التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2635 2787 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم ، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة " . [انظر : 36 - مسلم: 1876 - فتح: 6 \ 6]


ثم ذكر فيه حديث عطاء بن يزيد الليثي ، أن أبا سعيد الخدري حدثه قال : قيل : يا رسول الله ، أي الناس أفضل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله " . قالوا : ثم من ؟ قال : "مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ، ويدع الناس من شره " .

وحديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم ، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه سالما مع ما نال من أجر أو غنيمة " .

[ ص: 329 ] الشرح :

في الآية فضل الغنى والحث على الجهاد .

وقوله : ("مؤمن يجاهد في سبيل الله " ) ليس على عمومه ، فلا يريد أنه أفضل الناس ; لأنه أفضل منه من أوتي منازل الصديقين وحمل الناس على الشرائع والسنن وقادهم إلى الخير ، وسبب لهم أسباب المنفعة دينا ودنيا ، لكن إنما أراد -والله أعلم - أفضل أحوال عامة الناس ; لأنه قد يكون في خاصتهم من أهل الدين والعلم والفضل والضبط للسنن من هو أفضل منه .

وقوله : ("والله أعلم بمن يجاهد في سبيله " ) يريد والله أعلم بعقد نيته إن كانت لله خالصة وإعلاء كلمته ، فذلك المجاهد في سبيل الله إن كان في نيته حب المال والدنيا واكتساب الذكر منها فقد شرك في سبيل الله سبيل الدنيا .

وفي "المستدرك " من حديث أبي سعيد على شرطهما : أي المؤمنين أكمل إيمانا قال : "الذي يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه " .

وقوله : ("كمثل الصائم القائم " ) يدل على أن حركات المجاهد (ونومه ) ويقظته حسنات ، وإنما مثله بالصائم ; لأنه ممسك لنفسه عن الأكل والشرب واللذات ، وكذلك المجاهد ممسك لنفسه على محاربة العدو وحابس نفسه على من يقاتله .

[ ص: 330 ] وقوله : ("مع ما نال من أجر أو غنيمة " ) إنما أدخل (أو ) هنا ; لأنه قد يرجع مرة بالأجر وحده ومرة به والغنيمة جميعا ، فأدخل (أو ) ليدل على اختلاف الحالين ، لا أنه يرجع بغنيمة دون أجر بل أبدا يرجع بالأجر كانت غنيمة أو لم تكن ، نبه عليه ابن بطال .

وحكى ابن التين والقرطبي أن (أو ) هنا بمعنى الواو الجامعة على مذهب الكوفيين ، وقد سقطت في أبي داود وفي بعض روايات مسلم .

وذهب بعضهم إلى أنها على بابها وليست بمعنى الواو ، أي : أجر لمن لم يغنم أو غنيمة ولا أجر ، وليس صحيح لحديث عبد الله بن عمرو : "ما من غازية تغزو ويصيبوا ويغنموا إلا تعجلوا ثلثي أجرهم ويبقى الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم " أخرجه مسلم ، وهو نص في حصول المجموع بالوجه الأول .

وقال ابن أبي صفرة : تفاضلهم بالأجر وتساويهم في الغنيمة دليل قاطع أن الأجر يستحقونه (بنياتهم ) ، فيكون أجر كل واحد على قدر عنائه ، وأن الغنيمة لا يستحقونها بذلك لكن بتفضل الله عليهم ورحمته لهم ; لما رأى من ضعفهم فلم يكن لأحد فضل على غيره إلا أن يكون يفضله قاسم الغنيمة فينفله من رأسها ، كما نفل أبا قتادة ،

[ ص: 331 ] أو من الخمس كما نفلهم في حديث ابن عمر ، والله يؤتي (فضله ) من يشاء ، وإدخاله الجنة يحتمل أن يدخلها إثر وفاته تخصيصا للشهيد أو بعد البعث ، ويكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع خطايا المجاهد ولا يوزن مع حسناته ، ذكره ابن التين .

وفيه : فضل العزلة والانفراد عن الناس والفرار عنهم ولا سيما في زمن الفتن وفساد الناس ، وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال ; لأنها في الأغلب مواضع الخلوة والانفراد ، فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى كالمساجد والبيوت ، وقد قال عقبة بن عامر : ما النجاة يا رسول الله ؟ قال : "أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك " .

التالي السابق


الخدمات العلمية