التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2645 2798 - حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار حدثنا إسماعيل ابن علية ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح له " وقال : "ما يسرنا أنهم عندنا " . قال أيوب أو قال : "ما يسرهم أنهم عندنا " . وعيناه تذرفان . [انظر : 1246 - فتح: 6 \ 16]


ذكر فيه حديث أبي هريرة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ، ولا أجد ما أحملهم عليه ، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله ، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم أقتل ثم أحيا ، ثم أقتل ثم أحيا ، ثم أقتل " .

وحديث أنس : خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : "أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح له " ، وقال : "ما يسرنا أنهم عندنا " . قال أيوب : أو قال : "ما يسرهم أنهم عندنا " . وعيناه تذرفان .

[ ص: 365 ] الشرح :

الحديث الأول : أخرجه مسلم والثاني من أفراده ويأتي في غزوة مؤتة ، وفيه : "حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم " . وفي بعض طرقه أنه - صلى الله عليه وسلم - سماهم قبل أن يأتي خبرهم ، وأخذ خالد الراية هو من باب التمني ، إقامة للفعل مقام (الأول ) .

وفيه : أنه - عليه أفضل الصلاة والسلام - كان يتمنى من أفعال الخير ما يعلم أنه لا يعطاه ; حرصا منه على الوصول إلى أعلى درجات الشاكرين وبذلا لنفسه في مرضاة ربه وإعلاء كلمة دينه ، ورغبة في الازدياد من ثواب ربه ولتتأسى به أمته في ذلك ، وقد يثاب المرء على نيته لحديث : "إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته " ، وسيأتي في كتاب : التمني ما تمناه الصالحون مما لا سبيل إلى كونه .

وفيه : إباحة القسم بالله على كل ما يعتقده المرء مما يحتاج فيه إلى يمين وما لا يحتاج ، وكثيرا ما كان يقول في كلامه : "لا ومقلب القلوب " ; لأن اليمين بالله توحيد وتعظيم له تعالى ، وإنما يكره تعمد الحنث .

[ ص: 366 ] وفيه : أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد ، ولو كان معينا ما تخلف الشارع ولا أباح لغيره التخلف عنه ، ولو شق على أمته إذا كانوا يطيقونه هذا إذا كان العدو لم يفجأ المسلمين في دارهم ولا ظهر عليهم ، وإلا فهو عين على كل من له قوة .

وفيه : أنه يجوز للإمام والعالم ترك فعل الطاعة إذا لم يطق أصحابه ، ونصحاؤه على الإتيان بمثل ما يقدر عليه هو بها إلى وقت قدرة الجميع عليها ، وذلك من كرم الصحبة و (أدب ) الأخلاق .

وفيه : عظم فضل الشهادة ; ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : "وما يسرنا أنهم عندنا " لعلمه مما صاروا إليه من رفيع المنزلة والترغيب في الجهاد والإخبار عن جزيل فضله .

وقوله : ("ثم أقتل ثم أحيا " ) (يحتمل ) كما قال ابن التين حكايته أنه قاله قبل نزول : والله يعصمك من الناس وقيل بعده ، والخبر على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه قال : وهذا أشبه ، ورأيت من ينقل أن قوله : (لوددت ) من كلام أبي هريرة وهو بعيد ، وفي "صحيح الحاكم " من حديث أنس -وقال : على شرط مسلم - : "أسألك يا رب أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات " لما رأى من فضل الشهادة .

وله عن جابر -صحيحا - : كان - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر أصحاب أحد قال : "والله لوددت أني غودرت مع أصحابي (بنحص ) الجبل " .

[ ص: 367 ] وحديث قتل زيد وجعفر يأتي إن شاء الله تعالى في المغازي ، وتقدم لك هنا أن فيه : الخطبة في الفتح وفي نعي يأتي وكان ذلك في جمادى الأولى سنة ثمان بعثهم إلى مؤتة من أرض الشام ، فالتقوا مع هرقل في جموعه ، يقال : مائة ألف غير من انضم إليه من المستعربة ، فاجتمعوا بقرية يقال لها : مؤتة (من أرض الشام ) ، فمات من سمى رسول الله ، ثم اتفق المسلمون على خالد ففتح الله عليه وقتلهم ، وقدم البشير بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخبرهم بذلك قبل قدومه ، وكان فتح مكة في ذلك العام بعد ذلك .

وفيه : الولاية عند الضرورة من غير إمرة الأمير الأعظم .

وقوله : (وعيناه تذرفان ) . أي : تذرفان الدمع .

التالي السابق


الخدمات العلمية