التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2724 [ ص: 567 ] 65 - باب: غزو النساء وقتالهن مع الرجال

2880 - حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا عبد العزيز ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما ، تنقزان القرب -وقال غيره : تنقلان القرب - على متونهما ، ثم تفرغانه في أفواه القوم ، ثم ترجعان فتملآنها ، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم . [2902 ، 3811 ، 4064 - مسلم: 1811 - فتح: 6 \ 78]


ذكر فيه حديث أنس : لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما ، تنقزان القرب -وقال غيره : تنقلان القرب - على متونهما ، ثم تفرغانه في أفواه القوم ، وترجعان فتملآنها ، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم .

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا .

ثم الكلام عليه من وجوه :

أحدها : الخدم : الخلاخيل ، الواحدة : خدمة ، وتجمع أيضا على خدام . كثمرة وثمار . والمخدم : موضع الخلخال من الساق . وعبارة صاحب "المطالع " : قد يسمى خدمة . أي لأنه موضع الخلخال ، وهو الخدمة ، وأصله أن الخدمة سير (غليظ ) مثل الحلقة يشد في رسغ البعير ثم تشد إليها شرائح نعلها ، فسمي الخلخال خدمة لذلك . وقال أبو عبيد : أصل الخدمة : الحلقة المستديرة . وقيل : الخدمة : مخرج الرجل من السراويل . والسوق : جمع ساق .

[ ص: 568 ] ثانيها : (تنقزان ) بالزاي أي : تثبان . والنواقز : القوائم ، يقال : نقز ينقز ، وينقز نقزانا ونقزا (إذا ) وثب . وقال الداودي : يسرعان المشي كالهرولة . وقال غيره : معناه : الوثوب . ونحوه في حديث ابن مسعود : أنه كان يصلي الظهر والجنادب تنقز من الرمضاء ، أي تثب . يقال : نقز وقفز : (وثب ) وكذا قحز . وقال صاحب "المطالع " : كأنه من سرعة السير . وقال أبو سليمان : أحسبه تزفران . والزفر : حمل القرب الثقال ، والجمع : أزفار . واحتج بالحديث الآتي بعد : فإنها كانت تزفر العرب يوم أحد . ويقال للقربة نفسها : الزفر . وكذلك قيل للإماء : الزوافر ، وذلك لأنهن يزفرن القرب . وقيل : الزفر : البحر النزع الفياض ، فعلى هذا كانت تملأ لهم القرب حتى تحيض .

قال صاحب "المطالع " : وضبط الشيوخ (القرب ) بنصب الباء ، ووجهه بعيد (على ) الضبط المتقدم ، وأما مع (تنقلان ) فصحيح ، وكان بعض شيوخنا يقرؤه بضم الباء يجعله مبتدأ ، كأنه قال : والقرب على متونهما . وقد يأول النصب على عدم الخافض كأنه قال : ينقزان بالقرب . وقد وجدته في بعض الأصول بضم (التاء ) ، ويستقيم على هذا نصب القرب . أي : يحركان القرب لشدة عدوهما بها ، فكانت القرب ترتفع وتنخفض مثل الوثب على ظهورهما .

[ ص: 569 ] ثالثها : اعترض ابن المنير فقال : بوب على غزوهن وقتالهن ، وليس فيه أنهن قاتلن ، فإما أن يريد أن إعانتهن الغزاة غزو ، وإما أن يريد ما ثبتن للمداواة ولسقي الجرحى إلا وهن يدافعن عن أنفسهن ، وهو الغالب ، فأضاف إليهن القتال لذلك .

قلت : لا شك في شجاعتهن ودفعهن ، ويؤيده ما ذكره ابن إسحاق لما قال - صلى الله عليه وسلم - : "يا أم سليم ، ما هذا الخنجر ؟ " قالت : يا رسول الله ، أبعج به بطن من يدنو مني . وسيأتي .

رابعها : رؤية أنس لذلك كان لضرورة ذلك العمل في ذلك الوقت .

وقال الداودي : يعني : نظر فجأة ، ويحتمل أن يكون حينئذ صغيرا ، ويحتمل أن يكون قبل نزول الحجاب كما قال القرطبي ، ولا شك فيه ; لأنه إما في صفية أو زينب ، وكلاهما بعد أحد ، وقد يتمسك به من يرى أن تلك المواضع ليست بعورة من المرأة ، وليس كذلك .

خامسها : قد سلف أن النساء لا غزو عليهن ، ولا شك أن عونهن للغزاة بسقي الماء ، وسقيهن وتشميرهن ضرب من القتال ; لأن العون على الشيء ضرب منه ، وقد روي عن أم سليم أنها كانت تسبق الشجعان في الجهاد ، وثبتت يوم حنين والأقدام قد زلت ، والصفوف

[ ص: 570 ] قد انتقضت ، والمنايا فغرت فاها ، فالتفت إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يدها خنجر ، فقالت : يا رسول الله ، أقتل بهذا الذين ينهزمون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يحاربونك ، فليسوا بشر منهم
. أخرجه مسلم بنحوه من حديث أنس . وهو من أفراده ، وفيه : "يا أم سليم ، إن الله قد كفى وأحسن " وروى معمر عن الزهري قال : كان النساء يشهدن المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى ، ولم أسمع (امرأة ) قتلت معه ، وقد قاتل نساء من قريش يوم اليرموك حين دهمتهم جموع الروم وخالطوا عسكر المسلمين ، فضربن نساء يومئذ بالسيوف وذلك في خلافة عمر - رضي الله عنه - .

فرع :

هل يسهم للمرأة ؟ قال الأوزاعي : نعم ، وقد أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء بخيبر وأخذ المسلمون بذلك .

قلت : في أبي داود : عن حشرج بن زياد ، عن جدته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لنا بخيبر كما أسهم للرجال . قال الخطابي : سنده ضعيف لا تقوم به حجة .

وقال الثوري والكوفيون والليث والشافعي : لا يسهم لهن ولكن

[ ص: 571 ] يرضخ . واحتجوا بكتاب ابن عباس إلى نجدة أن النساء كن يحضرن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة ولم يضرب لهن بسهم ، أخرجه مسلم .

وروى ابن وهب عن مالك أنه (سئل ) عن النساء هل يحذين من المغانم في الغزو ؟ قال : ما سمعت ذلك .

قال ابن بطال : وقول مالك أصح ; لأن النساء لا جهاد عليهن ، وإنما يجب السهم والرضخ لمن كان مقاتلا (أورد المسلمين ) ، وجملة النساء لا غناء لهن ولا نكاية للعدو فيهن ، فأما إذا قاتلت المرأة وكان لها غناء وعون فلو أسهم لها كان صوابا ; لأنه إنما جعل لأهل الجيش لقتالهم العدو ودفعهم عن المسلمين ، فمن وجدت هذه الصفة فيه فهو مستحق للسهم سواء كان رجلا أو امرأة ، والمراد أنه لا يسهم للغالب من حالهن ، فإن المقاتلة منهن لا تكاد توجد .

قلت : حديث ابن عباس يرد عليه ، وبقول الأوزاعي قال ابن حبيب : بشرط قتالها ، حكاه ابن المناصف .

ورده - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته نساء خرجن معه ، فالحديث فيه ضعف ، أو يحتمل أن يكن شابات فردهن لأجل الفتنة ، وقد خرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أو لأن العدو كان فيه قوة فخاف عليهن .

[ ص: 572 ] فرع :

يرضخ للصبي خلافا للأوزاعي ولمالك إذا أطاقه .

فرع :

ذكر الترمذي أن بعض أهل العلم قال : يسهم للذمي إذا شهد القتال مع المسلمين . وروي عن الزهري أنه - صلى الله عليه وسلم - أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه .

وهو قول الزهري والأوزاعي وإسحاق ، فيما حكاه ابن المنذر ، وعندنا : يرضخ له إذا حضر بإذن الإمام . ووقع في بعض مسائل المالكية -فيما قاله ابن المناصف - أنه يسهم له إذا أذن له الإمام في الغزو معه .

فرع :

المجنون المطبق لا يسهم له ، فإن كان عنده من العقل ما يمكنه به القتال فقيل : يسهم له . والظاهر المنع ، ذكره أيضا .

فرع :

المريض الذي لا يستطيع شيئا في الحال ، ولا يرجى في المآل ، ولا ينتفع به في عمل الجهاد بأمر ، فالمروي عن أصحاب مالك أنه لا يسهم له وذلك كالمفلوج اليابس ، ذكره أيضا ، قال : واختلفوا في الأعمى والأقطع اليدين والمقعد لاختلافهم هل يمكن لهم نوع من أنواع القتال ، كإدارة الرأي إن كانوا من أهله ، وكقتال المقعد راكبا ، والأعمى يناول النبل ، ونحو ذلك ، ويكثرون السواد ؟ فمن رأى لمثل ذلك أثرا في استحقاق الغنيمة أسهم (لهم ) ، ومن لم يره منع .

[ ص: 573 ] وأما من به مرض يرجى برؤه فعند المالكية فيه خلاف في الإسهام له ، فإن مرض بعد الإدراب ففيه خلاف ، والأكثرون لا يسهم (لهم ) ، ولم يختلفوا أن من مرض بعد القتال يسهم له .

فرع :

الأجير والتاجر والمحترف يسهم لهم عندنا إذا قاتلوا ، والخلاف عند المالكية أيضا .

ثالثها : إن قاتلوا استحقوا وإلا فلا ، ولم يختلف عن مالك أنه إن لم يقاتل ولم يشهد لا شيء له . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن قاتلوا استحقوا . وعن مالك : يسهم لكل حر قاتل ، وهو قول أحمد . وقال الحسن بن حي : يسهم للأجير . وروي مثل ذلك عن الحسن وابن سيرين في التاجر والأجير إذا حضرا وإن لم يقاتلا . ونقل ابن عبد البر عن جمهور العلماء الإسهام للتجار إذا حضروا القتال . وقال الأوزاعي وإسحاق : لا يسهم للأجير المستأجر على خدمة القوم ولا للعبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية