التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2705 [ ص: 522 ] 48 - باب: الخيل لثلاثة

وقوله تعالى : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة [النحل : 8]

2860 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله ، فأطال في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواثها وآثارها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له ، ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك " . وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر ، فقال : "ما أنزل علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " [الزلزلة : 7 - 8] . [انظر : 2371 - مسلم: 987 - فتح: 6 \ 63]


ثم ذكر حديث أبي هريرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الخيل لثلاثة : لرجل أجر . . " إلى آخره ، سلف في أبواب الشرب ، واستدل به على عدم أكل الخيل ، لكنه ثابت بالسنة : ويخلق ما لا تعلمون [النحل : 8] قيل : إنه عام . وقيل : هو السوس في الثياب .

والطيل : الحبل الذي تربط به الدابة ، ويقال بالواو بدل الياء أيضا ، والمعنى أن فرس المجاهد ليمضي على وجهه في الحبل الذي أطيل له ; فيكتب له بذلك حسنات .

ومعنى (استنت ) : أفلتت فمرحت تجري ، والاستنان : أن تأخذ في سنن على وجه واحد ماضيا ، وهو يفتعل من السنن ، وهو القصد ،

[ ص: 523 ] ويقال : فلان يستن الريح إذا كان على جهتها وممرها ، وأهل الحجاز يقولون : يستنها ، ويقال في مثل هذا : استنت الفصال حتى القرعى تضرب مثلا للرجل الضعيف يرى الأقوياء يفعلون شيئا فيفعل مثله .

والشرف : ما ارتفع من الأرض .

وقوله : ("ولو أنها مرت بنهر . . " ) إلى آخره . قيل : إنما ذلك لأنه وقت لا ينتفع بشربها فيه فيغتم لذلك فيؤجر ، ويحتمل أن يريد أنه كره شربها من ماء غيره بغير إذن .

وقوله : ("ونواء " ) هو بكسر النون والمد ، وقال الداودي : هو بفتح النون والقصر . وقال بعض أهل اللغة : هو بكسر النون والمد . وهذا الذي حكاه عن بعضهم هو قول جماعة منهم ، قال : النواء : المعاداة ، يقال : ناوأت الرجل نواء ومناوأة : إذا عاديته ; وأصله من ناء إليك ونؤت إليه . أي : نهضت إليه ، ونهض لك . وقال ابن بطال : هو مصدر ناوأت وهي المساواة ثم ذكر المعاداة عن كتاب "العين " .

الوزر : الثقل المثقل للظهر .

وقوله : ("الجامعة الفاذة " ) يعني : جمعت أعمال البر كلها دقيقها وجليلها ، وكذلك جمعت أعمال المعاصي ، وفاذة : منفردة في معناها ، ويقال : فاذة وفذة وفاذ وفذ ، ومنه : "تفضل على صلاة الفذ " .

ومعنى ذلك أنها منفردة في عموم الخير والشر لا آية أعم منها ، والمعنى أنه من أحسن إلى الحمر رأى إحسانه في الآخرة ، ومن أساء إليها وكلفها فوق طاقتها رأى إساءته في الآخرة .

[ ص: 524 ] وقوله : ("لم ينزل علي في الحمر إلا هذه الآية " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره [الزلزلة : 7] : فيه تعليم منه لأمته الاستنباط والقياس ، وكيف تفهم معاني التنزيل ; لأنه شبه ما لم يذكر الله وهي الحمر مما ذكره ، من عمل مثقال ذرة من خير ، إذ كان معناهما واحدا ، وهذا نفس القياس الذي ينكره من لا تحصيل له ولا فهم عنده ; لأن هذه الآية يدخل فيها مع الحمر جميع أفعال البر ، ألا ترى إلى فهم عائشة وغيرها من الصحابة هذا المعنى من هذه الآية حين تصدقوا بحبة عنب وقالوا : كم فيها من مثاقيل الذر .

وفيه من الفقه : أن الأعمال لا يؤجر المرء في اكتسابها لاعبا بها ، وإنما يؤجر بالنية الخالصة في استعمال ما ورد الشرع بالفضل في علمه ; لأنها خيل كلها ، وقد اختلف أحوال مكتسبها لاختلاف النيات فيها .

وفيه : أن الحسنات تكتب للمرء إذا كان له فيها سبب وأصل تفضلا من الله على عباده المؤمنين ; لأنه ذكر حركات الخيل ونقلها ورعيها وروثها ، وأن ذلك حسنات للمجاهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية