التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2636 [ ص: 332 ] 3 - باب: الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء

وقال عمر - رضي الله عنه - : ارزقني شهادة في سبيلك .

2788 ، 2789 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه - أنه سمعه يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل على أم حرام بنت ملحان ، فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطعمته وجعلت تفلي رأسه ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهو يضحك . قالت : فقلت : وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : " ناس من أمتي عرضوا علي ، غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكا على الأسرة " ، أو : "مثل الملوك على الأسرة " . شك إسحاق . قالت : فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم . فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم وضع رأسه ، ثم استيقظ وهو يضحك فقلت وما يضحكك يا رسول الله قال : "ناس من أمتي عرضوا علي ، غزاة في سبيل الله " . كما قال في الأول . قالت : فقلت : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . قال : "أنت من الأولين " . فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان ، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر ، فهلكت .

2788 - [2799 ، 2877 ، 2894 ، 6282 ، 7001 - مسلم : 1912]

2789 - [2800 ، 2878 ، 2895 ، 6283 ، 7002 - مسلم: 1912 - فتح: 6 \ 10]


ثم ساق عن أنس دخوله - صلى الله عليه وسلم - على أم حرام ودعاءه لها بالشهادة بطوله .

وأثر عمر أسنده آخر الحج كما مضى ، وأخرجه ابن سعد في "طبقاته " أيضا عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن حفصة أم المؤمنين أنها

[ ص: 333 ] سمعت أباها يقول : اللهم ارزقني قتلا في سبيلك ، ووفاة في بلد نبيك . قالت : قلت : وأنى ذاك ؟ قال : إن الله يأتي بأمره أنى شاء .

وأنا معن بن عيسى ، ثنا مالك ، عن زيد بن أسلم أن عمر كان يقول في دعائه : اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة ببلد رسولك .

وأنا عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي بردة ، عن أبيه قال : رأى عوف بن مالك مناما قصه على عمر بالشام فيها : وإن عمر شهيد مستشهد ، فقال عمر : أنى لي الشهادة وأنا بين - ظهراني جزيرة العرب ، ولست أغزو والناس حولي ; ثم قال : ويلي! ويلي! يأتي الله -عز وجل - بها إن شاء الله ، زاد بعضهم : على يدي عدوك .

وفي "الموطأ " : اللهم لا تجعل قتلي بيد رجل صلى لك سجدة واحدة يحاجني بها يوم القيامة عندك .

وجاء -كما قال ابن العربي - مرفوعا : "خير الشهداء من قتله أهل ملته فيأخذ من حسناته " .

إذا تقرر ذلك ; فالكلام على حديث الباب من وجوه - وقد أخرجه مسلم أيضا .

وذكره في قتال الروم ، والرؤيا أيضا .

[ ص: 334 ] وأخرجه الأربعة في الجهاد أيضا ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

أحدها : هذا الحديث ذكره (أيضا ) في باب : ركوب البحر . عن (أبي ) النعمان ، عن حماد ، عن يحيى ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن أنس قال : حدثتني أم حرام فذكره ، جعله من مسند أم حرام .

وفي حديث عمير بن الأسود العنسي أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحل حمص في بناء له ومعه أم حرام ، قال عمير : فحدثتنا أم حرام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه ، وأخرجه أيضا في باب : غزو المرأة في البحر ، عن عبد الله بن محمد ، ثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أنس به .

قال الجياني : كذا رويناه من جميع طرق البخاري .

وقال أبو مسعود : سقط بين أبي إسحاق الفزاري وبين أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن زائدة بن قدامة .

قال الجياني : قابلته في "مسند أبي إسحاق الفزاري " فوجدته كما عند البخاري ، وكذا رواه ابن وضاح عن أبي مروان المصيصي ، عن أبي إسحاق .

[ ص: 335 ] قال الجياني : ومع هذا فالحديث محفوظ الزائدة ، عن أبي طوالة رواه عنه حسين بن علي (الجعفي ) ومعاوية بن عمرو ، ورواه الإسماعيلي من حديث حسين بن علي ، عن زائدة .

وقال الدارقطني : روى بشر بن عمر الزهراني هذا عن مالك ، عن إسحاق عن أنس ، عن أم حرام .

ثانيها : في رواية في "الصحيح " تأتي قريبا : "يركبون هذا البحر الأخضر " .

وفي رواية : فخرجت مع زوجها غازية أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزاتهم قربت لها دابتها ، ولابن حبان : قبرها في جزيرة في بحر الروم يقال لها : قبرس من المسلمين إليها ثلاثة أيام . وللدارقطني رواه عنها أيضا عطاء بن يسار .

ثالثها : قال ابن عبد البر : أم حرام هذه خالة أنس ، ولا أقف لها على اسم . وأظنها أرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأم سليم أرضعته أيضا إذ لا يشك مسلم أنها كانت منه بمحرم ، وقد أخبرنا غير واحد من شيوخنا ، عن أبي

[ ص: 336 ] محمد بن فطيس
، عن يحيى بن إبراهيم بن مزين قال : إنما استجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفلي أم حرام رأسه ; لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته ; لأن أم عبد المطلب كانت من بني النجار ، وقال يونس بن عبد الأعلى : قال لنا ابن وهب : أم حرام إحدى خالات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة . قال ابن عبد البر : فأي ذلك كان فأم حرام محرم منه .

ونقل ابن التين ، عن ابن وهب أنها كانت خالته ولم يزد ، ثم قال : وقال جماعة غيره : كانت خالته من الرضاعة .

وقال ابن الحذاء : قال لنا أبو القاسم بن الجوهري : وأم حرام هي إحدى خالاته من الرضاعة ، وكذا قاله المهلب .

قال ابن بطال : وقال غيره : إنها كانت خالة لأبيه أو لجده ; لأن أم عبد المطلب كانت من بني النجار ، وكان يأتيها زائرا لها والزيارة من صلة الرحم ، وذكر ابن العربي عن بعض العلماء أن هذا مخصوص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو يحمل على أنه كان قبل الحجاب إلا أن (تفلي رأسه ) يضعف هذا .

وزعم ابن الجوزي أنه سمع بعض الحفاظ يقول : كانت أم سليم أخت آمنة من الرضاعة ، وقد أسلفنا كلام الدمياطي في دخوله على أم سليم .

وقوله : ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها . فلعل ذاك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع ، والعادة تقتضي المخالطة بين المخدوم وأهل الخادم لا سيما إذا كن مسنات مع ما ثبت له - صلى الله عليه وسلم - من العصمة ،

[ ص: 337 ] ولعل هذا قبل الحجاب ; فإنه كان في سنة خمس وقتل أخيها حرام الذي كان يرحمها لأجله كان سنة أربع .

رابعها : فيه إباحة ما قدمته المرأة إلى ضيفها من مال زوجها ; لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل .

وقال ابن التين : يحتمل أن يكون ذلك من مال زوجها (لعلمها ) أنه كان يسر بذلك ، ويحتمل أن يكون من مالها . قال ابن بطال ، وقال ابن العربي : ومن المعلوم أن عبادة وكل المسلمين يسرهم أكل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته .

واعترضه القرطبي فقال : حين دخوله - صلى الله عليه وسلم - على أم حرام لم تكن زوجا لعبادة كما يقتضيه ظاهر اللفظ إنما تزوجته بعد ذلك بمدة كما جاء في رواية عند مسلم : فتزوجها عبادة بعد .

خامسها : (تفلي ) بفتح التاء وسكون الفاء ، وقتل القمل وغيره من المؤذيات ، مستحب .

ونوم القائلة أصله في (معونة ) البدن لقيام الليل ، وفرحه - عليه السلام - لما عاين من ظهور أمته اتساع ملكهم حتى يغزوا في البحر وتفتح البلاد . قال أبو عمر : أراد أنه رأى الغزاة في البحر على الأسرة في الجنة ، ورؤيا الأنبياء وحي ، يشهد له قوله تعالى : على الأرائك متكئون [يس : 56] .

[ ص: 338 ] وبه جزم ابن بطال حيث قال : إنما رآهم ملوكا على الأسرة في الجنة في رؤياه ، ويحتمل كما قال القرطبي : أن يكون خبرا عن حالهم في غزوهم أيضا .

سادسها : فيه دلالة على ركوب البحر للغزو ، قال ابن المسيب : كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجرون في البحر منهم طلحة وسعيد بن زيد ، وهو قول جمهور العلماء إلا عمر بن الخطاب وابن عبد العزيز فإنهما منعا من ركوبه مطلقا ، ومنهم من حمله على ركوبه لطلب الدنيا لا الآخرة ، وكره مالك ركوبه للنساء مطلقا لما يخاف عليهن من أن يطلع منهن أو يطلعن على عورة ، وخصه بعضهم بالسفن الصغار دون الكبار والحديث يخدش فيه .

وأما حديث ابن عمرو مرفوعا : "لا يركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا " فأخرجه أبو داود وهو ضعيف ، ولما ذكره الخلال من حديث ليث ، عن مجاهد ، عنه ; قال ابن معين : هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منكر .

[ ص: 339 ] سابعها : فيه أيضا إباحة الجهاد للنساء في البحر ، وقد ترجم له بذلك كما ستعلمه .

قالت أم عطية : كنا نغزوا مع رسول الله فنداوي الكلمى ونقوم على المرضى .

ثامنها : فيه أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أنه يسر صاحب المنزل مما يفعله في ماله جاز له فعل ذلك ، ومعلوم أن عبادة كان يسره نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ، واختلف العلماء في عطية المرأة من مال زوجها بغير إذنه ، وسيأتي إيضاحه في موضعه وسلف في الزكاة أيضا .

تاسعها : ثبج -بثاء مثلثة ثم باء موحدة ثم جيم - وهو الظهر ، وقال الخطابي : أعلى متن الشيء ومعظمه ، وثبج كل شيء وسطه ، ويؤيد الأول رواية : "يركبون ظهر هذا البحر " ، والثبج ما بين الكتفين ، وفي "أمالي القالي " ثبج البحر ظهره ، وقيل : معظمه ، وقيل : قوته .

وضحكه سرور منه مما يدخله الله على أمته من الأجر وما ينالونه من الخير كما سلف .

العاشر : فيه أيضا أن الجهاد تحت راية كل إمام جائر ماض إلى يوم القيامة ; لأنه رأى الآخرين ملوكا على الأسرة كما رأى الأولين ولا نهاية للآخرين إلى يوم القيامة ، قال تعالى : ثلة من الأولين وثلة من

[ ص: 340 ] الآخرين
[الواقعة : 39 - 40] .

الحادي عشر : قولها : (ادع الله أن يجعلني منهم ) فيه تمني الغزو والشهادة وهو موضع تبويب البخاري الشهادة للرجال والنساء ; وقال غيره أيضا : إن فيه تمني الشهادة وليس في الحديث ، وإنما فيه تمني الغزو لا تمني الشهادة . كذا قاله ابن التين .

وقال ابن المنير : حاصل الدعاء بالشهادة أن يدعو الله أن يمكن منه كافرا يعصي الله فيقتله ، وهذا مشكل على القواعد ; إذ مقتضاها ألا يتمنى معصية الله لا له ولا لغيره ، ووجه تخريجه أن الدعاء قصدا إنما هو نيل الدرجة المرفوعة المعدة للشهداء ، وأما قتل الكافر فليس مقصود الداعي وإنما هو من ضروريات الوجود ; لأن الله تعالى أجرى حكمه ألا ينال تلك الدرجة إلا شهيد .

قلت : قد أسلفنا أن عمر -رضي الله عنه - تمناها على يد كافر .

الثاني عشر : قيل : إن رؤياه - عليه السلام - الثانية كانت في (شهيد ) البر فوصف حال البر والبحر بأنهم ملوك على الأسرة ، حكاه ابن التين وغيره ، قال : وقيل : يحتمل أن يكون حالهم في الدنيا كالملوك على الأسرة ولا يبالون بأحد .

الثالث عشر : هذا الحديث من أعلام نبوته وذلك أنه أخبر فيه

[ ص: 341 ] بضروب من الغيب قبل وقوعها
، منها : جهاد أمته في البحر ، وضحكه دال على أن الله تعالى يفتح لهم ويغنمهم .

ومنها : الإخبار بصفة أحوالهم في جهادهم ، وهو قوله : "يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة " .

ومنها : قوله لأم حرام : ("أنت من الأولين " ) فكان كذلك ، غزت مع زوجها في أول غزوة كانت إلى الروم في البحر مع معاوية زمن عثمان ، سنة ثمان وعشرين وقال ابن (زيد ) : سنة سبع وعشرين ، وقيل : بل كان ذلك في خلافة معاوية على ظاهره ، والأول أشهر وهو ما ذكره أهل السير ، وفيه هلكت .

ومنها : الإخبار ببقاء أمته من بعده وأن تكون لهم شوكة ، وأن أم حرام تبقى إلى ذلك الوقت ، وكل ذلك لا يعلم إلا بوحي على ما أوحي به إليه في نومه .

وفيه : أن رؤيا الأنبياء وحي ، وقد سلف .

وفيه : ضحك المبشر إذا بشر مما يسره كما فعل الشارع .

وفيه : كما قال المهلب : فضل لمعاوية وأن الله قد بشر به نبيه في النوم ; لأنه أول من غزا في البحر وجعل من غزا تحت رايته من الأولين .

[ ص: 342 ] وفيه : أن الموت في سبيل الله شهادة . قال ابن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون : ثنا ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن أبي العجفاء السلمي قال : قال عمر : قال محمد - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل في سبيل الله أو مات فهو في الجنة " .

الرابع عشر : فيه دلالة على أن من مات في طريق الجهاد من غير مباشرة ومشاهدة له من الأجر مثل ما للمباشر ، (وكن ) النساء إذا غزون يسقين الماء ويداوين الكلمى ويصنعن لهم طعامهم وما يصلحهم ، كما سلف .

قال ابن عبد البر : وفيه أن الموت في سبيل الله والقتل سواء أو قريب من السواء في الفضل ، قال : وإنما قلت أو قريب من السواء لاختلاف الناس في ذلك ، فمن أهل العلم من جعل الميت في سبيل الله والمقتول سواء ، واحتج بقوله تعالى :والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا [الحج : 58] الاثنين جميعا ، وبقوله : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله [النساء : 100] ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عتيك : "من خرج مجاهدا في سبيل الله فخر عن دابته فمات أو لدغته حية فمات أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله " .

[ ص: 343 ] وفي "صحيح مسلم " من حديث أبي هريرة مرفوعا : "من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " ، ومن حديث عقبة بن عامر مرفوعا : "من صرع عن دابته في سبيل الله فمات فهو شهيد " .

وفي أبي داود من حديث بقية ، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن ابن غنم ، عن أبي مالك الأشعري مرفوعا : "من وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله فهو شهيد " ، واستدركه الحاكم ; وقال : صحيح على شرط مسلم .

قال ابن عبد البر : وقد ثبت عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل : أي الجهاد أفضل ؟ فقال : "من أهريق دمه وعقر جواده " ، فإذا كان هذا أفضل الشهداء ; اعلم أن من ليس كذلك أنه مفضول .

قلت : وفي "صحيح الحاكم " : وقال : صحيح الإسناد من حديث

[ ص: 344 ] كعب بن عجرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر يوم بدر ورأى قتيلا : "يا عمر إن للشهداء سادة وأشرافا وملوكا ، وإن هذا منهم " .

وروى الحلواني في "معرفته " : حدثنا أبو علي الحنفي ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن عبد الملك بن عمير قال : قال علي بن أبي طالب : من حبسه السلطان وهو ظالم له فمات في محبسه ذلك فهو شهيد ، ومن ضربه السلطان ظالما فمات من ضربه (ذلك ) فهو شهيد وكل (موت ) يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل .

قال ابن عبد البر : وكان عمر بن الخطاب يضرب من يسمعه يقول : من قتل في سبيل الله فهو شهيد . ويقول لهم : قولوا : في الجنة ، قال أبو عمر : وذلك أن شرط الشهادة شديد فمن ذلك ألا يغل ولا يجبن ، وأن يقتل مقبلا غير مدبر ، وينفق (الكريمة ) وألا يؤذي جارا ولا رفيقا ولا ذميا ولا يخفي (غلولا ) ، ولا يسب إماما ولا يفر من الزحف .

قلت : ومقالة عمر أخرجها الحاكم عنه ، ولفظه : لعله يكون قد أوقر دابته ذهبا أو ورقا يلتمس التجارة ، فلا تقولوا ذاكم ، ولكن قولوا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل في سبيل الله أو مات فهو في الجنة " ثم قال : حديث

[ ص: 345 ] صحيح ولم يخرجاه .

وعن أبي عبيدة ، عن أبيه : إياكم وهذه الشهادات أن يقول الرجل : قتل فلان شهيدا ، فإن الرجل يقاتل حمية ، ويقاتل في طلب الدنيا ، ويقاتل وهو جريء الصدر .

قال : واختلفوا في شهيد البحر أهو أفضل أم شهيد البر ؟ فقال : قوم : شهيد البر ، وقال قوم : شهيد البحر .

قال : ولا خلاف بين أهل العلم أن البحر إذا ارتج لم يجز ركوبه لأحد بوجه من الوجوه في حين ارتجاجه .

والذين رجحوا شهيد البحر ; احتجوا مما رواه الطبراني في أكبر معاجمه من حديث أبي أمامة مرفوعا : "يغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ، ويغفر لشهيد البحر الذنوب كلها والدين " .

ورواه ابن أبي عاصم في كتاب "الجهاد " عن الحسن بن الصباح ، ثنا يحيى بن عباد ، ثنا يحيى بن عبد العزيز ، (عن عبد العزيز ) بن يحيى ، ثنا سعيد بن صفوان ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن أبي بردة ، سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الشهادة تكفر كل

[ ص: 346 ] شيء إلا الدين (والغزو ) في البحر يكفر ذلك كله "
.

ومن حديث عبد الله بن صالح ، عن يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عمرو مرفوعا : "غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر " . ومن حديث هلال بن ميمون ، عن أبي ثابت يعلى بن شداد بن أوس ، عن أم حرام قالت : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزاة البحر فقال : "إن للمائد فيه أجر شهيد ، وإن للغريق أجر شهيدين " .

ولابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا : "لشهيد البحر مثل شهيد البر والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر ، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله ، وإن الله تعالى وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض روحه ، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ، ولشهيد البحر الذنوب كلها والدين " ، وقد سلف هذا عن الطبراني أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية