التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
250 253 - حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد وقال يزيد بن هارون وبهز والجدي، عن شعبة: قدر صاع. قال أبو عبد الله: كان ابن عيينة يقول: أخيرا عن ابن عباس، عن ميمونة، والصحيح ما روى أبو نعيم. [مسلم: 322 - فتح: 1 \ 366]


ذكر فيه - رحمه الله- ثلاثة أحاديث:

أحدها: عن عائشة:

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الصمد، ثنا شعبة قال: حدثني أبو بكر بن حفص قال: سمعت أبا سلمة يقول: دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم، فدعت بإناء نحوا من صاع، فاغتسلت وأفاضت على رأسها، وبيننا وبينها حجاب. قال يزيد بن هارون وبهز والجدي، عن شعبة: قدر صاع.

[ ص: 554 ] والكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا هنا.

واسم أبي بكر: عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، مدني ثقة.

وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، أحد الأئمة، وهو ابن أختها من الرضاعة، أرضعته أم كلثوم بنت الصديق.

ثانيها:

أخو عائشة هو أخوها من الرضاعة، كما جاء مصرحا به في "صحيح مسلم"، واسمه فيما قيل: عبد الله بن يزيد، أفاده النووي. وقال مسلم في "الطبقات": عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، وقال الداودي في "شرحه" فيما رأيته إنه أخوها عبد الرحمن. وهذا وهم منه.

ثالثها:

اسم الجدي عبد الملك (خ قرنه، د، ت، س) بن إبراهيم، حجازي [ ص: 555 ] ثقة، وهو بضم الجيم نسبة إلى جدة، روى له البخاري مقرونا بغيره، وأبو داود والترمذي والنسائي. مات سنة أربع أو خمس ومائتين.

وطريق يزيد رواها أبو نعيم، عن أبي بكر بن خلاد، عن الحارث بن محمد عنه.

وطريق بهز رواها الإسماعيلي، عن المنيعي، عن يعقوب وأحمد بن إبراهيم قالا: ثنا بهز بن أسد به.

وقوله: (بيننا وبينها حجاب). ظاهره كما قال القاضي: أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذوي المحارم النظر إليه من ذات المحرم، ولولا أنهما شاهدا ذلك ورأياه، لم يكن لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى؛ إذ لو فعلت ذلك كله في سترة عنهما لاكتفت تعليمهما بالقول، وإنما فعلت الستر ليستر أسافل البدن، وما لا يحل للمحرم نظره.

الحديث الثاني:

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير، عن أبي إسحاق قال: حدثنا أبو جعفر أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه، وعنده قوم، فسألوه عن الغسل، فقال: يكفيك صاع. فقال رجل: ما يكفيني. فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا، وخير منك. ثم أمنا في ثوب.

[ ص: 556 ] والكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا.

وأبو جعفر: هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي. مدني تابعي جليل، ويعرف بالباقر; لأنه بقر العلم؛ أي: شقه فعرف أصله، أمه بنت السيد الحسن. وعنه ابنه جعفر الصادق وغيره. مات سنة أربع عشرة ومائة، على أحد الأقوال. وكان مولده سنة ست وخمسين. ووالده: هو علي بن الحسين زين العابدين التابعي الثقة.

ثانيها:

الرجل الذي قال: (ما يكفيني). هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، أبوه ابن الحنفية. مات سنة مائة أو نحوها. والحنفية اسمها: خولة بنت جعفر.

[ ص: 557 ] ثالثها:

(يكفي) بفتح أوله فقط.

و(أوفى) يحتمل أن تكون بمعنى أطول، فيرجع إلى الصفة. ويحتمل أن تكون بمعنى أكثر، فيرجع إلى الكمية، ويقال: إن هذا الرجل كان تاما عظيم الخلق كثير الشعر.

وقوله: (وخيرا منك) هو بالنصب عطفا على مفعول (من) الذي هو مفعول يكفي. ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والمراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (فقال رجل: ما يكفيني) ظاهره أنه غير السائل; إذ لو كان هو لقال: ما يكفيني.

وقوله: (وعنده قوم). جاء في أخرى: وعنده قومه، وهي ما ذكرها عبد الحق في "جمعه"، وصاحب "العمدة".

فقوله: (يكفيك صاع) هو بلفظ الخطاب للواحد، فيحتمل أنهم سألوه عن أشياء وأنواع الغسل وأحكامه، فسأله بعضهم عن صفته وبعضهم في أحكام مائه، فاشتركوا في السؤال فأضيف إليهم، فنقل الراوي جواب مقدار الماء فقط، ويحتمل أنهم اشتركوا في السؤال عن مقدار الماء، فأجابهم بلفظ الواحد كأنه قال: يكفي أحدكم صاع.

وقوله: (ثم أمنا في ثوب). لا خلاف في مقتضاه فإن الصلاة فيه جائزة وإن كان إماما.

[ ص: 558 ] الحديث الثالث:

حدثنا أبو نعيم، ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد وقال يزيد بن هارون وبهز والجدي، عن شعبة: قدر صاع. قال أبو عبد الله: كان ابن عيينة يقول: أخيرا عن ابن عباس، عن ميمونة، والصحيح ما روى أبو نعيم.

هكذا هو في أكثر النسخ عقب هذا، وسقط في بعضها.

وقد رواه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه من مسند ميمونة، ورجح الدارقطني إسقاطها وقال: إنه أشبه.

ووجه إدخال البخاري هذا الحديث هنا، أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وعائشة من الفرق، وقد سلف أنه ثلاثة آصع، وإذا كان كذلك فنصفه صاع ونصف، وذلك ثمانية أرطال، وذلك زائد على الصاع بقليل.

وأما فقه هذه الأحاديث، فقد سلف في باب الوضوء بالمد، والاختلاف في قدره وقدر الصاع، فراجعه منه.

وفيه أيضا: عدم الإسراف في الماء.

وفيه أيضا: صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كثير الشعر.

التالي السابق


الخدمات العلمية