التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2744 2900 - حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد ، عن أبيه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا : " إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل " . [3984 ، 3185 - فتح: 6 \ 91]


ذكر فيه حديث سلمة بن الأكوع : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر من أسلم ينتضلون ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا ، وأنا مع بني فلان " . قال : فأمسك أحد الفريقين بأيديهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما لكم لا ترمون ؟ . قالوا : كيف نرمي وأنت معهم ؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ارموا فأنا معكم كلكم " .

وحديث أبي نعيم ، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد ، عن أبيه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا : "إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل " .

[ ص: 613 ] الشرح :

أما الآية : فالقوة المذكورة فيها هو الرمي ، كما أخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [الأنفال : 60] ألا إن القوة الرمي " ثلاثا . وقال ابن المنذر أيضا : إنه ثابت . والقوة : التقوي بإعداد ما يحتاج إليه من الدروع والسيوف وسائر آلات الحرب ، إلا أنه لما كان الرمي أنكاها في العدو ، وأنفعها على ما هو مشاهد ، فسرها به وخصها بالذكر وأكدها ثلاثا .

وفيه أيضا من هذا الوجه مرفوعا : "من علم الرمي ثم تركه فليس منا " ، وفي رواية الحاكم "فهي نعمة كفرها " . ثم قال : صحيح الإسناد . ولأبي داود : "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة ، صانعه يحتسب به ، والرامي به ، ومنبله ، فارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، ليس من اللهو إلا ثلاث : تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته أهله ، ورميه بقوسه ونبله ، ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها " أو قال : "كفرها " .

وللترمذي من طريق منقطعة : "ألا إن الله سيفتح عليكم الأرض ، وستكفون المؤنة ، فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بسهمه " .

[ ص: 614 ] وحديث سلمة : من أفراده ، وفي رواية للحاكم : فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما يضل بعضهم بعضا . وقال في أوله : "حسن هذا اللهو " مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : صحيح الإسناد . وروى ابن (مطير ) في كتاب "الرمي " بإسناده عن أبي العالية عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بنفر يرمون فقال : "رميا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا " .

وروى ابن حبان في "صحيحه " من حديث أبي هريرة خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم يرمون ، فقال : "ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا ، ارموا وأنا مع ابن الأدرع " . فأمسك القوم قسيهم قالوا : من كنت معه غلب . قال : "ارموا وأنا معكم كلكم " .

قلت : وابن الأدرع اسمه محجن كما أفاده ابن عبد البر ، وفي حديث سلمة هذا تقوية لما رواه ابن سعد من حديث ابن لهيعة ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، أخبرني بكر بن سوادة ، سمع علي بن رباح يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم " ، وذكره ابن هشام أيضا عن بعض أهل اليمن يعني

[ ص: 615 ] النسابين ، وفي كتاب الزبير : حدثني إبراهيم الجزامي ، حدثني عبد العزيز بن عمران ، عن معاوية بن صالح الحميري ، عن ثور ، عن مكحول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "العرب كلها بنو إسماعيل إلا أربع قبائل : السلف ، والأوزاع ، وحضرموت ، وثقيف " . ورواه صاعد في "فصوصه " من حديث عبد العزيز بن عمران ، عن معاوية أخبرني مكحول ، عن مالك بن يخامر وله صحبة ، فذكره .

قال ابن عبد البر : قالوا : قحطان بن تيمن بن هميسع بن نبت وهو ثابت بن إسماعيل ، وقيل : قحطان بن يمن بن هميسع بن ثابت ، وقيل : قحطان بن هميسع بن أصياف بن هميسع بن أصياف بن هميسع بن أصياف بن هود بن شروان بن الثيان بن العامل بن مهران بن يحيى بن يقظان بن (سادب ) وهو ثابت بن تيمن بن النبت بن إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - ، ومن جعل قحطان من ولد إسماعيل يشهد له قول المنذر بن حرام جد حسان بن ثابت حيث يقول :


ورثنا من البهلول عمرو بن عامر وحارثة الغطريف مجدا مؤثلا     مآثر من نبت بن نبت بن مالك
ونبت بن إسماعيل ما إن تحولا



وحديث أبي أسيد -بضم الهمزة - ذكره في المغازي عن عبد الله بن محمد الجعفي ، عن أبي أحمد الزبيري ، عن ابن الغسيل ، عن حمزة والزبير بن المنذر بن أبي أسيد ، عن أبيهما .

وخالف في ذلك أبو نعيم الحافظ فأدخل بين حمزة وابن الغسيل عباس بن سهل بن سعد من طريق أبي أحمد الزبيري ، عن

[ ص: 616 ] عبد الرحمن ، عن عباس ، عن حمزة ، عن أبيه ، ورواه الطبراني من طريق يحيى الحماني وأبي نعيم الدكيني ، عن ابن الغسيل ، عن عباس وحمزة بن أبي أسيد . وقال أبو نعيم مرة : عن المنذر بن أبي أسيد . ولم يقل : الزبير بن المنذر بن أبي أسيد . وكأنه أشبه لقوله : عن أبيهما .

فائدة :

قيل : سمي الغسيل لأن الملائكة غسلته . وعبد الرحمن قيل : عاش مائة وستين سنة حكاه ابن التين .

إذا تقرر ذلك ; فمعنى : (ينتضلون ) : بالضاد المعجمة يرتمون ، يقال : ناضلت الرجل : رميته .

والنضل الرمي مع الأصحاب ، وقال ابن فارس : نضل فلان فلانا في المراماة إذا غلبه ، وناضلت فلانا غلبته ، وانتضل القوم وتناضلوا إذا رموا للسبق .

ثم فيه فوائد : الأولى : قوله "ارموا بني إسماعيل " فيه دلالة على رجحان قول من قال من أهل النسب أن اليمن من ولد إسماعيل وأسلم من قحطان ، وقد سلف واضحا .

الثانية : قوله : "فإن أباكم " : فيه أن الجد وإن على يسمى أبا .

الثالثة : أن السلطان يأمر رجاله بتعلم الفروسية ويحض عليها .

الرابعة : أن الرجل يطلب الخلال المحمودة ويتبعها ويعمل (بمثلها ) ، قال :

[ ص: 617 ]

ألسنا وإن كرمت أوائلنا     يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا     تبني ونفعل مثل ما فعلوا



الخامسة : قوله : (حين صففنا لقريش ) . وفي بعض النسخ : أسففنا ، حكاه الخطابي ثم قال : فإن كان محفوظا فمعناه القرب منهم والتدلي عليهم ; كأن مكانهم الذي كانوا فيه أهبط من مصاف هؤلاء ، ومنه قولهم : أسف الطائر في طيرانه ، إذا انحط إلى أن يقارب إلى وجه الأرض ، ثم يطير صاعدا .

السادسة : (أكثبوكم ) . بثاء مثلثة ثم باء موحدة ، أي دنوا منكم وقاربوكم ، وفي "الغريبين " حذف الألف ، فلعلهما لغتان ، وقال ابن فارس : أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه ، وهو (من ) الكثب وهو القرب . وقال الداودي معنى أكثبوكم : كثروا وحملوا عليكم ، وذلك أن النبل إذا رمي في الجمع لم يخطئ ، ففيه ردع لهم . ونقل ابن بطال عن "الأفعال " أن العرب تقول : أكثبك الصيد قرب منك ، والكثب : القرب ، فمعنى أكثبوكم قربوا منكم .

السابعة : أن السلطان يعلم المجودين بأنه معهم ، أي : من حزبهم ، ومحب لهم كما فعل - صلى الله عليه وسلم - للمجودين في الرماية ، فقال : "وأنا مع بني فلان " . أي أنا محب لهم ولفعلهم ، كما قال : "المرء مع من أحب " .

الثامنة : أنه يجوز للرجل أن يبين عن تفاضل إخوانه وأهله وخاصته

[ ص: 618 ] في محبته ويعلمهم كلهم أنهم في حزبه ومودته كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "أنا معكم كلكم " بعد أن كان أفرد إحدى الطائفتين .

التاسعة : أن من صار السلطان عليه في جملة الحزب المناضلين له أن لا يتعرض لمناوأته كما فعل القوم حين أمسكوا ; لكونه - صلى الله عليه وسلم - مع مناضليهم خوف أن يرموا فيسبقوا فيكون - صلى الله عليه وسلم - مع من سبق ، فيكون ذلك جنفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمسكوا تأدبا ، فلما أعلمهم أنه معهم أيضا رموا ; لسقوط هذا المعنى .

العاشرة : أن السلطان يجب أن يعلم بنفسه أمور القتال اقتداء به .

فائدة :

في فضل الرمي والتحريض عليه غير ما سبق ، ولنذكر منها خمسة أحاديث :

أحدها : حديث أبي نجيح عمرو بن عبسة مرفوعا في فضل من رمى بسهم في سبيل الله ، أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح .

ثانيها : حديث كعب بن مرة : "من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة " . أخرجه النسائي ، ولابن حبان : "من رمى فبلغ العدو بسهم رفع الله به درجته " فقال عبد الرحمن بن النحام : يا رسول الله ، ما الدرجة ؟ قال : "أما إنها ليست بعتبة أمك ، ما بين الدرجتين مائة عام " .

[ ص: 619 ] ثالثها : حديث عقبة ، وقد سلف أول الباب ، ورويناه في "الخلعيات " من حديث الربيع بن صبيح عن الحسن -يعني : ابن أبي الحسناء ; فيما صوبه الخطيب - عن أنس "يدخل الله الجنة بالسهم ثلاثة : الرامي به ، وصانعه ، والمحتسب به " ، وفي لفظ : "من اتخذ قوسا عربية وجبيرها -يعني : كنانته - نفي عنه الفقر " وفي لفظ : "أربعين سنة " .

رابعها : حديث علي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يرمي بقوس فارسية فقال : "ارم بها " فنظر إلى قوس عربية فقال : "عليكم بهذه وأمثالها ، فإن بهذه يمكن الله لكم في البلاد ويزيدكم في النصر " أخرجه أبو داود من حديث أبي راشد الحبراني عنه ، وإنما نهى عن القوس الفارسية ; لأنها إذا انقطع وترها لم ينتفع بها صاحبها ، والعربية إذا انقطع وترها كان له عصا ينتفع بها ، حكاه البيهقي .

خامسها : حديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الطائف : "قاتلوا أهل الصنع فمن بلغ بسهم فإنه درجة في الجنة " . أخرجه الطبراني .

التالي السابق


الخدمات العلمية