التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2708 [ ص: 530 ] 51 - باب: سهام الفرس

2863 - حدثنا عبيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما . وقال مالك : يسهم للخيل والبراذين منها ; لقوله : والخيل والبغال والحمير لتركبوها [النحل : 8] ولا يسهم لأكثر من فرس . [4228 - مسلم: 1762 - فتح: 6 \ 67]


وقال مالك : يسهم للخيل والبراذين منها ; لقوله : والخيل والبغال والحمير لتركبوها [النحل : 8] ولا يسهم لأكثر من فرس .

وذكر فيه حديث أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما .

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ، وأخرجه الدارقطني من حديث حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن عبيد الله ، عن نافع . . فذكره ، وفيه : للفارس سهمين وللراجل سهما .

ومن حديث ابن أبي شيبة : ثنا أبو أسامة وابن نمير قالا : ثنا عبيد الله ، عن نافع بمثله . قال الرمادي : كذا يقول ابن نمير .

وقال أبو بكر النيسابوري شيخ الدارقطني : هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة أو من الرمادي ; لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير بخلاف هذا .

قلت : ورواه ابن أبي عاصم عن ابن أبي شيبة كما سلف ، ولفظه : جعل للفرس سهمين وللرجل سهما . ثم ساقه الدارقطني من حديث نعيم بن حماد ، ثنا ابن المبارك عن عبيد الله ، وفيه : أسهم للفارس

[ ص: 531 ] سهمين وللراجل سهما
. قال أحمد بن منصور : كذا لفظ أبي نعيم عن ابن المبارك ، والناس يخالفونه . قال النيسابوري : لعل الوهم من نعيم . ورواه القعنبي عن ابن وهب عن عبيد الله بالشك في الفارس أو الفرس .

قال ابن حزم : رواه عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ : جعل للفارس سهمين وللراجل سهما .

وفي الباب أحاديث :

أحدها : حديث مجمع بن جارية قال : شهدت الحديبية وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، فيهم ثلاثمائة فارس ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفارس سهمين والراجل سهما . رواه أبو داود عن محمد بن يحيى عن مجمع بن يعقوب بن مجمع : سمعت أبي ، عن عمه عبد الرحمن بن زيد ، عن مجمع بن جارية ، به .

قال أبو داود : وحديث أبي معاوية أصح والعمل عليه . (يعني ) : أن الوهم في حديث مجمع ثلاثمائة فارس ، وإنما كانوا مائتين ، كما في حديث أبي معاوية ; ولهذا قال البيهقي : حديث مجمع خولف فيه ، ففي حديث جابر أنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وفي حديث صالح بن كيسان وبشير بن يسار : كان الخيل مائتي فرس .

وأعله ابن حزم بمجمع بن يعقوب ; فقال : مجهولان ; وأخطأ

[ ص: 532 ] فمجمع روى عنه جماعة ، منهم قتيبة والقعنبي ، ووثقوه ، منهم ابن معين ، وأبوه روى عنه ابن أخيه أيضا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، وعبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب ، وذكره ابن حبان في "ثقاته " .

ثانيها : حبيب بن أبي عمرة ، عن أبيه . قال : أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة نفر ، فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن المسعودي ، عن ابن أبي عمرة ، عن أبيه به ، وأخرجه الدارقطني من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبيه ، عن جده بشير بن عمرو بن محصن قال : أسهم لي النبي - صلى الله عليه وسلم - لفرسي أربعة أسهم ولي سهما ، فأخذت خمسة .

ثالثها : حديث يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال : ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر للزبير أربعة أسهم : سهم للزبير ، وسهم لصفية ، وسهمين للفرس . رواه النسائي من حديث يحيى به ، ورواه الدارقطني من حديث إسماعيل بن عياش ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير .

رابعها وخامسها : رواه أحمد من حديث ياسين بن معاذ ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس ، عن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير قالوا : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسهم للفرس سهمين .

سادسها : رواه الدارقطني من حديث أبي الوليد بن برد الأنطاكي : ثنا

[ ص: 533 ] الهيثم بن جميل : ثنا قيس : ثنا محمد بن علي السلمي ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أبي حازم مولى أبي رهم قال : غزونا أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأخي ومعنا فرسان ، فأعطانا ستة أسهم : أربعة لفرسينا وسهمين لنا .

سابعها : رواه الدارقطني أيضا من حديث محمد بن الحسين الحنيني : ثنا معلى بن أسد : ثنا محمد بن حمران ، عن عبد الله بن بسر ، عن أبي كبشة الأنماري قال : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما ، فمن نقصهما نقصه الله -جل وعز- " .

ثامنها : رواه أيضا من حديث قريبة بنت عبد الله ، عن أمها بنت المقداد ، عن ضباعة بنت الزبير ، عن المقداد قال : أسهم لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سهما ولفرسي سهمين .

تاسعها : رواه أيضا من حديث يحيى بن أيوب قال : قال لي إبراهيم عن كثير مولى بني مخزوم ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم لمائتي فرس (بحنين ) سهمين سهمين .

