التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2717 2872 - حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا زهير ، عن حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق -قال حميد : أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين ، حتى عرفه ، فقال : " حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " . طوله موسى عن حماد عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر : 2871 - فتح: 6 \ 73] .


ثم ساق حديث أنس : كانت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها : العضباء .

وعنه قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق -قال حميد : أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه ، فقال : "حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " . طوله موسى ، عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس .

الشرح :

التعليق الأول أخرجه ابن منده أبو زكريا يحيى من طريق عاصم بن عبد الله ، عن سالم ، عن أبيه ، فذكره من غير ذكر القصواء . والثاني سلف ، وحديث أنس من أفراده ، وأخرجه أبو داود في الأدب .

و ("القصواء " ) بفتح القاف وبالمد ، قال ابن التين : ضبطت بالضم

[ ص: 557 ] والقصر ، وهي عند أهل اللغة بالفتح والمد . قال الداودي : سميت بذلك ; لأنها كانت غاية في الجري ، قال : وآخر كل شيء أقصاه . والذي عند أهل اللغة أنها المقطوعة الأذن . قال صاحب "المطالع " : هي المقطوعة ربع الأذن ، والقصر خطأ ، وهي التي هاجر عليها - عليه السلام - ويقال لها : العضباء ، ابتاعها الصديق من نعم بني الحريش .

والجدعاء : وكانت شهباء ، وكان لا يحمله إذا نزل عليه الوحي غيرها ، وتسمى أيضا الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة والرياء وبردة والمروة والجعدة ومهرة والشقراء . قال أبو العباس في كتاب "المعجمين " عن أنس : خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناقته العضباء وليست بالجدعاء ، وذكر حديثا .

وفي "المحكم " العضباء : حذف في طرف أذن الناقة والشاة ، وهو أن يقطع منه شيء قليل ، وقد قصاها قصوا وقصاها ، وناقة قصواء ومقصوة وجمل مقصو وأقصى . وأنكر بعضهم أقصى ، وقال اللحياني : بعير أقصى ومقصى ومقصوة ، وناقة قصواء ومقصاة ومقصوة : مقطوعة طرف الأذن ، والقصية من الإبل : الكريمة التي لا تجهد في حلب ولا حمل . وقيل : القصية من الإبل رذالتها . عن ثعلب .

وقال الجوهري : كانت ناقة لم تكن مقطوعة الأذن .

وجزم ابن بطال بأن القصواء من النوق التي في أذنها حذف ، يقال منه : ناقة قصواء وبعير مقصى ، ولا يقال : بعير أقصى . قال : وذكر الأصمعي في الناقة أنه يقال منها قصوة .

[ ص: 558 ] والقعود من الإبل : ما يقتعده الإنسان للركوب والحمل . وعبارة ابن بطال أنه الجمل المسن ، قال الأزهري : ولا يكون إلا المذكر ، ولا يقال للأنثى قعودة . قال : وأخبرني المنذري أنه قرأ بخط أبي الهيثم ذكر الكسائي ، (أنه ) سمع من يقول : قعودة للقلوص ، والذكر قعود . قال : وهما عند الكسائي من نوادر الكلام الذي سمعه من بعضهم ، وكلام أكثر العرب على غيره .

وجمع القعود : قعدان ، والقعادين جمع الجمع . وقال صاحب "الموعب " عن صاحب "العين " في غير هذا الموضع أن القعود لا يكون إلا ذكرا ، ولا يقال للأنثى قعودة .

وقال ابن سيده في "المحكم " : القعدة والقعودة والقعود من الإبل : ما اتخذه الراعي للركوب ، والجمع (قعدة ) وقعد وقعديد . وقال الجوهري : هو بالفارسية : رخت لش ، (وبتصغيره جاء ) المثل : اتخذوه قعيد الحاجات . إذا امتهنوا الرحل في حوائجهم ، وهو حين يركب ، وأدنى ذلك أن يأتي عليه سنتان إلى أن يثني ، أي : دخل في الثالثة ، فإذا أثنى سمي جملا .

وقوله : ("ما خلأت " ) أي : ما حزنت .

[ ص: 559 ] و (العضباء ) قال الداودي : أحسب أنها إنما قيل لها ذلك لقطع كان في بعض أطرافها ، إما طرف الذنب أو شيء من الأذن . وقال ابن فارس : إنما كان ذلك لقبا لها . وقاله أبو عبيد ، قال : والعضباء : المشقوقة الأذن .

وظاهر الحديث -كما قال ابن فارس - أنه لقب لها ; لقوله : (تسمى العضباء ) لو كانت عضباء لما قال ذلك . والعضباء من الشاة : المكسورة القرن الداخل ، وهو المشاش .

وقال صاحب "العين " : ناقة عضباء : مشقوقة الأذن ، وشاة عضباء : مكسورة القرن ، وقد عضب عضبا . والعضب : القطع ، ومنه قيل للسيف القاطع : عضب ، وقد عضب يعضب : إذا قطع .

وفيه : اتخاذ الأمراء والأئمة الإبل للركوب ، وجواز الارتداف للعلماء والصالحين .

والتزهيد في الدنيا ، والتقليل لأمورها ; لإخباره أن كل شيء يرتفع من الدنيا فحق على الله أن يضعه ، وبه نطق القرآن ، قال تعالى : قل متاع الدنيا قليل [النساء : 77] وما وصفه الله تعالى بأنه قليل فقد وضعه وصغر قدره ، وقال تعالى تسلية عن متاع الدنيا : والآخرة خير لمن اتقى [النساء : 77] وقال : وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا [الإسراء : 21] إرشادا لعباده وتنبيها لهم على طلب الأفضل .

التالي السابق


الخدمات العلمية