التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2736 [ ص: 599 ] 74 - باب: من غزا بصبي للخدمة

2893 - حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب ، عن عمرو ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طلحة : " التمس غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر " . فخرج بي أبو طلحة مردفي ، وأنا غلام راهقت الحلم ، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل ، فكنت أسمعه كثيرا يقول : "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال " . ثم قدمنا خيبر ، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب ، وقد قتل زوجها وكانت عروسا ، فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلت ، فبنى بها ، ثم صنع حيسا في نطع صغير ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آذن من حولك " . فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية . ثم خرجنا إلى المدينة قال : فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحوي لها وراءه بعباءة ، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته ، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب ، فسرنا حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال : " هذا جبل يحبنا ونحبه " . ثم نظر إلى المدينة فقال : "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " . [انظر : 371 - مسلم: 1365 - فتح: 6 \ 86]


ذكر فيه حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طلحة : "التمس غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر " . فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم ، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل ، فذكر فيه قصة صفية واصطفاءها لنفسه .

وهو حديث ظاهره مشكل ، فإن المعروف أنه خدمه قبل ذلك ، قال الداودي في غير هذا الحديث : أتى بي أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنس غلام كيس فليخدمك .

[ ص: 600 ] وقال هنا : ("حتى أخرج إلى خيبر " ) وهذا ليس بمحفوظ ; لأن أنسا قال : خدمته عشر سنين ، فكان أول خدمته قبل خيبر بست سنين ; لأن خيبر سنة ست ، ويحتمل أن يكون هذا القول منه حين خروجه إلى خيبر يخدمه غير أنس بالمدينة حتى يخرج ، أو أخذه للسفر فقط . ونقل ابن بطال عن أبي (عبد ) الله أن في حديث هذا وأنا غلام راهقت الحلم ، وفي طريق آخر : وأنا ابن عشر سنين ، وكذلك في حديث ابن عباس : ناهزت الحلم ، وفي طريق آخر : توفي رسول الله وأنا ابن عشر سنين ، وقد حفظت المحكم الذي يدعونه المفصل ، فسمي أنس وابن عباس ابن عشر سنين مراهقا .

وفيه : جواز استخدام اليتامى بشبعهم وكسوتهم ، وجواز الاستخدام لهم بغير نفقة ولا كسوة إذا كان في خدمة عالم أو إمام في الدين ; لأنه لم يذكر في حديث أنس أن له أجرة الخدمة ، وإن كان قد يجوز أن تكون نفقته من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما الأجرة فلم يذكرها أنس في (حديثه ) ولا ذكرها أحد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أبي طلحة ، ولا عن أم سليم ، وهما اللذان أتيا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلماه لخدمته ، ولم يشترطا أجرة ولا نفقة ولا غيرها ، فجائز على اليتيم إسلام أمه ووصيه و (ذي ) الرأي من أهله في الصناعات واستئجاره في المهنة ، وذلك لازم (له ) وينعقد عليه .

[ ص: 601 ] وفيه : جواز حمل الصبيان في الغزو كما بوب له .

وقوله : (يحوي لها وراءه ) فالحوية : مركب يهيأ للمرأة ، قاله في "العين " ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يجعل العباءة حوية ، يجعلها حول سنام البعير .

وقوله : ("اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال " ) قال الخطابي : أكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن ، وهما على اختلافهما في الاسم متقاربان في المعنى ، إلا أن الحزن إنما يكون على أمر قد وقع ، والهم إنما هو فيما يتوقع ولما يكون بعد .

وقال القزاز : الهم : هو الغم والحزن . تقول : أهمني هذا الأمر أحزنني وهو مهم ، ويحتمل أن يكون من همه المرض إذا أذابه وأنحله ، مأخوذ من هم الشحم إذا أذابه ، والشيء مهموم أي : مذاب ، فيكون تعوذه من المرض الذي ينحل جسمه ، (وضلع الدين ) : ثقله وغلظه ، يقال : رجل ضليع إذا كان بدينا قويا .

وقوله : (وكانت عروسا ) قال الخليل : (رجل ) عروس في رجال عرس ، وامرأة عروس في نساء عرائس قال : والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في تعريسهما أياما ، وأحسن ذلك أن يقال للرجل معرس ; لأنه قد أعرس أي : اتخذ عروسا ، وسيأتي طرف منه في المغازي .

التالي السابق


الخدمات العلمية