التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2781 2939 - حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى خرقه، فحسبت أن سعيد بن المسيب قال: فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق. [انظر: 64 - فتح: 6 \ 108]


ذكر فيه حديث أنس : لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا أن يكون مختوما. فاتخذ خاتما من فضة، كأني أنظر إلى بياضه في يده، ونقش فيه محمد رسول الله .

وحديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى خرقه . فحسبت أن سعيد بن المسيب قال: فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق.

[ ص: 32 ] الشرح:

(كسرى) - بكسر الكاف، وفتحها - ابن هرمز ملك فارس .

وحامل الكتاب: عبد الله بن حذافة السهمي، وعظيم البحرين كان من تحت كسرى، ولما دعا عليهم - صلى الله عليه وسلم - بذلك مات منهم أربعة عشر ملكا في سنة، حتى ولي أمرهم امرأة، فقال - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".

والتمزيق: التفريق. يقال: مزقت الثوب وغيره أمزقه تمزيقا إذا قطعته خرقا، ومنه يقال: تمزق القوم. إذا تفرقوا.

وكان اتخاذ الخاتم سنة ست، وما ذكره في نقشه هو المعروف الثابت، وقيل: كان نقشه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكان النقش في الفص، وكان الفص حبشيا. وقيل: كان عقيقا.

ومن شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم، ولم يذكر هنا فيه نص ما دعا به إلى قيصر، وقد أسلف أنه كتب فيه يدعوه بدعاية الإسلام: "أسلم تسلم" فهذا الذي يقاتلون عليه، والدعوة لازمة إذا لم تبلغهم، وإذا بلغتهم فلا يلزم، فإن شاء يكرر ذلك عليهم، وإن شاء أن يطلب غرتهم فعل، وإنما كانوا لا يقرءون كتابا إلا مختوما؛ لأنهم كانوا يكرهون أن يقرأ الكتاب لهم غيرهم، وأن يكون مباحا لسواهم فكانوا يأنفون من إهماله، وقد قيل في تأويل قوله: كتاب كريم [النمل: 29]، أنه مختوم، فأخذ بأرفع الأحوال التي بلغته عنهم، واتخذ خاتما ونقش فيه ما سلف وعهد ألا ينقش أحد مثله، فصارت خواتم الأئمة [ ص: 33 ] والحكام سنة لا يعاب عليهم فيها ولا يتسور في اصطناع مثلها، قاله ابن بطال .

وتخريق الكتاب من باب التهاون بأمر النبوة والاستهزاء بها، فلذلك دعا عليهم بالتمزيق فأجيبت كما سلف، والاستهزاء من الكبائر العظيمة إذا كان في الدين وهو من باب الكفر، ويقتل المستهزئ بالدين؛ لأن الله تعالى أخبر أنه كفر حيث قال: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون الآية. [التوبة: 65].

قلت: إلا أن يعود إلى الإسلام فإنه يجب ما قبله.

التالي السابق


الخدمات العلمية