التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2760 2917 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما ، فكلما هم المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره ، وكلما هم البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى تراقيه " . فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع " . [انظر : 1443 - مسلم: 1021 - فتح: 6 \ 99]


[ ص: 647 ] ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في قبته : "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك . . " إلى أن قال : وهو في الدرع . وقال وهيب : ثنا خالد : يوم بدر .

وحديث عائشة -رضي الله عنها - : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير . وقال يعلى : ثنا الأعمش وقال : رهنه درعا من حديد .

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما (جبتان ) من حديد . . " إلى آخره .

الشرح :

التعليق الأول سلف مسندا .

وقوله : وقال وهيب : ثنا خالد (يوم بدر . أسنده في التفسير فقال : حدثني محمد ، حدثنا عفان بن مسلم ، عن وهيب ، حدثنا خالد ) ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قبته يوم بدر . . الحديث .

ومن المعلوم أن ابن عباس لم يكن شهدها . وقد رواه مسلم من حديث سماك بن الوليد ، عن ابن عباس ، عن عمر بزيادة : فأنزل الله : إذ تستغيثون ربكم الآية [الأنفال : 8] .

[ ص: 648 ] ومحمد (هذا ) الذي أخرج عنه في التفسير لعله الذهلي . قال الجياني : كذا في روايتنا عن أبي محمد الأصيلي ، وكذا عند أبي ذر غير منسوب . وذكره أبو نصر ولم ينسبه قال : وسقط ذكره جملة من نسخة ابن السكن . قال أبو علي : ولعله الذهلي .

وقال ابن طاهر في ترجمة عفان : روى عنه البخاري ، وروى عن عبد الله بن سعيد ، ومحمد بن عبد الرحيم ، وإسحاق غير منسوب ، ومحمد غير منسوب عنه . وروى مسلم عن الصغاني محمد بن إسحاق ، ومحمد بن حاتم ، ومحمد بن مثنى عنه .

وقول البخاري في تفسير سورة القمر : حدثنا إسحاق ، ثنا خالد ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال وهو في قبة له يوم بدر . يريد بإسحاق هذا ابن شاهين ، كما صرح به غير واحد ، وإن كان إسحاق الأزرق روى أيضا عن خالد الطحان ، لكن البخاري ما روى عنه في "صحيحه " .

وحديث عائشة سلف قريبا في الرهن ، وفي البيع أيضا .

وحديث أبي هريرة سلف في الزكاة .

إذا تقرر ذلك ; فالكلام من وجوه :

أحدها : في قوله : ("احتبس أدراعه " ) دلالة على تحبيس السلاح ، واختلف قول مالك في تحبيس ما عدا العقار على روايتين ، ومن أصحابه

[ ص: 649 ] من جعل الخيل كالعقار .

ثانيها : قول أبي بكر : (حسبك يا رسول الله ) . أي : يكفيك . قال القزاز : ومنه يقال : حسب -ساكن الباء - وإنما المعنى يكفيك كما قلت .

ومعنى (ألححت ) : داومت الدعاء ، يقال : ألح السحاب بالمطر : دام .

ثالثها : قد يشكل هذا الحديث على كثير من الناس ، وذلك إذا رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يناشد ربه من إنجاز الوعد ، ويلح في الدعاء والصديق يسكنه ويقول : (حسبك فقد ألححت ) . فهذا يوهم أن حاله في الثقة بربه والطمأنينة إلى ربه أرفع من حال الشارع ، وهذا غير جائز أن يكون ، كما نبه عليه ابن التين ، والمعنى في مناشدته وإلحاحه في الدعاء الشفقة على قلوب أصحابه ، وتقوية قلوبهم إذ كان ذلك أول مشهد شهدوه في لقاء العدو ، وكان في صحابته قلة وعدوهم أضعاف من عدتهم ، فابتهل في الدعاء وألح لتسكين نفوسهم إذ كانوا يعلمون أن وسيلته مقبولة فقال له أبو بكر : (كف عن المسألة ) . إذ علم أنه استجيب له مما وجده أبو بكر في نفسه من المنة والقوة حتى قال له هذا القول ، ويدل على صحة ذلك تلاوته سيهزم الجمع الآية [القمر : 45] .

رابعها : قوله في حديث البخيل والمتصدق : ("إلى تراقيهما " ) ; لأنه عند الصدر ، وهو مسلك القلب ، وهو يأمر المرء وينهاه .

خامسها : فيه ما ترجم له ، وهو اتخاذ الدرع والقتال به .

[ ص: 650 ] وفيه : دلالة على أن نفوس البشر لا يرتفع الخوف عنها والإشفاق جملة واحدة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد كان وعده الله بالنصر ، وهو الوعد الذي نشده ; ولذلك قال تعالى عن موسى - عليه السلام - حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم ، فأخبر عنه تعالى بعد أن أعلمه أنه ناصره ، وأنه معهما يسمع ويرى : فأوجس في نفسه خيفة موسى [طه : 67] وإنما هي طوارق من الشيطان يخوف بها النفوس ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

وقوله : ("اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك " ) أي : اللهم إني أسألك إنجاز وعدك وإتمامه بإظهار دينك وإعلاء كلمة الإسلام الذي قضيت بظهوره على جميع الأديان وشئت أن يعبدك أهله ولم تشأ ألا تعبد ، فتمم ما شئت كونه ، فإن الأمور كلها بيدك .

وقوله : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر [القمر : 45] فيه : تأنيس من استبطأ ما وعده الله (به ) من النصر بالبشرى لهم بهزم حزب الشيطان ، وتذكيرهم مما يثبتهم به من كتابه تعالى .

وفيه : فضل الصديق ويقينه بصدق ما وعد الله به نبيه ، ولذلك سمي صديقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية