التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2641 2794 - حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها " . [2892 ، 3250 ، 6415 - مسلم: 1881 - فتح: 6 \ 14]


ذكر فيه حديث أنس : "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها " .

وحديث أبي هريرة : "لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب " . وقال : "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب " .

وحديث سهل بن سعد : "الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها " .

الشرح :

حاصل ما ذكره البخاري ثلاث طرق وكلها في مسلم أيضا .

[ ص: 354 ] وله طريق رابع من طريق أبي أيوب انفرد به مسلم .

وخامس من طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس أخرجه الترمذي وقال : حسن غريب ، وأخرجه أحمد أيضا .

وسادس من طريق (عمر ) أخرجه ابن عساكر وقال : حديث غريب .

وسابع من طريق عبد الله بن بسر ، أخرجه أيضا .

وثامن من طريق الزبير بن العوام ، أخرجه أبو يعلى الموصلي .

وتاسع من طريق معاوية بن خديج ، أخرجه المحاملي .

وعاشر من طريق أبي الدرداء ، أخرجه ابن أبي عاصم .

وحادي عشر من طريق علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة أخرجه أبو أحمد .

ولأحمد من حديث ابن لهيعة ، عن زبان ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه أنه تأخر عن بعث بعث فيه حتى صلى الظهر ; فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتدري بكم سبقك أصحابك ؟ " قال : نعم ، سبقوني بغدوتهم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لقد سبقوك بأبعد ما بين المشرقين والمغربين في الفضيلة " .

[ ص: 355 ] إذا تقرر ذلك : فالغدوة -بفتح الغين المعجمة - : المرة من الغدو ، وهو من أول النهار إلى الزوال ، أما بالضم فمن صلاة الغداة إلى طلوع الشمس ، والروحة -بفتح الراء - المرة من الرواح أي وقت كان ، والمراد به هنا : من الزوال إلى الغروب .

و (أو ) هنا للتقسيم لا للشك ، واللفظ مشعر بأنها تكون فعلا واحدا ، ولا شك أنها قد تقع على اليسير والكثير من الفعل الواقع في هذين الوقتين ، ففيه زيادة ترغيب وفضل عظيم ، فالروحة تحصل هذا الثواب وكذا الغدوة ، قال النووي : والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو أو الرواح من بلدته بل يحصل هذا الثواب بكل غدوة وروحة في طريقه إلى الغزو ، وكذا غدوه ورواحه من موضع القتال ; لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله ، وكذا قال الداودي : الصحيح أن الغدوة والروحة الخرجة الواحدة ووقتها كما سلف .

وقوله : ("في سبيل الله " ) يعني : ليقاتل فيها أو يكون فيها بأرض العدو .

وقوله : ("خير من الدنيا " ) يعني : ثواب ذلك في الجنة خير من الدنيا ، وقيل في مثل هذا : خير من أن يتصدق مما في الدنيا إذا ملكها مالك فأنفقها في وجوه البر والطاعة غير الجهاد . وقال القرطبي : أي الثواب الحاصل على مشية واحدة في الجهاد خير لصاحبه من الدنيا كلها لو جمعت له بحذافيرها .

وقال المهلب : هما خير من زمن الدنيا ; لأنهما في زمن قليل ، أي : ثواب هذا الزمن القليل في الجنة خير من زمن الدنيا كلها ، وكذا قوله :

[ ص: 356 ] "لقاب قوس أحدكم " أو "موضع سوط " يريد أن ما صغر في الجنة من المواضع خير من المواضع كلها من بساتينها وأرضها ، فأخبر في هذا الحديث أن قصير الزمان وصغر المكان في الآخرة خير من طويل الزمان وكبر المكان (في الدنيا ) تزهيدا فيها وتصغيرا لها وترغيبا في الجهاد بالغدوة والروحة فيه ، ومقدار قوس المجاهد يعطيه الله في الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها ، فما ظنك بمن أتعب فيه نفسه وأنفق ماله ؟

والقاب : القدر ; قال صاحب "العين " : قاب القوس : قدر طولها .

وقال الخطابي : هو ما بين السية والمقبض . وعن مجاهد : قدر ذراع . والقوس : الذراع بلغة أزد شنوءة . وقال ابن عباس وسفيان : القوس : ذراع يقاس به . قال مجاهد : في قاب قوسين : أي قدر ذراعين .

والأشهر أن القاب القدر ، وكذلك القيب والقتيبة والقاد والقدى ، وقال الداودي : قاب القوس ما بين الوتر والقوس ، وقيد السوط قدره .

قال في "المخصص " : والقوس أنثى وتصغيرها بغير هاء . والجمع : أقواس وقياس وقسي وقسي .

[ ص: 357 ] وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا ، وأما عند التحقيق فلا تدخل الجنة مع الدنيا تحت أفعل إلا كما يقال : العسل أحلى من الخل ; فالغدوة والروحة في سبيل الله وثوابها خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها وتصور تنعمه بها كلها ; لأنه زائل ونعيم الآخرة باق .

التالي السابق


الخدمات العلمية