التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2841 3003 - حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: حملت على فرس في سبيل الله، فابتاعه - أو فأضاعه - الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تشتره وإن بدرهم، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه". [انظر: 1490 - مسلم: 1620 - فتح: 6 \ 139].


ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن والده في حمله على فرس في سبيل الله فوجده يباع، فقال له - عليه السلام - : "لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك".

وفي لفظ: "ولو بدرهم؛ فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" وقد سلف.

(وفيه: الحمل على الخيل في سبيل الله).

وفيه: أن من حمل على فرس في سبيل الله وغزا به فله أن يفعل فيه بعد ذلك ما يفعل في سائر ماله، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على بائعه بيعه، وإنما أنكر على عمر شراءه.

واختلف العلماء فيمن حمل على فرس في سبيل الله ولم يقل: هو حبس في سبيل الله، فروى مالك عن ابن عمر أنه كان إذا أعطى شيئا في [ ص: 147 ] سبيل الله يقول لصاحبه: إذا بلغت به وادي القرى فشأنك به. قال أحمد: إنما قاله؛ لأنه كان يذهب إلى أن المحمول عليه إنما يستحقه بعد الغزو، وكذلك قال سعيد بن المسيب: إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فبلغ به رأس مغزاه فهو له. وهو قول القاسم وسالم والثوري والليث، قال الليث : إلا أن يكون حبسا فلا يباع.

والعلماء متفقون في الحبس أنه لا يباع، غير الكوفيين الذين لا يجيزون الإحباس، وقال مالك: من أعطي فرسا في سبيل الله فقيل (له): إنه لك في سبيل الله. فله أن يبيعه، وإن قيل: هو في سبيل الله ركبه ورده، ويكون موقوفا عنده لحمل الغزاة عليه. وقال أبو حنيفة والشافعي : الفرس المحمول عليه في سبيل الله هو تمليك لمن يحمل عليه، وإن قيل له: إذا بلغت به رأس مغزاك فهو لك. كان تمليكا على مخاطرة ولم يجز، وهي عندهم عطية غير بتلة؛ لأنها بشرط قد يقع وقد لا يقع، لجواز موته قبل بلوغه رأس مغزاته، ولم يملك منه شيئا قبل ذلك، وأما إذا قال: هو لك في سبيل الله، أو أحملك عليه في سبيل الله. فقد أعطاه (إياه) على شرط الغزو به، وهذا معنى قول ابن عمر وابن المسيب عند الكوفيين والشافعي، وسواء ذلك كله عند مالك؛ لأنه إذا قال له: إذا بلغت به رأس مغزاك فهو

[ ص: 148 ] لك. فمعناه عنده أن لك أن تتصرف فيه حينئذ بما يتصرف المالك، وقد صح له ملكه عند أخذه بشرط الغزو عليه.

واختلفوا في كراهية شراء صدقة الفرض والتطوع إذا أخرجها من يده، فقال مالك في "الموطأ" في رجل تصدق بصدقة فوجدها تباع عند غير الذي تصدق بها عليه: تركها أحب إلي. وكره الليث والشافعي ذلك؛ فإن اشتراها لم يفسخ البيع، وكذلك قالوا في شراء ما يخرجه الإنسان في كفارة اليمين، وإنما كرهوا شراءها لهذا الحديث، ولم يفسخوا البيع؛ لأنها راجعة إليه بغير ذلك المعنى.

ويشهد لهذا حديث بريرة في اللحم الذي تصدق عليها به، وإجماعهم أن من تصدق بصدقة ثم ورثها أنها حلال له، وقد سلف ذلك واضحا في كتاب الزكاة، في باب: هل يشتري الرجل صدقته؟ وأعدناه لبعده.

التالي السابق


الخدمات العلمية