التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2687 2842 - حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح ، حدثنا هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على المنبر فقال : " إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض " . ثم ذكر زهرة الدنيا ، فبدأ بإحداهما وثنى بالأخرى ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، أويأتي الخير بالشر ؟ فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا يوحى إليه . وسكت الناس كأن على رءوسهم الطير ، ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء ، فقال : " أين السائل آنفا أوخير هو ؟ -ثلاثا - إن الخير لا يأتي إلا بالخير ، وإنه كل ما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم كلما أكلت ، حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس ، فثلطت وبالت ثم رتعت ، وإن هذا المال خضرة حلوة ، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه ، فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين ، ومن لم يأخذه بحقه فهو كالآكل الذي لا يشبع ، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة " . [انظر : 921 - مسلم: 1052 - فتح: 6 \ 48]


ذكر فيه حديث أبي هريرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة ، كل خزنة باب : أي فل ، هلم " . قال أبو بكر : يا رسول الله ، ذاك الذي لا توى عليه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأرجو أن تكون منهم " .

وحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على المنبر فقال : "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض " . ثم ذكر

[ ص: 477 ] زهرة الدنيا . . الحديث إلى قوله : "وإن هذا المال خضرة حلوة ، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه ، فجعله في سبيل الله والمساكين وابن السبيل " .

الشرح :

الحديث الأول سلف في الصوم ، والثاني سلف في الزكاة .

وقوله : ("من أنفق زوجين " ) أراد أن يشفع المنفق ما ينفقه من دينار أو درهم أو سلاح أو غير ذلك ، قال الداودي : يقع الزوج على الواحد والاثنين ، وهو هنا على الواحد ، واحتج بقوله تعالى : خلق الزوجين [النجم : 45] واعترضه ابن التين فقال : ليس قوله ببين ، وقد ذكره ابن قتيبة أيضا فقال : (إن ) الزوج يقع على الواحد والاثنين .

وقوله : ("أي فل هلم " ) أي : يا فلان ، فرخم كقولك : يا حار إذا رخمت حارثا ، وكقول الشاعر في محمد : أمسك فلانا عن فل ، والعرب تقول في النداء : يا فلان ، وأي فلان وأفلان .

ومعنى : (لا توى ) لا ضياع ، وقيل : لا هلاك ، من قولك : توى المال يتوى تواء ، قال ابن فارس : والتوى يمد ويقصر وأكثرهم على أنه مقصور .

ومعنى الكلام أن هذا الرجل لا بأس عليه أن يترك بابا ويدخل آخر .

و (الرحضاء ) -في حديث أبي سعيد - : العرق الذي أدره عند نزول الوحي عليه ، يقال : رحض الرجل إذا أصابه ذلك ، فهو مرحوض ورحيض .

[ ص: 478 ] وقوله : (كأن على رءوسهم الطير ) . قال الداودي : يعني : أن كل واحد صار كمن على رأسه طائر يريد صيده فلا يتحرك لئلا يطير به .

وقوله : ("يقتل حبطا أو يلم " ) كذا هو في الأصول ، وذكره ابن التين بحذف "حبطا " ثم قال : هذا محذوف منه . وروي تاما فذكره ، والحبط : انتفاخ البطن من داء يصيب الآكل من أكله .

وفيه : كما قال المهلب : فضل الجهاد على سائر الأعمال ، وأن للمجاهد أجر المصلي والصائم والمتصدق ، وإن لم يفعل ذلك ، ألا ترى أن باب الريان هو للصائمين خاصة ، وقد قال في هذا الحديث : "يدعى من كل باب " فاستحق ذلك بإنفاق قليل من مال الله في سبيله ، ففيه أن الغني إذا أنفق في سبيل الله أفضل الأعمال ، قال : إلا أن طلب العلم ينبغي أن يكون أفضل من الجهاد وغيره ; لأن الجهاد لا يكون إلا بعلم حدوده وما أحل الله منه وحرم ، ألا ترى أن المجاهد متصرف بين أمر العالم ونهيه ، ففضل عمله كله في ميزان العالم الآمر له بالمعروف ، والناهي له عن المنكر ، والهادي له إلى السبيل ، فكما أن أجر المسلمين كلهم مدخور لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل تعلمه لهم وهدايته إياهم سبيل العلم ، فكذلك يجب أن يكون أجر العالم فيه أجر من عمل بعلمه .

وفيه : دليل على أن من دعي من أبواب الجنة كلها لم يكن ممن استحق عقوبة في نار -والله أعلم - لقول أبي بكر : (ذلك الذي لا توى عليه ) أي : لا هلاك ، فلم ينكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفيه : القول بالدليل في أحكام الدنيا والآخرة لاستدلال أبي بكر وبالدعاء له من كل باب أنه لا هلاك عليه ، ولتصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[ ص: 479 ] ذلك الاستدلال وتبشيره لأبي بكر أنه منهم من أجل أنه أنفق في سبيل الله كلها أزواجا كثيرة من كل شيء ، وروى ابن المنذر من حديث أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا : "من أنفق في سبيل الله فسبعمائة ضعف " .

ومن حديث خريم بن فاتك مرفوعا مثله ، وقد جاء أن الذكر وأعمال البر في سبيل الله أفضل من النفقة ; فيه من حديث معاذ بن أنس الجهني أنه قال : "يضعف الذكر والعمل في سبيل الله على تضعيف الصدقة سبعمائة ضعف " ، وعن ابن المسيب مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية