التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2648 2802 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب بن سفيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في بعض المشاهد وقد دميت إصبعه ، فقال :


هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت.



[6146 - مسلم: 1796 - فتح: 6 \ 19]


ذكر فيه حديث (إسحاق ) ، عن أنس قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين . . الحديث في قتلهم وهم القراء وأنه دعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان ويأتي في المغازي .

[ ص: 371 ] وحديث جندب بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بعض تلك المشاهد فدميت إصبعه ، فقال :


هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت.



وقوله : (من بني سليم ) : وهم ، وصوابه من الأنصار كما ثبت في "صحيح مسلم " من حديث ثابت عن أنس ; لأن بني سليم هم الذين قتلوا السبعين المذكورين كما نبه عليه الدمياطي ومن خطه نقلت ، وإنما دعا عليهم في القنوت في الخمس ; لأجل غدرهم وقبيح نكثهم بعد تأمينهم ، وقد سلف في القنوت ، (ويأتي في الغزوات ) ، وترك الدعاء عليهم لما أعطي في دعائه من الإجابة (قيل ) قتل يوم معونة سبعون ويوم أحد كذلك ويوم اليمامة في خلافة الصديق كذلك سبعون وآنس الله نبيه مما أنزل الله عليه في حقهم : (أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) . ثم نسخ بعد ، فيؤخذ منه جواز الدعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم والإعلان باسمهم والتصريج بذكرهم .

وجاء من حديث أنس في باب قول الله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا [آل عمران : 169] أنه دعا عليهم ثلاثين صباحا ،

[ ص: 372 ] وهنا فدعا عليهم أربعين صباحا ، وفي "المسند " : قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين يوما .

وقوله : (لقينا ربنا ) ، يقال : الأرواح يعرج بها إلى الله فتسجد له ثم يهبط بها ; لمعاينة الملكين وتصير أرواح الشهداء إلى الجنة ، وحديث جندب بن سفيان قال على أن كل ما أصيب به المجاهد في سبيل الله من نكبة أو غيره فإن له أجر ذلك على قدر نيته واحتسابه .

وقوله : ("هل أنت إلا إصبع . . " ) إلى آخره : هو رجز موزون وقد يقع على لسانه - صلى الله عليه وسلم - مقدار البيت من الشعر أو البيتين من الرجز ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - :


أنا النبي لا كذب     أنا ابن عبد المطلب.



فلو كان هذا شعرا لكان خلاف قوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له والله يتعالى أن يقع شيء من خبره أو يوجد على خلاف ما أخبر به ، وهذا من الحجاج اللازم لأهل السنة والجماعة ، ويقال للملحدين : إن ما وقع من كلامه الموزون في النادر من غير قصد فليس بشعر لأن ذلك غير ممتنع على أحد من العامة والباعة أن يقع له كلام موزون ، فلا يكون بذلك شعرا مثل قولهم :


اسقني في الكوز ماء يا فلان     واسرج البغل وجئني بالطعام



وقولهم : من يشتري باذنجان ، فهذا (المقدار ) ليس بشعر ، والرجز ليس بشعر ، ذكره القاضي أبو بكر بن الطيب وغيره ، وقال ابن التين : هذا الشعر لابن رواحة ; قال : وقد اختلف (الناس في هذا

[ ص: 373 ] وشبهه ) من الرجز الذي جرى على لسانه فقيل : ليس بشعر وقيل : قاله حكاية أو لأنه سبب صنعته ، ونفى قوم أن يكون البيت الواحد شعرا حكاه القزاز ، وقال قوم : الرجز شعر ، وقيل : إنه أمر اتفاقي لم يقصد ذلك وقع في القرآن : وجفان كالجواب وقدور راسيات [سبأ : 13] .

وقيل : معنى الآية لا يلزمه هذا الاسم ولا يوجب أن يكون شاعرا ، والرواية المعروفة كما قال النووي : كسر التاء وسكنها بعضهم ، ووقع في مسلم : كان - صلى الله عليه وسلم - في غار فنكبت إصبعه ، قال عياض : لعله غازيا فتصحف ، قال : ويحتمل أن يريد بالغار هنا الجيش لا الكهف ، وجعلهما ابن العربي واقعتين : واحدة في غزوة ، وأخرى في كهف ، وقال بعضهم : لما دعا - صلى الله عليه وسلم - للوليد بن الوليد باع مالا له بالطائف ، وهاجر على رجليه إلى المدينة فقدمها وقد تقطعت رجلاه وأصابعه ، فقال : هل أنت إلا إصبع . . إلى آخره ، يا نفس إلا تقتلي تموتي ، ومات في زمنه - صلى الله عليه وسلم - .

فائدة : في الإصبع عشر لغات بتثليث الهمزة مع تثليث الباء ، والعاشرة : إصبوع ، واقتصر منها ابن التين على أربعة تبعا لابن قتيبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية