التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 299 ] 33 - باب: إذا وقف أرضا أو بئرا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين

وأوقف أنس دارا فكان إذا قدمها نزلها . وتصدق الزبير بدوره ، وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها ، فإن استغنت بزوج فليس لها حق . وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجة من آل عبد الله .

2778 - وقال عبدان : أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن أن عثمان -رضي الله عنه - حيث حوصر أشرف عليهم وقال : أنشدكم [الله] ولا أنشد إلا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من حفر رومة فله الجنة " . فحفرتها ؟ ألستم تعلمون أنه قال : "من جهز جيش العسرة فله الجنة " . فجهزتهم ؟ قال : فصدقوه بما قال . وقال عمر في وقفه لا جناح على من وليه أن يأكل . وقد يليه الواقف وغيره فهو واسع لكل . [فتح: 5 \ 406]


وقال عبدان : أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن أن عثمان حين حوصر أشرف عليهم وقال : أنشدكم ولا أنشد إلا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من حفر رومة فله الجنة " . فحفرتها ؟ ألستم تعلمون أنه قال : "من جهز جيش العسرة فله الجنة " . فجهزتهم ؟ قال : فصدقوه بما قال . وقال عمر في وقفه : لا جناح على من وليه أن يأكل . وقد يليه الواقف وغيره فهو واسع للكل .

[ ص: 300 ] الشرح :

أثر أنس أخرجه البيهقي من حديث ثمامة عنه أنه وقف دارا بالمدينة ، فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره . وصدقة الزبير أخرجها أيضا من حديث أبي عبيد ، ثنا أبو يوسف ، عن هشام ، عن أبيه أن الزبير جعل دوره صدقة إلى آخره . وقال : فلا شيء لها -بدل - فليس لها حق . قال الأصمعي : المردودة : المطلقة .

وحديث عثمان تقدم في : الشرب .

وأسلفنا عن ابن المنير أنه قال : ليس في حديث عثمان المذكور عنده مثل دلاء المسلمين . وبينا هناك أن في بعض طرقه ما بوب له . قال : وليس في الباب بجملته ما يوافق الترجمة إلا وقف أنس خاصة ، ووقف عمر بالطريقة المتقدمة من دخول المخاطب في خطابه . قال : وقد ظهر لي مقصود البخاري من بقية حديث الباب ، فيطابق الترجمة ، ووجهها أن الزبير يكون قصد من تلزمه نفقته من بناته كالتي لم تزوج لصغر مثلا والتي تزوجت ثم طلقت قبل الدخول ; لأن تناول هاتين أو إحداهما من الوقف إنما يحمل عنه الإنفاق الواجب ، فقد دخل في الوقف الذي وقفه بهذا الاعتبار . قال : ووجه مطابقة الترجمة من قوله : وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجة من آل عبد الله ، فيقال : كيف يدخل ابن عمر في وقفه ؟ فنقول : نعم يدخل ، فإن الآل يطلق على الرجل نفسه ، كان الحسن بن أبي الحسن يقول في الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم صل على آل محمد . وقال

[ ص: 301 ] - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم صل على آل أبي أوفى " وقال تعالى : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .

فائدة :

أبو عبد الرحمن الراوي عن عثمان هو : عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي ، لأبيه صحبة .

إذا تقرر ذلك فالكلام على ما في الباب من أوجه :

أحدها :

لا خلاف بين العلماء -كما قاله ابن بطال - أن من شرط لنفسه ولورثته نصيبا في وقفه أن ذلك جائز ، وقد سلف هذا المعنى في باب : هل ينتفع الواقف بوقفه . قال : وأما حديث بئر رومة فإنه وقع هنا أن عثمان قال : ألستم تعلمون إلى آخره ، من رواية شعبة كما أسلفناه ، وهو وهم ممن دون شعبة ، والمعروف في الأخبار أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها ، ثم عزاه إلى رواية الترمذي من حديث زيد بن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن ، ورواه معمر بن سليمان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد -مولى بني أسد - عن عثمان قال : ألستم تعلمون أني اشتريت . رواه عباس الدوري ، عن يحيى بن أبي الحجاج المنقري ، عن أبي مسعود الجريري ، عن ثمامة بن حزن القشيري قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال : ألستم تعلمون أنه قدم المدينة ؟ فذكره ، وفيه : "من يشتري بئر رومة ويجعل

[ ص: 302 ] دلوه فيها كدلاء المسلمين ، وله بها مشرب في الجنة ؟ " فاشتراها عثمان
، هذا الذي نقله أهل الأخبار والسير ، ولا يوجد أن عثمان حفرها إلا في حديث شعبة ، فالله أعلم ممن جاء الوهم . وذكر ابن الكلبي : أنه كان يشتري منها قربة بدرهم قبل أن يشتريها عثمان .

ثانيها :

قال الداودي : أثر أنس صحيح ; لأنه أنابها عن يده واشترط النزول ، ولا يحمل أنه عاد في بعض عطيته من غير شرط اشترطه ; لأنه يكون كالكلب يعود في قيئه ، وتعقبه ابن التين فقال : الاشتراط ظاهر البخاري خلافه ، ولعله رآه مفسرا ، وأما من حبس شيئا ورجع إلى يده فكان يليه ويصرف غلاته فلا يبطل إذا أخرجه من يده سنة ، قاله ابن القاسم قياسا على إقامة البكر عند العنين . وكان الأبهري يقول : القياس أن لا يصح ولو طالت المدة . فأما من حبس ماله عليه وكان بيده وهو يقسم غلاته ففي "المدونة " : يبطل ويعود ميراثا . وقال مالك والمغيرة وابن سلمة في "المبسوط " : هي ماضية ، وإن كانت الأصول في يد غيره وهو يقسم غلتها . بطلت عند ابن القاسم وأشهب ، وقيل : تصح .

وأما السلاح والخيل إذا حبسها تدفع إلى من يغزو بها ثم يعيدها إليه ، فكذلك جوز إذا كان لا ينتفع بها إذا رجعت إليه ، وإن كان ينتفع بها حين رجعت إليه بطلت إن مات وهي في يديه ، وإن مات وهي خارجة نفذت ، وهذا أشبه بفعل أنس إن كان اشترط . قال : وعليه يدل

[ ص: 303 ] تبويب البخاري ، وإن كان لم يشترط فلعله نزل بها بعد مدة سنة على ما تقدم .

ثالثها :

ما ذكره عن الزبير : مشهور قول مالك أنه إن نزل مثل هذا أمضى ، وفي "العتبية " عنه وكتاب ابن شعبان : إن أخرج البنات إن تزوجن بطل وقفه ، وعليه عمل القضاة ، والنقض أحب ، قاله في "الزاهي " .

وإذا قال : لا حق لها ما دامت عند زوج .

ففي كتاب أبي محمد : إذا تزوجت ووقف لها نصيبها فإذا تأيمت أخذته ، وعارضه بعضهم ، وقال : يفسر الأخذ وهي تحت زوج .

وإن قال : من تزوج لا حق لها . قال محمد : إذا تأيمت يرجع إليها . وقال بعضهم : كان ينبغي أن ينقطع حقها بالتزويج .

رابعها :

قول عثمان رضي الله عنه : (أنشدكم ) . أي : أسألكم .

وقوله : (من جهز ) يقال : جهزت الجيش . إذا هيأت جهاز سفره . قال الداودي : واستدلال البخاري من قول عمر .

وقوله : (وقد يليه الواقف وغيره ) غلط ; لأن عمر جعل الولاية إلى غيره وهو يحدث أنه نهاه أن يشتري صدقته ، ولو كان عمر شرط أن يأكل منه وأزاله عن يده لكان محتملا أن ينال منه ويطعم إذا كان ذلك أيسر وقفه ، وإن كان أكثره لم يجز ; لأنه لا يعرف ما أنفذ مما أبقى على ملكه ، وحكم الأقل يتبع الأكثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية