التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2653 [ ص: 385 ] 13 - باب: عمل صالح قبل القتال

وقال أبو الدرداء : إنما تقاتلون بأعمالكم . وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون إلى قوله بنيان مرصوص . [الصف : 2 - 4]

2808 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا شبابة بن سوار الفزاري ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء -رضي الله عنه - يقول : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل مقنع بالحديد فقال : يا رسول الله أقاتل وأسلم ؟ قال : " أسلم ثم قاتل " . فأسلم ثم قاتل ، فقتل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عمل قليلا وأجر كثيرا " . [مسلم : 1900 - فتح: 6 \ 24]


ثم ساق حديث البراء : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل مقنع بالحديد فقال : يا رسول الله ، أقاتل وأسلم ؟ قال : "أسلم ثم قاتل " . فأسلم ثم قاتل فقتل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عمل قليلا وأجر كثيرا " .

هذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ : جاء رجل من بني النبيت -قبيل من الأنصار - قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ، ثم قاتل حتى قتل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عمل هذا يسيرا وأجر كثيرا " وأخرجه النسائي بلفظ : يا رسول الله : أرأيت لو أني أسلمت كان خيرا لي ؟ قال : "نعم " . فأسلم ثم قال : يا رسول الله أرأيت لو أني حملت على القوم فقاتلت حتى أقتل أكان خيرا لي ولم أصل صلاة واحدة ؟ قال : "نعم " .

وأما الآية فنزلت في الأنصار : عبد الله بن رواحة وغيره ، كما قاله مقاتل في "تفسيره " أن قوله : يا أيها الذين آمنوا يعظهم بذلك وذلك أن المؤمنين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله :

[ ص: 386 ] إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله يعني : في طاعته ، صفا كأنهم بنيان مرصوص فأخبر الله تعالى بأحب الأعمال إليه بعد الإيمان فكرهوا القتال فوعظهم الله وأدبهم فقال : لم تقولون ما لا تفعلون نزلت هذه الآية في الأنصار عبد الله بن رواحة وغيره ، تمنوا الجهاد فلما نزل فرضه كرهوه قاله ابن عباس ومجاهد ، وحكى ابن التين : أنها نزلت في المنافقين ، والتقدير على هذا يا أيها الذين آمنوا حكم لهم بحكم الأيمان .

ومعنى : بنيان مرصوص أي : ثبتوا كثبات ما رص من البناء .

وفيه : أن الله تعالى يعطي الثواب الجزيل على العمل اليسير ; تفضلا منه على عباده فاستحق بهذا نعيم الأبد في الجنة بإسلامه وإن كان عمله قليلا ، لأنه اعتقد أنه لو عاش لكان مؤمنا طول حياته فنفعته نيته وإن كان قد تقدمها قليل من العمل ، وكذلك الكافر إذا مات ساعة كفره يجب عليه التخليد في النار ; لأنه انضاف إلى كفره اعتقاده أنه يكون كافرا طول حياته ; لأن الأعمال بالنيات ، قاله المهلب .

وقال ابن التين : أما عمله فقليل وأما ما بذله فكثير .

قال ابن المنير : والمطابقة بين الترجمة وبين ما تلاه أن الله عاتب من قال : إنه يفعل الخير ولم يفعله ، ثم أعقب ذلك بقوله : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا وهو ثناء على من وفى وثبت ثم قاتل وفي الآية بالمفهوم الثناء على من قال وفعل . فقوله المتقدم وتأهبه للجهاد عمل صالح قدمه على الجهاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية