التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2643 2796 - وسمعت أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد -يعني : سوطه - خير من الدنيا وما فيها ، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " . [انظر : 2792 - مسلم: 1880 - فتح: 6 \ 15]


ثم ساق حديث أبي إسحاق ، عن حميد ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما من عبد يموت ، له عند الله خير ، يسره أن يرجع إلى الدنيا ، وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد ; لما يرى من فضل الشهادة ، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى " .

وسمعت أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد -يعني : سوطه - خير من الدنيا وما فيها ، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .

[ ص: 359 ] الشرح :

القطعة الأولى أخرجها مسلم ، ومن عند قوله : "ولقاب قوس . . " إلى آخره من أفراد البخاري . ومعنى قوله : (يحار فيها الطرف ) يتحير البصر فيها لحسنها ; يقال : حار يحار ، وأصله حير وليس اشتقاقه من اشتقاق الحور كما ظنه البخاري ; لأن الحور من حور والحيرة من حير نبه عليه ابن التين ، واللغة تساعده .

وقول البخاري : (شديدة سواد العين وبياضها ) زاد غيره : إذا كانت بيضاء . وأصل الحور البياض ، وكذلك قيل لنساء الحاضرة : الحواريات (لبيض ) ألوانهن وثيابهن إلا أن العرب لا تستعمله إلا للبيضاء الشديدة سواد الحدقة في شدة بياضها .

قال ابن سيده في "محكمه " : الحور هو أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها ، وقيل : الحور : شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد ولا تكون الأدماء حوراء .

وقال أبو عمرو : الحور أن تسود العين كلها مثل الظباء والبقر ، وليس في بني آدم حور ، وإنما قيل للنساء حور العيون ; لأنهن يشبهن بالظباء والبقر . وقال كراع : الحور أن يكون البياض محدقا بالسواد كله ، وإنما يكون هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس ، وهذا إنما حكاه أبو عبيد في البرج غير أنه لم يقل إنما يكون في الظباء والبقر . وقال الأصمعي : لا أدري ما الحور في العين ؟ وقد حور حورا واحور ، وهو أحور ، وامرأة حوراء ، وعين حوراء ، والجمع حور .

[ ص: 360 ] أما قوله : (عيناء حوراء ) من العين الحير ; فعلى الاتباع لعين ، والحوراء : البيضاء لا يقصد بذلك حور عينها ، والأعراب تسمي نساء الأمصار حواريات ; لبياضهن وتباعدهن عن قشف الأعرابية بنظافتهن ، وقد سلف .

ويحتمل أن البخاري أراد أن الطرف يحار فيهن ولا يهتدي سبيلا لفرط حسنهن ، لا أنه أراد الاشتقاق ، فلأن كان كذلك فلا إيراد .

والعين قال الضحاك : هي الواسعة العين : (الحسان ) ، واحدها : عيناء ، وذكر العلماء أن الحور على أصناف مصنفة صغار وكبار ، وعلى ما اشتهت نفس أهل الجنة .

وذكر ابن وهب عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : والذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور أطلعت سوارا لها لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف المسورة ، وإن خلق الله شيئا (تلبسه ) ; إلا عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي .

وقال أبو هريرة : إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيفة عن يمينها وعن يسارها كذلك ، وهي تقول : أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ؟

وقال ابن عباس : في الجنة حوراء يقال لها اللعبة لو بزقت في البحر لعذب ماؤه .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : "رأيت ليلة الإسراء حوراء جبينها كالهلال في رأسها مائة

[ ص: 361 ] ضفيرة ، ما بين الضفيرة والضفيرة سبعون ألف ذؤابة ، والذوائب أضوء من البدر وخلخالها مكلل بالدر ، وصفوف الجواهر ، على جبينها سطران مكلل بالدر ، والجوهر في الأول بسم الله الرحمن الرحيم ، وفي الثاني : من أراد مثلي فليعمل بطاعة ربي -عز وجل - ; فقال لي جبريل : هذه وأمثالها لأمتك "
وقال ابن مسعود : إن الحوراء ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم ومن تحته سبعون حلة كما يرى الشراب في الزجاج الأبيض .

وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الحور من أي شيء خلقن ؟ فقال : "من ثلاثة أشياء أسفلهن من المسك ، وأوسطهن من العنبر ، وأعلاهن من الكافور ، وحواجبهن سواد خط في نور " وفي لفظ : "سألت جبريل عن كيفية خلقهن ، فقال : يخلقهن رب العالمين من قضبان العنبر والزعفران ، مضروبات عليهن الخيام ، أول ما يخلق منهن نهد من مسك أذفر أبيض عليه يلتئم البدن " .

وقال ابن عباس : خلقت الحوراء من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ، ومن ركبتيها إلى ثديها من المسك الأذفر ، ومن ثديها إلى عنقها من العنبر الأشهب ، ومن عنقها (وثم ) من الكافور الأبيض ،

[ ص: 362 ] (تلبس سبعون ) ألف حلة مثل شقائق النعمان ، إذا أقبلت يتلألأ وجهها ساطعا كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا ، إذا أقبلت ترى كبدها من رقة ثيابها وجلدها ، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك ، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها .

وما ذكره في معنى وزوجناهم : أنكحناهم سيأتي الكلام عليه في بابه .

و (قيد الرمح ) : قدره وقيسه .

و (النصيف ) : الخمار . قاله صاحب "العين " .

قال النابغة :


سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد



وقيل : المعجر ; ذكره الهروي .

فائدة :

أسلفنا بعضها : قال الأزهري في "تهذيبه " عن النضر : الشهيد : الحي . وقال ابن الأنباري : سمي ; لأن الله وملائكته شهود له

[ ص: 363 ] بالجنة . وقيل : لأنه يشهد يوم القيامة مع نبينا على الأمم الخالية .

وقال الكسائي : أشهد الرجل : إذا استشهد في سبيل الله فهو شهد بفتح الهاء . وقيل : لأن أزواجهم أحضرت دار السلام وأزواج غيرهم لا تشهدها إلى يوم القيامة .

وقال في "الجامع " : العرب تكسر الشين ، وذلك إذا كان يأتي فعيل حرف حلق ، ومنهم من كسر وإن لم يكن حرف حلق .

وقال في "المغيث " : سمي شهيدا لسقوطه بالأرض وهي (الشاهدة ) .

وقيل : لأنه يبين إيمانه وإخلاصه ببذله روحه في الطاعة من قوله : شهد الله أي : بين وأخبر (وأعلم ) ، وقيل : لأنه يشهد عند ربه . أي : يحضر . أو لأنه يشهد الملكوت ، فعيل بمعنى مفعول .

فائدة أخرى :

قال المهلب : إنما ذكر حديث أنس في الباب ; لأن المعنى الذي يتمنى الشهيد من أجله أن يرجع إلى الدنيا فيقتل هو لما يرى ما يعطي الله الشهداء من النعيم ويرزقه من الحور العين ، وكل واحدة منهن لو اطلعت إلى الدنيا لأضاءت الدنيا كلها ليستزيد من كرامة الله وتنعيمه وفضله ، وفي ذلك حض على طلب الشهادة وترغيب فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية