التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2706 [ ص: 525 ] 49 - باب: من ضرب دابة غيره في الغزو

2861 - حدثنا مسلم ، حدثنا أبو عقيل ، حدثنا أبو المتوكل الناجي قال : أتيت جابر بن عبد الله الأنصاري ، فقلت له : حدثني بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سافرت معه في بعض أسفاره -قال أبو عقيل : لا أدري غزوة أو عمرة - فلما أن أقبلنا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب أن يتعجل إلى أهله فليعجل " . قال جابر : فأقبلنا وأنا على جمل لي أرمك ليس فيه شية ، والناس خلفي ، فبينا أنا كذلك إذ قام علي ، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا جابر استمسك " . فضربه بسوطه ضربة ، فوثب البعير مكانه ، فقال : "أتبيع الجمل " . قلت نعم . فلما قدمنا المدينة ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد في طوائف أصحابه ، فدخلت إليه ، وعقلت الجمل في ناحية البلاط . فقلت له هذا جملك . فخرج ، فجعل يطيف بالجمل ويقول : "الجمل جملنا " . فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أواق من ذهب فقال : "أعطوها جابرا " . ثم قال : "استوفيت الثمن " . قلت نعم . قال : "الثمن والجمل لك " . [انظر : 443 - مسلم: 715 - فتح: 6 \ 65]


ذكر فيه حديث جابر السالف في الصلاة (وغيره ) .

و (أبو عقيل ) بفتح العين ، واسمه : بشير بن عقبة الدورقي الناجي .

و (أبو المتوكل الناجي ) اسمه (علي بن دواد ) ، وقيل : ابن داود .

وقوله : (وأنا على جمل لي أرمك ليس فيه شية ) . الأرمك من الإبل : ما في لونه غبرة يخالطها سواد ، وذلك اللون هو الرمك والرمكة ، والجمل أرمك ، وعبارة الأصمعي فيما حكاه أبو عبيد : إذا خالط

[ ص: 526 ] حمرته سواد فتلك الرمكة ، وبعير أرمك ، وناقة رمكاء . وقال صاحب "العين " : الرمكة : لون في ورقة وسواد ، والورقة شبه بالغبرة . وعن ابن دريد : الرمك كل شيء خالطت غبرته سوادا كدرا . وفي "الكفاية " : وقال حنيف الحناتم : العمرة صبرى ، والرمكة : بهيا ، والخوارة : غزرى ، والصهباء : سرعى . وقيل : الرمكة : الرماد . وقال صاحب "المطالع " : يقال : أربك بالباء الموحدة أيضا ، والميم أشهر .

وقوله : (ليس فيه شية ) . أي : لمعة من غير لونه . قال صاحب "العين " : الشية : لمعة من سواد أو بياض . وعبارة غيره : بياض فيما يخالفه من الألوان ، وكذلك السواد في البياض . وعن قتادة في قوله تعالى : لا شية فيها [البقرة : 71] لا عيب ، وأصلها من الوشي ، وهي محذوفة الفاء كما حذفت في دية وعدة ، وجمعها شيات .

وقوله : (إذ قام علي ) . أي : الجمل ، معناه : وقف من الإعياء والكلال ، قال تعالى : وإذا أظلم عليهم قاموا [البقرة : 20] أي : وقفوا . وفيه تفسير آخر ، قال أبو زيد : يقال : قام بي ظهري أي : أوجعني ، وكل ما أوجعك من جسدك فقد قام بك ، والمعنى متقارب .

وفيه : المعونة في الجهاد لسوق الدابة وقودها ، وقد رأى - صلى الله عليه وسلم - رجلا يحط رحل رجل ضعيف فقال : "ذهب هذا بالأجر " . يعني المعين ، وكذلك المعين في سوقها يؤجر عليه .

وفيه : جواز إيلام الحيوان لما يصلحه والحمل عليها بعض ما يشق

[ ص: 527 ] بها ; لأنه جاء أنه أعيى فإذا ضرب (المعنى ) فقد كلف ما يشق عليه ، وإذا صح هذا فكذا يجوز أن يكلف العبد والأمة بعض ما يشق عليهما إذا كان في طاقتهما ووسعهما ، ويؤدبا على تقصيرهما فيما يلزمهما من الخدمة .

وفيه : أن السلطان قد يتناول الضرب بيده ; لأنه إذا ضرب الدابة فأحرى أن يضرب الإنسان الذي يعمل تأديبا له .

وفيه : بركة الشارع ; لأنه ضربه فأحدث الله له بضربه قوة ، وأذهب عنه الإعياء .

قال ابن المنذر : واختلفوا في المكتري يضرب الدابة فتموت ، فقال مالك : إذا ضربها ضربا لا تضرب مثله ، أو حيث لا تقدر ضمن . وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور ، قالوا : إذا ضربها (ضربا ) يضرب صاحبها مثله ولم يتعد فليس عليه شيء . واستحسن هذا القول أبو يوسف ومحمد ، وقال الثوري وأبو حنيفة : هو ضامن إلا أن يكون أمره أن يضرب .

والقول الأول أولى كما قال ابن بطال ، وعليه يدل الحديث ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب الجمل إلا مما يشبه أن يكون أدبا له مثله ولم يقعد عليه ، فكان ذلك مباحا ، فلو مات الجمل من ذلك لم يضمنه ; لأنه لم يكن متعديا ، والضمان في الشريعة إنما يلزم بالتعدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية