[ ص: 542 ] وفي موضع آخر : قال nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل وزهير : نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بغلته ، وفي رواية قال nindex.php?page=showalam&ids=48البراء : رجل من قيس .
ثم الكلام عليه من وجوه :
أحدها : (حنين ) بالحاء المهملة : واد بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف قاله الواقدي .
وقال البكري : بضعة عشر ميلا ، والأغلب فيه التذكير ; لأنه اسم ماء ، وربما أنثته العرب جعلته اسما للبقعة ، وهو وراء عرفات ، سمي بحنين بن قانية بن مهلاييل .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هو إلى جنب ذي المجاز ، وتأتي في الغزوات ، وكانت سنة ثمان ، وسببها أنه لما أجمع - عليه السلام - على الخروج من مكة لنصرة خزاعة أتى الخبر إلى هوازن أنه يريدهم ، فاستعدوا للحرب حتى أتوا سوق ذي المجاز فسار - عليه السلام - حتى أشرف على وادي حنين مساء ليلة الأحد ، ثم صابحهم يوم الأحد نصف شوال .
ثانيها : قوله : (ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر ) هذا معلوم من حاله وحال الأنبياء ; لفرط إقدامهم وشجاعتهم وثقتهم بوعد الله في رغبتهم في الشهادة ولقائه ، ولم يثبت عن واحد منهم -والعياذ بالله - أنه فر ، ومن قال ذلك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل ، ولم يستتب عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; لأنه صار بمنزلة من قال : إنه كان أسود أو أعجميا ; لإنكاره ما علم من وصفه قطعا وذلك كفر .
[ ص: 543 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : وحكي عن بعض أصحابنا الإجماع على قتل من أضاف إليه نقصا أو عيبا ، وقيل : يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : من زعم أنه انهزم فقد رماه بأنه كذب وحي الله بالعصمة من الناس ، فإن تاب وإلا قتل ; لأنه كافر إن لم يتأول ويعذر بتأويله ، وستكون لنا عودة إليه قريبا في باب : من صف أصحابه عند الهزيمة .
والذين فروا يومئذ إنما فتحه عليهم من كان في قلبه مرض من مسلمة الفتح المؤلفة ومشركيها ، والذين لم يكونوا أسلموا ، والذين خرجوا لأجل الغنيمة ، وإنما كانت هزيمتهم فجأة .
ثالثها : ركوبه يومئذ بغلته البيضاء هو النهاية في الشجاعة والثبات ، لا سيما في نزوله عنها وتقدمه يركض على بغلته إلى جمع المشركين حين فر الناس ، وليس معه إلا اثنا عشر نفرا ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=18العباس وأبو سفيان -كما ذكر هنا ، وهو ابن الحارث كما سيأتي - آخذين بلجامها يمنعانها ، ففي nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : كانت بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة ، وفي لفظ : كانت شهباء .
وعند ابن سعد : كان راكبا دلدل التي أهداها له المقوقس .
[ ص: 544 ] فيجوز أن يكون ركوبه متعددا بعد أن نزل .
رابعها : قوله : ("أنا النبي لا كذب " ) كان بعض العلماء يرويه "لا كذب " بنصب الباء ليخرجه عن وزن الشعر ، حكاه ابن التين ، وقد قيل : إنما قيل :
وفيه : إثبات النبوة، أي : أنا ليس بكاذب فيما أقول ، فيجوز على الانهزام ، وإنما ينهزم من ليس على يقين من النصرة وهو على خوف من الموت ، والشارع على يقين من النصرة مما أوحى الله إليه في كتابه وأعلمه أنه لا بد له من كمال هذا الأمر ، فمن زعم بعد هذا أنه انهزم فقد رماه بأنه كذب وحي الله أن الله يعصمه ، وقد سلف حكمه .
خامسها : إن قلت : نهى عن الافتخار بالآباء وقال هنا ما قال ، قلت : عنه قولان :
أحدهما : أنه أشار بذلك إلى رؤية رآها عبد المطلب دالة على نبوته مشهورة عند العرب فأخبر بها قريشا ، فعبرت بأن سيكون له ولد يسود الناس ويهلك أعداؤه على يديه ، وكان أمر تلك الرؤيا مشهورة في قريش ، فذكرهم بقوله هذا أمر تلك الرؤيا ; ليقوى بذلك من انهزم من أصحابه فيرجعوا وليثقن بأن الظفر لهم .
ثانيها : أنه أشار بذلك إلى خبر نقل عن سيف بن ذي يزن أنه أخبر عبد المطلب وقت وجوده ، وأنه في جماعة قريش وهو أن يكون في ولده .
وعنه : جواب ثالث : لشهرة جده فإنها أكبر من شهرة والده ; لأنه توفي شابا في حياة أبيه ، وكان كثيرا ما ينسب إليه عملا بالعادة في الشهرة ; ولهذا قال ضمام بن ثعلبة لما وفد عليه قال : أيكم ابن
[ ص: 545 ] عبد المطلب ؟
سادسها : فيه : خدمة السلطان في الحرب ، وسياسة دوابه لأشراف الناس من قرابته وغيرهم .
ولعله عند البلاء حق كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير ممن ثبت منهم يومئذ عتبة ومعتب ابنا أبي لهب . nindex.php?page=showalam&ids=12563ولابن إسحاق : وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأبو بكر وعمر وعلي والفضل بن العباس وأسامة وقثم بن العباس وأيمن بن أم أيمن -وقتل يومئذ - وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، nindex.php?page=showalam&ids=222وعقيل بن أبي طالب فيما ذكره ابن الأثير ، وأم سليم أم أنس بن مالك . قال nindex.php?page=showalam&ids=18العباس :
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فر من قد فر عنه وأقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه لما مسه في الله لا يتوجع
قلت : ذاك أن ينوي عدم العود عند وجدان القوة ، وأما من تحيز إلى فئة أو كان فراره لكثرة عدد العدو أو نوى العود إذا أمكنه فلا محذور فيه ولا داخل في الوعيد ، ولقد قال تعالى في حق هؤلاء : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين [الفتح : 26] .
وفيه : جواز الأخذ بالشدة ، والتعرض للهلكة في سبيل الله ; لأن الناس فروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا ، والمشركون في أضعافهم عددا جرارا كثيرا فلزموا مكانهم ومصافهم ، ولم يأخذوا بالرخصة من الفرار .
وفيه : ركوب البغال في الحرب للإمام كما سلف ; ليكون أثبت له ; ولئلا يظن به الاستعداد للفرار والتولي ، وهو من باب السياسة لنفوس الأتباع ; لأنه إذا ثبت ثبت أتباعه ، وإذا رئي منه العزم على الثبات عزم معه عليه .