التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2650 [ ص: 376 ] 11 - باب: قول الله تعالى : هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين [التوبة : 52] والحرب سجال

2804 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره ، أن هرقل قال له سألتك كيف كان قتالكم إياه ؟ فزعمت أن الحرب سجال ودول ، فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة . [انظر : 7 - مسلم: 1773 - فتح: 6 \ 20]


ثم ساق فيه حديث ابن عباس ، أن أبا سفيان أخبره أن هرقل قال : سألتك : كيف كان قتالكم إياه ؟ فزعمت أن الحرب سجال ودول ، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة .

هذا الحديث سيق أول الكتاب بطوله ، والمراد بالآية : الفتح والغنيمة ، أو الشهادة والجنة ، كما قاله المهلب ، وهو قول جماعة أهل التأويل ، واللفظ لفظ استفهام ، والمعنى التوبيخ .

فإن قلت : أغفل البخاري أن يذكر تفسير الآية في الباب ، وذكر حديث ابن عباس : أن الحرب سجال ; فما تعلقه بالآية التي ترجم لها ؟

فالجواب : تعلقه بها صحيح ، والآية مصدقة للحديث ، والحديث مبين للآية ، وإذا كان الحرب سجالا فذلك إحدى الحسنيين ; لأنها إن كانت علينا فهي الشهادة ، وتلك أكبر الحسنيين ، وإن كانت لنا فهي الغنيمة وتلك أصغر الحسنيين ; فالحديث مطابق لمعنى الآية ، فكل

[ ص: 377 ] فتح يقع إلى يوم القيامة أو غنيمة فإنه من إحدى الحسنيين ، وكل قتيل يقتل في سبيل الله إلى يوم القيامة فهو من إحدى الحسنيين له ، وإنما يبتلي الله الأنبياء ; ليعظم لهم الأجر والثواب ، ولمن معهم ولئلا يخرق العادة الجارية بين الخلق ، ولو أراد الله خرقها لأهلك الكفار كلهم بغير حرب ، ولثبط أيديهم عن المدافعة حتى يؤسروا أجمعين ، ولكن أجرى الله تعالى الأمور على العوائد ليأجر الأنبياء ومن معهم ويأتوا يوم القيامة مكلومين ، وقد سلف تفسير : الحرب سجال . في أول الكتاب فراجعه ، وهو جمع سجل مثل : عبد وعباد ، والسجل : الدلو إذا كانت ملأى ماء ولا تكون الفارغة سجلا ، وسجال من المساجلة وهي المنازلة في الأمر ، وهو أن يفعل كل من المتساجلين مثل صاحبه ، أي : له مرة ولصاحبه مرة .

وقال ابن المنير : التحقيق أن البخاري ساق الحديث لقوله : (وكذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة ) ، فهذا يتحقق أنهم على إحدى الحسنيين ، ففي تمام حديث هرقل تظهر المطابقة .

(ودولا ) : جمع دولة ، يقال : دولة ودولة ، ومعناه : رجوع الشيء إليك مرة وإلى صاحبك أخرى تتداولانه .

وقال أبو عمرو : هي بالفتح : الظفر في الحرب ، وبالضم : ما يتداوله الناس من المال . وعن الكسائي بالضم : مثل العارية ، يقال : اتخذوه دولة يتداولونه ، وبالفتح : من دال عليهم الدهر دولة ، ودالة الحرب بهم ، وقيل : الدولة : بالضم الاسم ، وبالفتح المصدر .

[ ص: 378 ] وقال القزاز : العرب تقول الأيام دول ، ودول ، ودول ; ثلاث لغات . زاد غيره : دولات ، فدول ودولات جمع دولة بالضم .

وقال ابن عديس في "باهره " عن الأحمر : جاء بالتؤلة والدؤلة تهمز ولا تهمز .

وفي "البارع " عن أبي زيد : دولة بفتح الدال وسكون الواو ، ودول بفتح الدال والواو ، وبعض العرب يقول : دولة .

وقوله : (وكذلك الرسل تبتلى ) أي تختبر وعاقبة الشيء : آخر أمره ومصيره الذي يصير إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية