التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2626 2777 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما - أن عمر اشترط في وقفه أن يأكل من وليه ، ويوكل صديقه غير متمول مالا . [انظر : 2313 - مسلم: 1632 - فتح: 5 \ 406]


وذكر فيه حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة " .

وحديث ابن عمر أن عمر اشترط في وقفه أن يأكل من وليه ، ويوكل صديقه غير متمول مالا .

وهذا الحديث سلف ، وذكره هنا عن قتيبة ثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر به . قال الإسماعيلي : الذي عندنا عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، أن عمر ليس فيه ابن عمر ثم ساقه كذلك ، وساقه بإسقاط نافع أيضا قال : ووصله يزيد بن ذريع وابن علية . ثم ساقه من حديث يزيد بن ذريع بإثباته ثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أصاب عمر أرضا .

ورواه أبو نعيم من حديث القواريري عن حماد : سمعت أيوب يذكر عن نافع قال : أوصى عمر واشترط في وقفه . وساقه البيهقي من حديث الهيثم بن سهل التستري عن حماد بإثباته ثم قال : وكذا رواه يونس بن [ ص: 295 ] محمد عن حماد . ووقع للدارقطني أنه قال في حديث أيوب : لا أعلم حدث به عن حماد غير يونس . وفي البخاري حدث به عنه قتيبة ، وفي الإسماعيلي : سليمان بن حرب وأبو الربيع وأحمد الموصلي والقواريري من عند أبي نعيم ، والهيثم من عند البيهقي ، وقال الحميدي : زعم أبو مسعود أن البخاري رواه في الوصايا عن قتيبة عن حماد ، ولم أجده . قلت : هو موجود في سائر نسخ البخاري كما أسلفناه .

إذا تقرر ذلك ، فإنما أراد البخاري بالترجمة ليبين أن المراد بقوله : "مؤنة عاملي " أنه عامل أرضه التي أفاءها الله عليه من بني النضيروفدك وسهمه من خيبر ، وليس عامله حافر قبره ، كما تأوله بعض الفقهاء ، واستشهد على ذلك البخاري بحديث عمر الذي أردفه بعده أنه شرط في وقفه أن يأكل من وليه بالمعروف ، فبان بهذا أن العامل في الحبس له منه أجرة عمله وقيامه عليه ، وليس ذلك بتغيير للحبس ولا نقض لشرط المحبس إذا حبس على قوم بأعيانهم لا غنى عن عامل يعمل المال .

وفي هذا من الفقه جواز أخذ أجرة القسام من المال المقسوم ، وإنما كره العلماء أجرة القسام ; لأن على الإمام أن يرزقهم من بيت المال ، فإن لم يفعل فلا غناء بالناس عن قاسم يقسم بينهم ، كما لا غنى عن عامل يعمل في المال ، ويشبه هذا المعنى ما رواه ابن القاسم عن مالك في الإمام يذكر أن له ناحية من عمله كثيرة العشور قليلة المساكين ، وناحية أخرى عكسه ، فهل له أن يتكارى ببعض العشور حتى يحملها

[ ص: 296 ] إلى الناحية الكثيرة المساكين . فكره ذلك وقال : أرى أن يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه ويشتري هنا طعاما . وقال ابن القاسم : لا يتكارى عليه من الفيء ولكن يبيعه ويشتري بثمنه طعاما .

وقوله : ("ما تركت " ) إلى آخره يبين فساد قول من أبطل الأوقاف والأحباس من أجل أنها كانت مملوكة قبل الوقف ، وأنه لا يجوز أن يكون ملك مالك ينتقل إلى غير مالك فيقال له : إن أموال بني النضير وفدك وخيبر لم تنتقل بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد ملكها ، بل هي صدقة منه ثابتة على الأيام والليالي ، تجري عنه في السبل الذي أجراها فيها منذ قبض ، فكذلك حكم الصدقات المحرمة قائمة على أصولها جارية عليها فيما سبلها فيه ، لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يملك .

تنبيهات :

أحدها : قوله : ("لا يقتسم " ) هو برفع الميم على الخبر ، أي : ليس يقتسم . وفي رواية يحيى بن يحيى الأندلسي "دنانير " وتابعه ابن كنانة ، وأما سائر الرواة فيقولون : دينارا . نبه عليه أبو عمر قال : وهو الصواب ; لأن الواحد في هذا الموضع أعم عند أهل اللغة ، وكذا رواه ورقاء عن أبي الزناد . وقال ابن عيينة عن أبي الزناد : "لا يقتسم ورثتي بعد ميراثي " ، وأراد بعامله خادمه في حوائطه ، وقيمه ، ووكيله ، وأجيره . وأبعد من قال : حافر قبره . كما سلف ، وحكاه المنذري أيضا في "حواشيه " ،

ومما يبعده أنهم لم يكونوا يحفرون بأجرة ، فكيف له - صلى الله عليه وسلم - ؟ وقيل : أراد الخليفة بعده .

[ ص: 297 ] وقال الطبري في "تهذيبه " : "يقتسم ورثتي " ليس بمعنى النهي ; لأنه لم يترك دينارا ولا درهما ، فلا يجوز النهي عما لا سبيل إلى فعله ، ومعنى الخبر : ليس يقتسم ورثتي . قال الخطابي : بلغني عن ابن عيينة أنه كان يقول : أمهات المؤمنين في معنى المعتدات ; لأنهن لا يجوز لهن أن ينكحن أبدا ، فجرت لهن النفقة وتركت حجرهن لهن يسكنها .

ثانيها : إن قلت : كيف يصح هذا الحديث في النهي عن القسمة ، وحديث عائشة : لم يترك دينارا ولا درهما ؟ وكيف ينهي أهله عن قسمة ما يعلم أنه لم يخلفه ؟ وقد أسلفنا أن معناه الخبر لا النهي ، وأجاب القاضي أبو بكر بجوابين :

أحدهما : أنه نهاهم على غير قطع بأنه لا يخلف عينا ، بل جوز أن يملك ذلك قبل موته ، فنهاهم عن قسمته .

ثانيهما : أنه علم ذلك وقال : لا يقتسم . على الخبر برفع الميم . ليس ينقسم ذلك لأني لم أخلفهما بعدي .

ثالثها : فإن قلت : الخبر يرده آية الوصية ، قاله الشيعة . وأجاب القاضي بأن الآية وإن كانت عامة فإنها توجب أن يورث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يملكه ، فدلوا على أنه كان بملك سلمناه ، ولا دلالة فيها ; لأنها ليست عندنا . وعند منكري العموم لاستغراق المالكين ، وإنما تنبئ عن أقل الجمع ، وما فوقه مجمل فوجب التوقف فيه ، وعند كثير من القائلين بالعموم أن هذا الخطاب وسائر العموم لا يدخل فيها الشارع ; لأن شرعه ورد بالتفرقة بينه وبين أمته ، ولو ثبت العموم

[ ص: 298 ] لوجب تخصيصه ، وقد روى أبو بكر وعمر وحذيفة وعائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة " وهذا الحديث في نظائر لهذه الأحاديث كلها تنبئ عن معنى واحد ، وهو أنه لا يورث ، فوجب تخصيص الآية لهذه الأخبار ، ولو كانت خبر آحاد التي لا يقطع بصحتها ، فكيف وقد خرجت عن هذا الحد وصارت من سبيل ما يقطع بصحته .

التالي السابق


الخدمات العلمية