشي المتثاقل ، كالصبي يزحف قبل أن يمشي ، وسمي الجيش زحفا ; لأنه يزحف فيه ، وإنما يكون الفرار كبيرة إذا فر إلى غير فئة ، وإلا إذا كان العدو زائدا على ضعفي المسلمين .

و"المحصنات " -بفتح الصاد وكسرها - العفيفات الغافلات عن الفواحش ، وليس ذكر هذه السبع بناف أن لا تكون كبيرة إلا هذه ، فقد ذكر في غير هذا الموضع : قول الزور ، وزنا الرجل بحليلة جاره ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، واستحلال بيت الله الحرام ، وغير ذلك ، ويحتمل أن يكون الشارع أعلم بها في ذلك الوقت ثم أوحي إليه بعد ذلك غيرها ، أو تكون السبع هي التي دعت إليها الحاجة ذلك الوقت ، وكذلك القول في كل حديث خص عددا من الكبائر قال الشافعي : وأكبرها بعد الإشراك القتل . ودعوى بعضهم أنها سبع كأنه أخذ ذلك من هذا الحديث ، وقال بعضهم : إحدى

[ ص: 265 ] عشرة . وقال ابن عباس : إلى السبعين أقرب . وروي عنه : إلى سبعمائة .

والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة .

"والسحر " حق ، ونفاه بعضهم وهو كبيرة ، وقيل : لا يحرم .

وتقبل توبته ، خلافا لمالك كالزنديق عنده ، وقال في الذمي : لا يقتل إلا أن يدخل سحره ضررا على المسلمين فيكون ناقضا للعهد فيقتل ولا تقبل منه توبة غير الإسلام ، وأما إن كان لم يسحر إلا أهل ملته فلا يقتل إلا إذا قتل أحدا منهم .

والمشهور انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر ، وادعى بعضهم أنها كلها كبائر . وعبارة بعض المالكية أن عد الفرار من الزحف من الكبائر ، المراد : تغليظ أمره وتأكيد منعه وشدة العقاب عليه مما ليس في غيره . قال : وليس المراد أن في المعاصي صغيرا -على ما يقوله المعتزلة - لأن معاصيه كلها كبائر إلا أن بعضها أكثر عقابا من بعض وأشد إثما ، كما أن طاعته كلها يثاب عليها وفيها ما ثوابه أكثر من بعض ، وسيأتي الكلام على الكبائر في كتاب : الأدب -إن شاء الله تعالى - ومقصوده هنا أن أكل مال اليتيم من الكبائر كما نص عليه في الحديث ، وقد أخبر الله تعالى أن من أكله ظلما أنه يأكل النار ويصلى السعير ، وهو عند أهل السنة إن أنفذ الله عليه الوعيد ; لأنه عندهم تحت المشيئة كما سلف .

[ ص: 266 ] قال سعيد بن جبير : لما نزلت : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [النساء : 10] أمسك الناس فلم يخالطوا اليتامى في طعامهم حتى نزلت : ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم [البقرة : 220] وليس في القرآن ويسألونك إلا ثلاث عشرة مسألة من قلة ما كانوا يسألونه ، وقد بسطت الخلاف في حد الصغيرة والكبيرة في "شرح المنهاج " وقل ما سلم منها ، والإصرار على الصغائر أن يتكرر مثله تكررا يشعر بقلة مبالاته إشعار مرتكب الكبيرة ، ومثله إجماع صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر به أصغر الكبائر ، وقيل : إنه استمرار العزم على المعاودة أو استدامة الفعل بحيث يدخل فيه ذنبه في حيز ما يطلق عليه الوصف لصيرورته كبيرا عظيما ، وليس لزمنه وعده حصر ، وقيل : إنه يمضي عليه وقت صلاة وما استغفر من ذلك الذنب . قال ابن مسعود : الكبائر جميع ما نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى قوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [النساء : 31] وعن الحسن هي كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب .

وعن ابن عباس : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ، وبه قال الأستاذ

[ ص: 267 ] أبو إسحاق وغيره ، ونقله القاضي عياض عن (مذهب ) المحققين ; لأن كل مخالفة فهي بالنسبة إلى جلاله كبيرة . قال القرطبي : وما أظنه صحيحا عنه -يعني ابن عباس - من عدم التفرقة بين المنهيات ، فإنه قد فرق بينهما في قوله : إن تجتنبوا كبائر [النساء : 31] الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [النجم : 32] فجعل من المنهيات كبائر وصغائر ، وفرق بينهما في الحكم لما جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر ، واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش ، فالرواية عنه لا تصح أو ضعيفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية