التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2633 2785 - حدثنا إسحاق بن منصور ، أخبرنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا محمد بن جحادة قال : أخبرني أبو حصين ، أن ذكوان حدثه ، أن أبا هريرة -رضي الله عنه - حدثه قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : دلني على عمل يعدل الجهاد . قال : " لا أجده " قال : "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر ؟ " . قال : ومن يستطيع ذلك ؟ قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات . [مسلم : 1878 - فتح: 6 \ 4]


[ ص: 321 ] ثم ذكر فيه أربعة أحاديث :

أحدها : حديث ابن مسعود : ثم أي ؟ قال : "الجهاد في سبيل الله " . ذكره من طريق مالك بن مغول قال : سمعت الوليد بن العيزار ذكر عن أبي عمرو الشيباني قال : قال عبد الله بن مسعود فذكره .

ثانيها : حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " .

ثالثها : حديث عائشة : يا رسول الله ، ترى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال : "لكن أفضل الجهاد حج مبرور " .

رابعها : حديث أبي هريرة : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : دلني على عمل يعدل الجهاد . قال : "لا أجده " قال : "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر ؟ " . قال : ومن يستطيع ذلك ؟ قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات .

الشرح :

هذا الباب مذكور هنا في جميع النسخ والشروح خلا ابن بطال فإنه ذكره عقيب الحج والصوم قبل البيوع ، ولما وصل إلى هنا وصل بكتاب الأحكام .

وأحاديث الباب تقدمت إلا حديث أبي هريرة ، وقد أخرجه مسلم والأربعة .

[ ص: 322 ] وأما الآية فهي تمثيل مثل اشتروا الضلالة بالهدى ولما جوزوا بالجنة على ذلك عبر عنه بلفظ الشراء تجوز .

وقوله : فيقتلون ويقتلون فيه بشرى ، وهي أن القاتل والمقتول معا في الجنة ، وقال بعض الصحابة : ما أبالي قتلت في سبيل الله أو قتلت وتلا هذه الآية ، وهذا يرد على الشعبي في قوله : إن الغالب في سبيل الله أعظم أجرا من المقتول .

التائبون من الذنوب ، العابدون بالطاعة ، أو بالتوحيد أو بطول الصلاة ، أقوال . وقال الحسن : التائبون من الشرك العابدون لله وحده . وقال الداودي : كلما كانت منهم غفلة أو سهو أو خطئة ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم .

الحامدون على السراء والضراء أو على الإسلام .

السائحون المجاهدون ، أو الصائمون واستؤذن - صلى الله عليه وسلم - في السياحة فقال : "سياحة أمتي الجهاد " ، وفي رواية : "الصوم " وصح عن ابن

[ ص: 323 ] مسعود
أنها الصوم ، قيل له سائح ; لأنه تارك للمفطرات فهو كهو ، وقيل : السائحون : المهاجرون ، وقيل : طلبة العلم .

بالمعروف التوحيد أو الإسلام .

المنكر الشرك ، أو الذين لم ينهوا عنه حتى انتهوا عنه .

والحافظون لحدود الله القائمون بأمره ، والعاملون بأمره ونهيه ، أو بفرائض الله حلاله وحرامه ، أو لشرطه في الجهاد .

قال بعض العلماء : إذا كان (الناهون ) عن المنكر الثلث ، والعاملون له الثلثين ; وجب على الناهين جهاد الفاعلين قياسا على أهل الكفر .

وقال (ابن ) مجاهد : إنما يكون باليد واللسان لا بالسيف ; إلا في

[ ص: 324 ] المحاربين ، وأتى بالواو في قوله : والناهون وما بعده ; لأن ما بعد السبع من النعوت يأتي بالواو وبشر المؤمنين : المصدقين بما وعدوا في هذه الآيات ، أو مما ندبوا إليه فيها ، فلما نزلت إن الله اشترى جاء رجل من المهاجرين ; فقال : يا رسول الله ، وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر ؟ فنزلت التائبون .

وما ذكره عن ابن عباس في تفسير الحدود أنها الطاعة ، ذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في "تفسيره " عنه ، وذكر الحاكم في "إكليله " أن هذه الآية الكريمة هي أول آية نزلت في الإذن بالقتال ، وفي "مستدركه " عنه على شرطهما أول آية نزلت فيه : أذن للذين يقاتلون الآية .

وحديث ابن مسعود سلف شرحه في الصلاة ، وأن اختلاف الأحاديث كان لاختلاف السائلين ومقاصدهم .

وجمع الداودي أيضا بأن لا اختلاف إن أوقع الصلاة في ميقاتها كان الجهاد مقدما على بر أبويه وإن أخرها عن وقتها كان بر أبويه مقدما على الجهاد .

وقال الطبري : ومعنى الحديث أن هذه الخصال أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله ، وذلك أن من ضيع الصلاة المفروضة حتى خرج وقتها بغير عذر يعذر منه مع خفة مؤنتها وعظم فضلها فهو لا شك لغيرها

[ ص: 325 ] من أمر الدين والإسلام أشد تضييعا ، وبه أشد تهاونا واستخفافا ، وكذلك من ترك بر والديه وضيع حقوقهما مع عظم حقهما عليه ، وتربيتهما إياه ، وتعطفهما عليه ، ورفقهما به صغيرا ، وإحسانهما إليه كبيرا ، وخالف أمر الله ووصيته إياه فيهما فهو لغير ذلك من حقوق الله أشد تضييعا .

وكذلك من ترك جهاد أعداء الله تعالى وخالف أمره في قتاله مع كفرهم بالله ، ومناصبتهم أنبياءه وأولياءه للحرب فهو لجهاد من هو دونه من فساق أهل التوحيد ، ومحاربة من سواه من أهل الزيغ والنفاق أشد تركا ، فهذه الأمور الثلاثة تجمع المحافظة عليهن الدلالة لمن حافظهن أنه محافظ على ما سواهن ، ويجمع تضييعهن الدلالة على تضييع ما سواهن من أمر الدين والإسلام ، فلذلك خصهن - صلى الله عليه وسلم - بأنهن أفضل الأعمال .

وحديث ابن عباس : "لا هجرة بعد الفتح " أسلفنا تأويله ، وقال ابن التين : (يريد ) لمن لم يكن هاجر ; دليله الحديث الآخر : "أذن للمهاجر أن يقيم بمكة ثلاثا بعد الصدر " ، وكذلك في حديث سعد : أخلف بعد أصحابي فقال : "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم " .

وقيل : كانت الهجرة (ضربان ) :

[ ص: 326 ] أحدهما : أن الآحاد من القبائل كانوا إذا أسلموا وأقاموا في ديارهم بين ظهراني قومهم أوذوا فأمروا بالهجرة ; ليسلم لهم دينهم .

ثانيهما : أن أهل الدين بالمدينة كانوا في قلة من العدد وضعف من القوة ، فوجب على من أسلم أن يحضر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ليستعين به في حدوث حادثة ، وليتفقهوا في الدين ويعلموا قومهم عند رجوعهم ، فلما فتحت مكة (استغنوا ) عن ذلك ; إذ كان معظم الخوف على المسلمين من أهل مكة فلما أسلموا أمر المسلمون أن يغزوا في عقر دراهم ، فقيل لهم : أقيموا في أوطانكم وقروا على نية الجهاد فإن فرضه غير منقطع مدى الدهر ، وكان الجهاد في زمنه فرض كفاية ، وقيل : عين . وقيل : على الأنصار . والخلاف في كونه كان فرض كفاية حكاه المالكية أيضا .

وقال سحنون : كان في أول الإسلام فرض عين والآن هو مرغب فيه .

وقال المهلب : كانت الهجرة فرضا في أول الإسلام على من أسلم ; لقلتهم وحاجتهم إلى الاجتماع والتأليف ، فلما فتح الله تعالى مكة دخل الناس في دينه أفواجا ; سقط فرض الهجرة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به ، أو نزل به عدو .

وحديث عائشة ضبطه عند أبي ذر (لكن ) بضم الكاف على معنى ضمير جماعة النساء ، وعند غيره بكسرها ، ويبين الأول حديث : يأتي

[ ص: 327 ] بعد هذا "جهادكن الحج " ، وقد سلف فيه أيضا .

والمبرور : الذي لا رفث فيه ولا فسوق ولا جدال ، وإنما جعل الحج أفضل للنساء من الجهاد لقلة (غنائهن ) فيه .

وحديث أبي هريرة فيه أن المجاهد على كل أحواله يكتب له ما كان يكتب للمتعبد ، فالجهاد أفضل من التنفل بالصلاة والصيام

وقول أبي هريرة : (إن فرس المجاهد ليستن في طوله ) أي : ليمرح قاله ابن التين (وقال ابن بطال : ليأخذ في السنن على وجه واحد ماضيا ) وهو يفتعل من السنن " يقال : فلان سنن الريح والسيل إذا كان على جهتهما (وممرها ) ، وأهل الحجاز يقولون : سنن بضم السين .

والطول هنا -بكسر الطاء وفتح الواو - : الحبل تشد به الدابة ويمسك صاحبها بطرفه ويرسلها (ترعى ) .

وقوله : (دلني على عمل يعدل الجهاد قال : "لا أجد " ) يريد : إذا أتى المجاهد بالصلاة في (ميقاتها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية