التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2654 [ ص: 387 ] 14 - باب: من أتاه سهم غرب فقتله

2809 - حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا حسين بن محمد أبو أحمد ، حدثنا شيبان ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا نبي الله ، ألا تحدثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب ، فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ؟ قال : " يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة ، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " . [3982 ، 6550 ، 6567 - فتح: 6 \ 25]


ذكر فيه حديث شيبان ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا نبي الله ، ألا تحدثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ؟ فقال : "يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة ، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " .

هذا الحديث من أفراده ، وفي لفظ له في المغازي : "أهبلت أجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة ، وإنه في الفردوس الأعلى " ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من حديث أنس .

والكلام عليه من وجوه :

أحدها : قوله : (أن أم الربيع بنت البراء ) غير جيد إنما هي : أم

[ ص: 388 ] حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار
.

الربيع بنت النضر أخت أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي ، وهي عمة أنس بن مالك بن النضر بن مالك بن النضر هي التي كسرت ثنية امرأة ; بين ذلك الترمذي في التفسير من حديث سعيد ، عن قتادة ، عن أنس أن الربيع بنت النضر أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابنها حارثة أصيب يوم بدر ، وكذا نبه الإسماعيلي في "مستخرجه " ، وأبو نعيم وغيرهما وحارثة هو الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كيف أصبحت يا حارثة " فقال : أصبحت مؤمنا بالله حقا . . الحديث ، وفيه : يا رسول الله ادع لي

[ ص: 389 ] بالشهادة فجاء يوم بدر ليشرب من الحوض فرماه حبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فقتله .

قال أبو موسى المديني : وكان خرج نظارا وهو غلام ; ولما قال رسول الله لأمه ما قال رجعت وهي تضحك وتقول : بخ بخ لك يا حارثة ، وهو أول قتيل من الأنصار ببدر .

وأما قول ابن منده : أنه شهد بدرا واستشهد بأحد فغير جيد ، وعند أبي نعيم : كان كثير البر بأمه قال - صلى الله عليه وسلم - : "دخلت الجنة فرأيت حارثة كذلك البر " ، هو غير جيد ; لأن المقتول فيه هنا هو حارثة بن النعمان كما بينه أحمد في "مسنده " وغيره .

ثانيها : قوله : (سهم غرب ) : هو الذي لا يعلم راميه ولم يدر من حيث أتاه ، قال أبو عبيد : يقال : أصابه سهم غرب إذا كان لا يعلم من رماه .

وقال ابن السكيت : سهم غرب ، وسهم غرب وغرب إذا لم يدر من أي جهة رمي به ، وقال غيره : سهم غرب .

وحكى الخطابي عن أبي زيد قال : سهم غرب ساكنة الراء إذا أتاه من حيث لا يدري ، وسهم غرب -بفتح الراء - إذا رماه فأصاب غيره ،

[ ص: 390 ] وقال ابن دريد : سهم غائر لا يدرى من رماه ، وقال ابن فارس : يقال : سهم غرب وغرب إذا لم يدر راميه ، وقال ابن الجوزي : روي لنا سهم بالتنوين وغرب بإسكان الراء مع الرفع والتنوين . وقال ابن قتيبة : كذا تقوله العامة ، والأجود سهم غرب بفتح الراء ، وإضافة الغرب إلى السهم ، وذكره الأزهري بفتح الراء لا غيره .

وقال ابن سيده : يقال : أصابه سهم غرب وغرب إذا كان لا يدرى من رماه . وقيل : إذا أتاه من حيث لا يدري ، وقيل : إذا تعمد غيره فأصابه ، وقد يوصف به . وفي "المنتهى " : سهم غرب وغرب بفتح الراء وسكونها يضاف ولا يضاف ، إذا أصابه سهم لا يعرف من رماه ، ومثله سهم عرض ، فإن عرف فليس بغرب ولا عرض ، وبنحوه ذكره القزاز وغيره ، فعلى هذا لا يقال في السهم الذي أصاب حارثة : غرب ; لأن راميه قد عرف .

ثالثها : هذا الحديث نحو حديث أم حرام إذ سقطت عن دابتها فماتت ، وهذا وشبهه مما يستحق به الجنة ، إذا صحت فيه النية .

وقولها : (اجتهدت في البكاء ) قال الخطابي : لم يعنفها عليه ، قلت : لعله المقصود الذي لا حرج على فاعله فهو مباح ، فكذا لم يعنفها بل هو رحمة ، ويجوز أن يحمل البكاء هنا على الدعاء والرقة ،

[ ص: 391 ] يؤيده رواية الترمذي : اجتهدت في الدعاء . وهو نص في وصوله له وهو إجماع ، ولهذا شرعت الصلاة عليه ، والجنان : جمع جنة : وهي البستان ، ويقال : هي النخل الطوال ، وقال الأزهري : كل شجر متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة ، مشتق من جننته إذا سترته .

التالي السابق


الخدمات العلمية