عاشرها : رواه أيضا من حديث محمد بن يزيد بن سنان : ثنا أبي : ثنا هشام بن عروة ، عن أبي صالح ، عن جابر قال : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزاة فأعطى الفارس منا ثلاثة أسهم ، وأعطى الراجل سهما .

[ ص: 534 ] الحادي عشر : رواه أيضا من حديث الواقدي : ثنا محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة ، عن أبيه ، عن جده أنه شهد حنينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسهم لفرسه سهمين وله سهما .

قال محمد بن عمر : وحدثنا أبو بكر بن يحيى بن النضر ، عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول : أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للفرس سهمين ولصاحبه سهما ، وهذا هو الثاني عشر .

الثالث عشر : رواه البيهقي من حديث الزنبري عن مالك عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه قال : أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير يوم (حنين ) أربعة أسهم : سهمين للفرس ، وسهما له ، وسهما للقرابة ، ثم قال : هذا من غرائب الزنبري عن مالك ، وإنما يعرف بإسناد يحيى بن عبد الله بن الزبير يعني السالف . قال : وفيه كفاية .

وفي "مراسيل أبي داود " من حديث عبد العزيز بن رفيع ، عن رجل من أهل مكة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهما ، وللدارع سهمين .

إذا تقرر ذلك ; قال الله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه [الحشر : 7] ورسوله قد قسم للفارس ثلاثة أسهم : سهما له ، وسهمين لفرسه ، واتباعه وطاعته فرض ، وكذا فعله عمر بن الخطاب وعلي ، ولا مخالف لهما من الصحابة ، وهو قول عامة العلماء قديما ، وحديثا غير أبي حنيفة فإنه قال : لا يسهم للفرس إلا سهم واحد ، وقال : أكره

[ ص: 535 ] أن أفضل بهيمة على مسلم . وخالفه أصحابه ، فبقي وحده ، وخالفه العلماء الثلاثة : الشافعي ومالك وأحمد ، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، وذكر المنذري أن قوله روي عن علي وأبي موسى .

وقال ابن حزم : روى ليث عن الحكم أن أول من جعل للفرس سهمين عمر بن الخطاب .

قال ابن سحنون : ما أرى أن يدخل قول أبي حنيفة هذا في الاختلاف لمخالفته جميع العلماء ، وما ذكره من تفضيل الفرس على المسلم شبهة ضعيفة ; لأن السهام كلها في الحقيقة للرجل ، وحجته رواية المقداد أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاه يوم بدر سهما له وسهما لفرسه ، وجوابه أن ما سلف أكثر ، فهو أولى ، ولأنه متأخر (فهو ) ينسخ المتقدم ، ذكره ابن التين .

وما نقله البخاري عن مالك هو في "موطئه " بزيادة : والبراذين والهجين من الخيل إذا أجازها الوالي . وبقول مالك يقول أبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور أنه يسهم للبراذين والهجين ; لأنها من الخيل فيسهم (لها ) .

وقال الليث : لهما سهم دون سهم الفرس ولا يلحقان بالعراب .

[ ص: 536 ] وقال ابن المناصف : وأول من أسهم للبرذون رجل من همدان يقال له : المنذر الوادعي ، وكتب بذلك إلى عمر فأعجبه ، فجرت سنة للخيل والبراذين ، وفي ذلك يقول شاعرهم :


ومنا الذي قد سن في الخيل سنة وكانت سواء قبل ذاك سهامها



وفي "مراسيل أبي داود " عن مكحول أنه - صلى الله عليه وسلم - هجن الهجين يوم خيبر وعرب العربي ، للعربي سهمان ، وللهجين سهم .

قال عبد الحق : وروي موصولا بزيادة زياد بن (جارية ) عن حبيب بن (سلمة ) مرفوعا ، والمرسل أصح ، وروى مكحول : أول من أسهم للبرذون خالد بن الوليد ، قسم لها نصف سهمان الخيل ، وبه قال أحمد . قال ابن المناصف : وروي أيضا عن الحسن .

وقال مكحول : لا شيء للبراذين ، وهو قول الأوزاعي .

قال ابن حزم (للراجل ) وراكب البغل والحمار والجمل سهم واحد فقط ، وهو قول مالك والشافعي وأبي سليمان .

وقال أبو حنيفة : للفارس سهمان : له سهم ولفرسه أو لسائر ما ذكرنا سهم ، (وهو قول أبي موسى الأشعري . وقال أحمد : للفارس ثلاثة أسهم ) ، ولراكب البعير سهمان ، واحتج مالك في "الموطأ " بالآية السالفة .

[ ص: 537 ] واسم الخيل يقع على الهجين والبراذين ، وهي تغني غناها في كثير من المواضع ، فمن زعم فرقا بينهما فعليه الدليل ، واحتج مالك أيضا بقول سعيد بن المسيب أنه سئل : هل في البراذين صدقة ؟ قال : وهل في الخيل صدقة ؟

وذهب مالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي إلى أنه لا يسهم لأكثر من فرس الذي يقاتل عليه ، وبه قال أهل الظاهر . وقال الثوري والأوزاعي وأبو يوسف والليث وأحمد وإسحاق : يسهم لفرسين . وهو قول ابن وهب وابن الجهم من المالكية ، ونقله ابن أبي عاصم عن الحسن ومكحول وسعيد بن عثمان . قال ابن الجهم : أنا بريء من قول مالك ، فإنه لم (يشاهد فيشاهد ) الحال ، ولعله ذهب هذا عليه .

قال القرطبي : فلم يقل أحد : إنه يسهم لأكثر من فرسين إلا شيئا روي عن سليمان بن موسى الأشدق قال : يسهم لمن عنده أفراس ، لكل فرس سهمان ، وهو شاذ .

وحجة القول الأول أنهم أجمعوا على أن سهم فرس واحد يجب مع ثبوت الخبر بذلك عن رسول الله ، فثبت القول به إذ هو سنة وإجماع ، ووجب التوقف عن القول بأكثر من ذلك إذ لا حجة مع القائلين به ، وعن مالك فيما ذكره ابن المناصف : إذا كان المسلمون في سفن

[ ص: 538 ] فلقوا العدو فغنموا ، أنه يضرب للخيل التي معهم في السفن بسهمهم ، وهو قول الشافعي والأوزاعي وأبي ثور .

وقال بعض الفقهاء : القياس أنه لا يسهم لها .

واختلف في الفرس يموت قبل حضور القتال ، فقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : لا يسهم له إلا إذا حضر القتال .

وقال مالك وابن القاسم وأشهب وعبد الملك بن الماجشون : بالإدراب يستحق الفرس الإسهام . وإليه ذهب ابن حبيب ، (قال ) : ومن حطم فرسه أو كسر بعد الإيجاف أسهم له . قال مالك : ويسهم للرهيص من الخيل وإن لم يزل رهيصا من حين دخل إلى (حين ) خرج بمنزلة الإنسان المريض ، وقاله ابن الماجشون وأشهب وأصبغ .

وقال اللخمي : وروي عن مالك أنه لا يسهم للمريض من الخيل .

وقال الأوزاعي في رجل دخل دار الحرب بفرسه ثم باعه من رجل دخل دار الحرب راجلا ، وقد غنم المسلمون غنائم قبل شرائه وبعده أنه يسهم للفرس فما غنموا قبل الشراء للبائع ، وما غنموا بعد الشراء فسهمه للمشتري ، فما اشتبه من ذلك قسم بينهما . وبه قال أحمد وإسحاق .

قال ابن المنذر : وعلى هذا مذهب الشافعي إلا فيما اشتبه ، فمذهبه أن يوفر الذي أشكل من ذلك بينهما حتى يصطلحا .

[ ص: 539 ] وقال أبو حنيفة : إذا دخل أرض العدو غازيا راجلا ثم ابتاع فرسا يقاتل عليه وأحرزت الغنيمة وهو فارس ، أنه لا يضرب له إلا بسهم راجل .

فائدة :

في قسمته - صلى الله عليه وسلم - للفرس سهمين حض على إكساب الخيل واتخاذها ، لما جعل الله فيها من البركة في إعلاء (كلمة الله ) وإعزاز حزبه ، وليعظم شوكة المسلمين بالخيل الكثير . قال تعالى : ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [الأنفال : 60] .

فائدة :

(البرذون ) كما قال ابن حبيب هو : العظيم . يريد : الجافي الخلقة العظيم الأعلى ، وليست العراب كذلك فإنها أضمر وأرق أعضاء وأعلى خلقة . قال ابن التين : والمعروف من قول مالك أن البراذين كالخيل . وقد سلف ذلك .

وقال ابن حبيب : إذا اشتبهت الخيل في القتال عليها والطلب أسهم لها . قال في "المعونة " : لأنها (تراد للشعاب ) والجبال بخلاف الخيل ، والهجين ، والبراذين : خيل الروم والفرس .

قال غيره : وهو الذي أبوه نبطي وأمه نبطية .

قال ابن فارس : اشتقاق البرذون من برذن الرجل برذنة إذا ثقل .

[ ص: 540 ] وقال مكحول والأوزاعي : لا يسهم إلا للعربي ، وهي عند مالك كالخيل كما سلف .

واستدلال مالك بالآية لأن اسم الخيل يتناول البراذين ; لأنه تعالى قال : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة [النحل : 8] فكأنه تعالى استوعب ذكر جميع الحيوان المشار إلى ركوبه والحمل عليه لتعدد النعمة منه علينا ، فذكر الأنعام وما يحمل عليه منها ثم ذكر الثلاثة ، فكأنه استوعب هذا الجنس ولم يذكر البراذين ولا الهجين ، فدل على أن اسم الخيل يتناولها . وقيل : في قول مالك : (يسهم للخيل ، والبراذين منها ) . أن حكمهما واحد وإن لم يتناولها اسم الخيل لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الأشعريين إذا (أملقوا ) جمعوا أزوادهم فتساووا فيها ، فهم مني وأنا منهم " ، لم يرد أنه منهم في النسب ولا أنهم من قريش ، وإنما أراد أن خلقهم في المساواة أقرب إلى خلقه العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية