1. الرئيسية
  2. التوضيح لشرح الجامع الصحيح
  3. كتاب الجهاد والسير
  4. باب قول الله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا

التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2652 2807 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري حدثني إسماعيل قال : حدثني أخي ، عن سليمان ، أراه عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن خارجة بن زيد ، أن زيد بن ثابت -رضي الله عنه - قال : نسخت الصحف في المصاحف ، ففقدت آية من

[ ص: 380 ] سورة الأحزاب ،
كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها ، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته شهادة رجلين ، وهو قوله : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
[الأحزاب : 23] . [4049 ، 4679 ، 4784 ، 4986 ، 4988 ، 4989 ، 7191 ، 7425 - فتح: 6 \ 21]


ثم ساق حديث حميد ، عن أنس : غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال : يا رسول الله ، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين . . فذكر قتله يوم أحد .

قال أنس : فوجدنا به تسعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه . قال أنس : كنا نرى -أو نظن - أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية [الأحزاب : 23] .

ثم ذكر قصة الربيع في كسر الثنية بطوله .

وحديث خارجة بن زيد ، أن زيد بن ثابت قال : نسخت الصحف في المصاحف ، ففقدت آية من الأحزاب كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأها ، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين ، وهو قوله تعالى : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

الشرح :

نحبه : عهده . وقال السهيلي : عذره ، وقال ابن عباس : أي :

[ ص: 381 ] مات على ما عاهد عليه ومنهم من ينتظر (ذلك ) وما بدلوا تبديلا ، وروى الواحدي من حديث إسماعيل بن يحيى البغدادي ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ، عن النزال بن سبرة ، عن علي قال : قالوا له : حدثنا عن طلحة ، فقال : ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر [الأحزاب : 23] طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل .

ومن حديث (عيسى بن طلحة ) أنه - صلى الله عليه وسلم - مر عليه طلحة فقال : "هذا ممن قضى نحبه " .

وقال مقاتل في "تفسيره " : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ليلة العقبة بمكة .

فمنهم من قضى نحبه يعني : أجله فمات على الوفاء ; يعني : حمزة وأصحابه المقتولين بأحد . ومنهم من ينتظر : يعني : المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد . وما بدلوا كما بدل المنافقون .

[ ص: 382 ] وحديث أنس قال الترمذي فيه : حديث حسن مشهور عن حميد . قلت : وفيه : الأخذ بالشدة واستهلاك الإنسان نفسه في الطاعة .

وفيه : الوفاء بالعهد (لله ) بإهلاك النفس ولا يعارض قوله تعالى : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة : 195] لأن هؤلاء عاهدوا الله فوفوا مما عاهدوه من العناء في المشركين وأخذوا بالشدة بأن باعوا نفوسهم من الله بالجنة -كما قال تعالى - ألا ترى قول سعد بن معاذ : فما استطعت ما صنع ، يريد ما استطعت أن أصف ما صنع من كثرة ما أعيا وأبلى في المشركين .

وقوله : (ليرين الله ما أصنع ) ، وقال في غزوة أحد : ليرين الله ما (أجد ) -بفتح الهمزة وضمها وتشديد الدال ، وبفتح الهمزة وتخفيف الدال - أي ما أفعل ووقع في مسلم : ليراني الله . بالألف ; وهو الصحيح -كما قال النووي - ويكون (ما أصنع ) : بدلا من

[ ص: 383 ] الضمير في أراني ، ووقع في بعض نسخه : ليرين -بياء مثناة تحت - مفتوحة بعد الراء ونون مشددة ، كما في البخاري -أي : يراه الله واقعا بارزا - وضبط أيضا بضم الياء وكسر الراء ، أي : ليرين الله للناس ما أصنع ويبرزه لهم كأنه ألزم نفسه إلزاما (مؤكدا ) ولم يظهره مخافة ما يتوقع من التقصير في ذلك ، ويؤيده رواية مسلم فهاب أن يقول غيره ; ولذلك سماه الله عهدا بقوله : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

وقوله : (أجد ريحها من دون أحد ) ، وفي مسلم : واها لريح الجنة أجده دون أحد ، يعني بقوله : (واها ) إما تفجعا وإما تلهفا وتحننا ، ويمكن أن يكون حقيقة -كما (بحثه ) ابن بطال - لأن ريحها يوجد من خمسمائة عام ، فيجوز أن يشم رائحة طيبة تشهيه الجنة وتحببها له ، قال : ويمكن أن يكون مجازا فالمعنى إني لأعلم أن الجنة في هذا الموضع الذي يقاتل فيه ; لأن الجنة في هذا الموضع تكتسب وتشترى ، (وأخته التي عرفت بنانه ) أي : الأصابع وأطرافها -هي : الربيع المذكورة بعد - وذكر بعضهم أنها سميت بنانا : لأن بها صلاح الأحوال التي يستعين بها الإنسان .

وحديث خزيمة ذكره في سورة براءة .

وقوله : (ففقدت آية من الأحزاب فلم أجدها إلا مع خزيمة ) لم يرد أن حفظها قد ذهب عن جميع الناس فلم تكن عندهم ; لأن زيد بن ثابت قد حفظها فهما اثنان ، والقرآن إنما يثبت بالتواتر لا باثنين ، ويدل على

[ ص: 384 ] أن معنى وجدها عنده يريد : مكتوبة ، وقد روي أن عمر قال : أشهد لسمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وروي أن أبي بن كعب قال مثل ذلك ، وعن هلال بن أمية أيضا مثله . فهؤلاء جماعة ، وإنما أمر أبو بكر عند جمع المصحف عمر بن الخطاب وزيدا بأن يطلبا على ما ينكرانه شهادة رجلين يشهدان سماع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; ليكون ذلك أثبت وأشد في الاستظهار ومما لا يسرع (أحد ) إلى دفعه وإنكاره ، قاله القاضي أبو بكر بن الطيب ، وقد ذكر في ذلك وجوها (أخر ) هذا أحسنها ستأتي في باب : جمع القرآن في فضائله إن شاء الله تعالى .

فائدة : خزيمة هو ابن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن عنان بن عامر بن خطمة ، واسمه عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس ، أبو عمارة كانت معه راية بني خطمة يوم الفتح ، من ولده عبد الله بن محمد بن عمارة بن خزيمة ، له أخوان : وحوح ; لا عقب له ، وعبد الله بن ثابت ; له عقب .

وسبب كون شهادته بشهادتين ، وذكرها هنا ليأتي بالقصة على وجهها أنه - صلى الله عليه وسلم - كلم رجلا في شيء فأنكره ، فقال خزيمة : أنا أشهد ; فقال - صلى الله عليه وسلم - : "أتشهد ولم تستشهد " فقال : نحن نصدقك على خبر السماء فكيف بهذا ; فأمضى شهادته وجعلها شهادتين وقال له : "لا تعد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية