التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2702 2857 - حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، سمعت قتادة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال كان فزع بالمدينة ، فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا لنا يقال له : مندوب . فقال : " ما رأينا من فزع ، وإن وجدناه لبحرا " . [انظر : 2627 - فتح: 6 \ 58]


[ ص: 506 ] ذكر فيه أربعة أحاديث :

أحدها : حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي وأنه كان راكبا على فرس يقال له الجرادة . وقد سلف .

ثانيها : حديث أبي بن العباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حائطنا فرس يقال له : اللحيف . وقال بعضهم : اللخيف . بالخاء ; وهو من أفراده .

ثالثها : حديث معاذ : كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له : عفير ، فقال : "يا معاذ ، هل تدري حق الله على عباده ، وما حق العباد على الله ؟ " . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " . فقلت : يا رسول الله ، أفلا أبشر الناس ؟ قال : "لا تبشرهم فيتكلوا " .

رابعها : حديث أنس بن مالك قال : كان فزع بالمدينة ، فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا لنا يقال له : مندوب . فقال : "ما رأينا من فزع ، وإن وجدناه لبحرا " . وقد سلف .

ثم الكلام من وجوه :

أحدها : شيخ البخاري في الأول (محمد بن أبي بكر ) ، وهو الصواب . قال الجياني : وفي نسخة أبي زيد المروزي : محمد بن بكر ، وهو خطأ ، والصواب الأول وهو المقدمي ، قال : وليس في شيوخ البخاري محمد بن بكر .

ثانيها : اختلف في ضبط اللحيف ، فضبطه عامة الشيوخ كما قال

[ ص: 507 ] صاحب "المطالع " : بضم اللام وفتح الحاء المهملة .

قلت : وعليه اقتصر الهروي ، سمي بذلك لطول ذنبه ، فعيل بمعنى فاعل ، فكأنه يلحف الأرض بجريه ، يقال : لحفت الرجل باللحاف : إذا طرحته عليه ، قال : وعن ابن سراج : فتح اللام وكسر الحاء على وزن رغيف . وقال ابن السكيت : سمي اللحيف لكثرة سبائبه : يعني ذنبه . وقال ابن الجوزي : بنون وحاء مهملة ، وقال في "المغيث " : بلام مفتوحة وجيم مكسورة . قال أبو موسى : المحفوظ بالحاء ، فإن روي بالجيم فيراد به السرعة ; لأن اللجيف سهم نصله عريض ، قاله صاحب "التتمة " ، وصح عن البخاري أنه قال : إنه بالخاء المعجمة . قال ابن الأثير : ولم يتحققه ، والمعروف الأول .

وهذا الفرس أهداه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربيعة بن البراء فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب . وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه " : أهداه له فروة بن عمرو الجذامي من أرض البلقاء .

ثالثها : (عفير ) تصغير أعفر ، إلا أنهم أخرجوه عن بناء أصله ، كما قالوا في تصغير أسود : سويد . وهو بعين مهملة على المشهور ، وزعم القاضي عياض : أنه بغين معجمة ، ورد ذلك عليه .

قال ابن عبدوس في أسماء خيله ودوابه - صلى الله عليه وسلم - : كان (أخضر ) أخذ ذلك من العفر وهو التراب ، وكذا قال الخطابي : سمي بذلك لعفرة لونه ، والعفرة : حمرة يخالطها بياض ، يقال له : أعفر ويعفور ، وأخضر

[ ص: 508 ] ويخضور ، وأصفر ويصفور ، وأحمر ويحمور .

وقال ابن بطال : عفير من العفرة وهو تصغير أعفر . وقال الدمياطي : إنه شبه في عدوه باليعفور -وهو الظبي - وهذا الحمار أهداه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقوقس ، وأهدى له فروة بن عمرو حمارا يقال له : يعفور . ويقال : هما واحد ، حكاه ابن عبدوس .

قال الواقدي : نفق يعفور منصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع . وذكر السهيلي أنه طرح نفسه في بئر يوم مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر ابن عساكر عن أبي منصور : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر أصاب حمارا أسود ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : "ما اسمك ؟ " قال : يزيد بن شهاب -وعند السهيلي : زياد بن شهاب - أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا ، كلهم لم يركبه إلا نبي ، وقد كنت أتوقعك أن تركبني ; لأنه لم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك . فذكر حديثا طويلا فيه : فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان ، فتردى فيها جزعا على رسول الله ، فصارت قبره .

قال أبو القاسم : هذا حديث غريب ، وفي إسناده غير واحد من المجهول .

وقال ابن حبان في "ضعفائه " : لا أصل لهذا الحديث ، وإسناده ليس بشيء .

[ ص: 509 ] فائدة :

روينا في "الإرداف " لابن منده أبي زكريا يحيى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان له حمار آخر أعطاه إياه سعد بن عبادة .

ثانية مهمة : في عدد أفراسه :

عند ابن سعد أول فرس ملكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشرة أواقي ، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس ، فسماه رسول الله : السكب ، وأول ما غزا عليه أحدا ، وكان أغر محجلا طلق اليمين .

وفي "المنمق " لمحمد بن حبيب البغدادي : كان كميتا .

وللطبراني عن ابن عباس : كان أدهم ، وله أيضا السكب ، سمي بذلك ; لأن لونه يشبه لون الشقائق . وللواقدي : كان له أيضا فرس أشقر يسمى : المرتجز وهو الذي شهد له فيه خزيمة ، وكان لأعرابي من بني مرة .

ولابن أبي عاصم : كان أشقر ، سمي المرتجز لحسن صهيله .

وزعم ابن قتيبة أن الذي شهد فيه خزيمة الظرب ، وفي رواية : النجيب .

و (الأعرابي ) قيل : هو سواء بن الحارث بن ظالم المزني ، وقيل : هو سواء بن قيس المحاربي .

[ ص: 510 ] وذكر الرشاطي : أن المرتجز أهداه له عصيم بن الحارث بن ظالم المحاربي فأثابه - صلى الله عليه وسلم - ناقة تدعى القرعى .

وعند الواقدي : كان له - صلى الله عليه وسلم - أفراس ثلاث عند سهل بن سعد : لزاز ، والظرب ، واللحيف ، أهدى الظرب له فروة بن عمرو الجذامي ، وفي "تاريخ ابن عساكر " : أهداه له ربيعة بن أبي البراء ، وذكر أبو سعيد النيسابوري في "شرف المصطفى " : أنه كان لجنادة بن المعلى المحاربي ، وذكر ابن الجوزي أن لزازا (أهدى له ) المقوقس . وعند السهيلي : كان معه في المريسيع ، وذكر سليمان بن بنين النحوي المصري : أنه من هدايا المقوقس ، قال : وكان تحته ببدر . وفيه نظر ; لأن هدايا المقوقس لم تأت إلا بعد سنة ست .

وعند ابن سعد : كان له فرس يقال له : الورد أهداه له تميم الداري ، فأعطاه عمر ، فحمل عليه في سبيل الله فوجده يباع ، الحديث .

وعنده أيضا : المرواح ، أهداه له الرهاويون .

وعند ابن حبيب : وكان له فرس يقال له : ذو اللمة .

[ ص: 511 ] وعند ابن خالويه: والمرتجل والسرحان والعسوب ، ذكره قاسم بن ثابت في "الدلائل " .

وكذلك اليعسوب والبحر . قال ابن بنين : اشتراه من تجار قدموا به من اليمن .

والشحاء والسجل ، قال ابن الأثير : أخاف أن يكون أحدهما تصحيفا من الآخر .

وملاوح ، ذكره في "شرف المصطفى " قال : وكان لأبي بردة بن نيار .

ومندوب ، ذكره أبو عبد الله محمد بن علي بن حضر بن عسكر المالقي في "ذيل التعريف " .

وسبخة ، ففي "سنن الدارقطني " عن أنس : كانت له فرس يقال لها : سبخة .

وذو العقال ، ذكره ابن عساكر .

والسقب ، (ففي ) "الجهاد " لابن أبي عاصم عن ابن عباس : كان لرسول الله فرس أدهم يسمى : دلدل ، وفي "المستدرك " : كان له بغلة يقال لها : دلدل .

وقال الواقدي : عن موسى بن محمد ، عن أبيه : هي أول بغلة (رئيت ) في الإسلام ، أهداها له المقوقس وبقيت إلى زمن معاوية .

[ ص: 512 ] وفي "تاريخ دمشق " : قاتل عليها في خلافته الخوارج .

وعند ابن إسحاق : كانت في منزل عبد الله بن جعفر يحش لها الشعير ; لأن أسنانها ذهبت ، وكانت شهباء . وعند الواقدي : أهداها له فروة الجذامي . وعند المرزباني : لما أهداها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلبه الحارث بن أبي شمر الغساني ، فلما ظفر به صلبه . وفي مسلم : أهدى ابن العلماء -يعني : يوحنا بن رؤبة - له في تبوك بغلة بيضاء ، فكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم - يجيرهم وأهدى له بردا . وعند ابن سعد : وأرسل إليه صاحب دومة بغلة .

وفي الثعلبي -بإسناد فيه ضعف - عن ابن عباس : أهدى كسرى بغلة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركبها (بجل ) من شعر وأردفه خلفه . وفيه نظر ; لأن كسرى مزق كتابه .

وفي "أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - " لأبي الشيخ ابن حيان : عن ابن عباس أن النجاشي أهدى له - صلى الله عليه وسلم - بغلة ; فكان يركبها ، وهو غريب .

وروى الطبري عن ابن عبد الرحيم البرقي : ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد قال : اسم راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العقاب ، وفرسه : المرتجز ، وناقته : العضباء والجدعاء ، والحمار : يعفور ، والسيف :

[ ص: 513 ] ذو الفقار ، والدرع : ذات الفضول ، والرداء : الفتح ، والقدح : الغمر .

رابعها : فقه الباب : جواز تسمية الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها .

وقوله : ("وإن وجدناه لبحرا " ) أي : واسع الجري . قال الأصمعي : يقال : فرس بحر وفيض وحث وغمر . وقال نفطويه : معناه كثير الجري لا يفنى جريه كما لا يفنى ماء البحر ، فإذا كان ذلك من فعله - صلى الله عليه وسلم - في أملاكه وكان الرب -جل جلاله - قد ندب خلقه إلى الاستنان به والتأسي فيما لم ينههم عنه ، فالصواب لكل من أنعم الله عليه وخوله رقيقا أو حيوانا من البهائم أو الطير أو غير ذلك أن يسميه باسم كما فعل - صلى الله عليه وسلم - ، وعلم بذلك أن المولدين لما ادعوا أنساب الخيل لم يتعدوا في ذلك ، إذ كان لها من الأسماء ما لبني آدم تميزوا بها من أعيانها وأشخاصها ، إذ الأسماء إما هي أمارات وعلامات يفصل بها بين مسمياتها ، وذكر هنا في حديث أبي قتادة : أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ منه رجل الحمار وأكله ، وهو حجة على أحد قولي أبي حنيفة وغيره الذين منعوا المحرم من أكل لحم الصيد وإن لم يصد من أجله .

وفيه : إرداف النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاضل الصحابة . ومعاذ أحد الأربعة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت وأبي وأبو زيد الأنصاري ، ويقال : إنه يأتي يوم القيامة يقدم العلماء برتوة ، مات ابن ثلاث وستين .

[ ص: 514 ] وفيه : جواز الإرداف على الدابة والحمل عليها ما أقلت ولم يضر بها .

فائدة :

الخيل : جمع لا واحد له وجمعه : خيول ، قاله في "المخصص " ، وكان أبو عبيد يقول : واحدها خايل لاختيالها ، فهو على هذا الاسم للجمع عند سيبويه ، وجمع عند أبي الحسن .

قال في "المحكم " : وقول أبي عبيد ليس بمعروف . قال : وقول أبي ذؤيب :


فتنازلا وتواقفت خيلاهما وكلاهما بطل اللقاء مخدع



ثناه على قولهم : هما لقاحان أسودان وجمالان ، والجمع : أخيال عن ابن الأعرابي ، والأول أشهر .

وقال ابن رضوان أبو عبد الله في "الاحتفال " : وقد جاء فيه الجمع أيضا على أخيل في شعر الحطيئة وإذا صغرت قلت : خييلة ، ولو حذفها لكان وجها ، والخول -بالفتح - : جماعة الخيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية