التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2828 [ ص: 123 ] 129 - باب: السفر بالمصاحف إلى أرض العدو

وكذلك يروى عن محمد بن بشر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وتابعه ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقد سافر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن.

2990 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. [ مسلم: 1869 - فتح: 6 \ 133].


حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا كذلك وبزيادة: "لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدو". وقال أيوب : فقد ناله العدو وخاصمكم به، وفي ثالث: "فإني أخاف" وفي رابع: "مخافة أن يناله العدو".

وقال مالك فيما نقله أبو عمر، وهو كذلك في "الموطأ": أرى ذلك مخافة أن يناله العدو. وكذلك قال يحيى - الأندلسي - والقعنبي وابن بكير وأكثر الرواة؛ ورواه ابن وهب، عن مالك فقال في آخره: "خشية أن يناله العدو". في سياقه الحديث، لم يجعلوه من قول مالك؛ وكذلك قال عبيد الله بن عمر وأيوب، عن نافع، عن ابن عمر

[ ص: 124 ] - رضي الله عنهما - : نهى أن يسافر بالقرآن؛ ورواه الليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ويخاف أن يناله العدو. وقال إسماعيل بن أمية: وليث بن أبي سليم، عن نافع، عن ابن عمر (قال:) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو؛ فإني أخاف أن يناله العدو" وكذا قال شعبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر: وهو مرفوع صحيح. وزعم الإسماعيلي أن ابن مهدي وصله عن مالك ولم يفصله، ولما ذكره ابن الجوزي بلفظ: "فإني لا آمن أن يناله العدو".

(قلت:) ظاهره رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال الخطيب: قوله: (مخافة... إلى آخره) هو قول مالك، بين ذلك أبو مصعب وابن وهب وابن القاسم، والمسند النهي حسب، وقال الحميدي : عن البرقاني: لم يقل: كره إلا ابن بشر، ورواه جماعة عن عبيد الله، فاتفقوا على لفظ النهي. ثم اعلم أن في بعض نسخ البخاري : باب: كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو.

واعترض ابن بطال على الترجمة التي أوردناها أولا فقال: هذا الباب وقع فيه غلط من الناسخ، والصواب البداءة بالمسند، ثم بقوله: (وكذلك يروى) إلى آخره، وتابعه ابن إسحاق . قلت: وكذا فعله

[ ص: 125 ] أبو نعيم في "مستخرجه" وإنما أتى بالمتابعة لأجل زيادة: "مخافة أن يناله العدو" وجعله مرفوعا، (ولن يصح ذلك عند مالك ولا عند البخاري، وإنما هي من قول) مالك.

وقال المنذري: رواه بعضهم من حديث ابن مهدي والقعنبي عن مالك، فأدرج هذه الزيادة في الحديث، وقد اختلف على القعنبي فيها فمرة بين أنها قول مالك، ومرة أدرجها، ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك فلم يذكرها رأسا، وقد رفع هذه الكلمات أيوب والليث والضحاك بن عثمان الحزامي؛ عن نافع، عن ابن عمر، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون مالك شك في رفعها فتحرى، فجعلها من عنده تفسيرا وإلا فهي صحيحة مرفوعة من رواية غيره.

(فإن قلت): فقول البخاري : وقد سافر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم يعلمون القرآن. ليس مما نحن فيه؛ لأن المصحف يتقى أن تناله أيدي العدو ولا كذلك ما في الصدور، لا جرم قال الداودي : لا حجة فيما ذكره لهذا، وقد روي مفسرا: نهى أن يسافر بالمصحف. ورواه ابن مهدي، عن مالك، وعبد الله بن عمر، عن نافع، عن أبيه مرفوعا بمثله بزيادة: "إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو" والسفر اسم واقع على السفر وغيره.

قال الإسماعيلي : ما كان أغنى البخاري عن هذا الاستدلال، لم يقل أحد أن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في داره، وقال ابن

[ ص: 126 ] المنير:
الاستدلال بهذا على الترجمة ضعيف؛ لأنها واقعة عين، ولعلهم تعلموه تلقينا وهو الغالب حينئذ، فعلى هذا يقرأ: يعلمون بالتشديد، لكن رأيته في أصل الدمياطي بفتح الياء، وأجاب المهلب بأن فائدة ذلك أنه أراد أن يبين أن نهيه عن السفر به إليهم ليس على العموم ولا على كل الأحوال، وإنما هو على العساكر والسرايا التي ليست مأمونة، وأما إذا كان في العسكر العظيم، فيجوز حمله إلى أرضهم؛ ولأن الصحابة كان يعلمه بعضهم بعضا؛ لأنهم لم يكونوا مستظهرين له.

وقد يمكن أن يكون عند بعضهم صحف فيها قرآن يعلمون منها، فاستدل البخاري أنهم في تعلمهم كان فيهم من يتعلم بكتاب، فلما جاز لهم تعلمه في أرض العدو بغير كتاب وكتاب، كان فيه إباحة لحمله إلى أرض العدو إذا كان عسكرا مأمونا، وهذا قول أبي حنيفة .

ولم يفرق مالك بين العسكر الكبير و (العسكر) الصغير في ذلك، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقا والأول أصح. قال ابن سحنون : قلت لأبي: أجاز بعض العراقيين الغزو بالمصاحف في الجيش الكبير بخلاف السرية. قال سحنون : لا يجوز ذلك لعموم النهي. وقد يناله العدو في غفلة.

وقال الشيخ أبو القاسم الأندلسي: هو جائز في الكبيرة، وإنما منع في السرية ونحوها. ولا يسلم المصحف له إذا رغب في تدبره، ذكره

[ ص: 127 ] ابن الماجشون، وكذلك لا يجوز أن يعلم أحدا من ذراريهم القرآن؛ لأن ذلك سبب لتمكنهم منه، نعم قال أصحابنا بجوازه إذا رغب في إسلامه، ولا بأس أن يقرأ عليهم احتجاجا، ويكتب منه الآيات وعظا اقتداء بالشارع في كتبه إلى ملك الروم: قل يا أهل الكتاب تعالوا الآية. [آل عمران: 64] قال القاضي عياض: وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدراهم والدنانير؛ لأن فيها اسم الله - عز وجل - أو ذكره، وقد أسلفنا أن معنى النهي عن ذلك مخافة أن يناله العدو فلا يكرموه، وقد أخبر الله تعالى أنه: في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة [عبس: 13 - 16 ] وهم الملائكة - عليهم السلام - وقال: لا يمسه إلا المطهرون [الواقعة: 79] قيل: وهم الملائكة أيضا، ففهم من هذا أنه لا يمسه منا إلا طاهر، وأن النهي عن السفر به إليهم (ليس) على وجه التحريم، وإنما هو على معنى الندب للإكرام، قاله ابن بطال، وقد كتب الشارع إلى قيصر بآية إلى آخرها كما سلف، وهو يعلم أنهم مبعدون وأنهم يقرءونها.

التالي السابق


الخدمات العلمية