التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2845 [ ص: 160 ] 141 - باب: الجاسوس

وقول الله تعالى: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [الممتحنة: 1]

التجسس: التبحث.

3007 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار - سمعته منه مرتين - قال: أخبرني حسن بن محمد قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب، فخذوه منها". فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يا حاطب، ما هذا؟". قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد صدقكم". قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: "إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم". قال سفيان وأي إسناد هذا!


ذكر فيه حديث حسن بن محمد - وهو ابن الحنفية - قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليا فذكر حديث روضة خاخ بطوله، وفي آخره: "وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم". قال سفيان: وأي إسناد هذا!

[ ص: 161 ] وذكر البخاري في التفسير إثر حديث علي هذا: قال عمرو بن دينار: فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [الممتحنة: 1] الآية.

قال سفيان: فلا أدري أذاك في الحديث أم من عمرو بن دينار.

ونقل الواحدي عن جماعة المفسرين أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة؛ وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام بن عبد مناف أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة من مكة وهو يتجهز لفتح مكة فقال: "ما جاء بك؟ " فقالت: الحاجة. قال: "فأين أنت من شباب أهل مكة؟ " وكانت مغنية. قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر. فكساها وحملها، وأتاها حاطب، فكتب معها كتابا إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير، وكتب في الكتاب: إلى أهل مكة: إن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم. فنزل جبريل - عليه السلام - بخبرها، فبعث عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد، وكانوا كلهم فرسانا، وقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب إلى المشركين، فخذوه وخلوا سبيلها؛ فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها... " الحديث، وعند ابن أبي حاتم من حديث الحارث، عن علي: لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي مكة أسر إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة، منهم حاطب، وأفشى في الناس أنه يريد خيبر.

إذا عرفت هذا؛ فالكلام على الحديث من وجوه:

أحدها:

في كتاب الحميدي ذكر البرقاني نحو هذا الحديث، رواه سماك،

[ ص: 162 ] عن ابن عباس قال: قال عمر: كتب حاطب إلى (أهل) مكة... الحديث، وزعم أنه في مسلم . قال الحميدي : وليس له عند أبي مسعود ولا خلف ذكر.

ثانيها:

هذه الظعينة اسمها سارة كما سلف، مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم، والدرقفة أم مخرمة بن نوفل، وقيل: أم سارة. وقيل: كنود مولاة لقريش، وقيل: لعمران بن أبي صيفي، وقيل: كانت من مزينة من أهل العرج، وكان حاطب كتب إلى ثلاثة: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل. قال الحاكم في "إكليله": وكانت مغنية بواحة، تغني بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر بها يوم الفتح فقتلت. وأما أبو نعيم وابن منده فذكراها في الصحابيات، ووقع في "أحكام القرآن" للقاضي إسماعيل في قصة حاطب: قال للذين أرسلهم لها: "إن بها امرأة من المسلمين معها كتاب إلى المشركين" وإنهم لما أرادوا أن يخلعوا ثيابها قالت: أولستم مسلمين؟ ويشكل عليه ما أسلفناه عن الحاكم فإنها ممن استثنيت يوم الفتح بالقتل، وعبارة أبي عبيد البكري: "فإن بها امرأة من المشركين" بدل "المسلمين" وفي "أسباب الواحدي": لما قدمت المدينة قال لها - صلى الله عليه وسلم - : "مسلمة جئت؟ " قالت: لا. قال: "فما جاء بك؟ " قالت: احتجت. قال: "فأين أنت من شباب قريش؟ " الحديث.

ثالثها:

في الكتاب - كما قال السهيلي - : أما بعد. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد

[ ص: 163 ] توجه إليكم في جيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم، وأنجز له موعده فيكم؛ فإن الله وليه وناصره.
وفي "تفسير ابن سلام" كان فيه: أن محمدا قد نفر إما لكم وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر. وقيل: كان فيه: إنه - صلى الله عليه وسلم - أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، فقد أحببت أن تكون لي عندكم يد بكتابي إليكم. قال القرطبي : ويحكى أنه كان في الكتاب يفخم جيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهم لا طاقة لهم به.

رابعها:

خاخ: بخاءين معجمتين. قال السهيلي : وكان هشيم يصحفها فيقول: حاج: بحاء وجيم. وذكر البخاري أن أبا عوانة كان يقولها كما يقوله هشيم.

خامسها:

الظعينة: المرأة في الهودج، ولا يقال لها ظعينة إلا وهي كذلك. قال الداودي : سميت بذلك لأنها تركب الظعائن التي تظعن براكبها. وقال ابن فارس : الظعينة: المرأة وهو من باب الاستعارة، وأما الظعائن فالهوادج، كان فيها نساء أو لم يكن. وقال الخطابي : إنما قال لها ظعينة؛ لأنها تظعن مع زوجها إذا ظعن.

سادسها:

قوله: (أو لنلقين الثياب). قال ابن التين : صوابه في العربية: لنلقن الثياب. بحذف الياء؛ لأن النون المشددة تجتمع مع الياء الساكنة فتحذف

[ ص: 164 ] الياء لالتقاء الساكنين.

وفيه: جواز تجريد العورة عن السترة عند الحاجة.

سابعها:

العقاص - بعين مكسورة - : الشعر المعقوص. أي: المظفور، جمع عقيصة وعقصة، والعقص: لي خصلات الشعر بعضه على بعض. وعند المنذري: هو لي الشعر على الرأس ويدخل أطرافه في أصوله، قال: ويقال: هي التي تتخذ من شعرها مثل الرمانة. قال: وقيل: العقاص هو: الخيط الذي (يجتمع) فيه أطراف الذوائب، وبه جزم ابن التين حيث قال: والعقاص: الخيط الذي تعقص به أطراف الذوائب، وعقص الشعر ظفره، قال: وفي رواية أخرى: أخرجت من حجزتها، وكذا قال ابن بطال : العقاص: السير الذي تجمع به شعرها على رأسها، والعقص: الظفر، والظفر: هو الفتل.

ثامنها:

قوله: (إني كنت ملصقا في قريش) يعني: كنت مضافا إليهم ولست منهم، وأصل ذلك من تضاف الشيء بغيره ليس منه، ولذلك قيل للدعي في القوم ملصق، قاله الطبري .

وقوله: (وكان من معك) كذا في الرواية. قال القرطبي : هكذا الرواية "الصحيحة" وعند مسلم (من معك) بزيادة (من) والصواب: إسقاطها؛ لأن (من) لا تزاد في الواجب عند البصريين، وأجازه بعض الكوفيين.

[ ص: 165 ] تاسعها:

إنما أطلق عمر على حاطب اسم النفاق؛ لأنه والى كفار قريش وباطنهم، وإنما فعل حاطب ذلك متأولا في غير ضرر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدق الله نيته فنجاه من ذلك، وذكر الجاحظ في "عمده" فقال (عمر): دعني يا رسول الله اضرب عنقه - يعني: حاطبا - فقد كفر.

قال الباقلاني: في نقضه هذا الكتاب، هذه اللفظة ليست معروفة.

قلت: ويحتمل أن يكون المراد بها كفر النعمة أو أنه تأول قوله: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله أو يكون الراوي روى بالمعنى، فإنه لما سمع قول عمر نافق عبر عنه؛ لأنه كفر عند جماعة، وقال ابن التين : يحتمل أن يكون قول عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق قبل قوله - عليه السلام - : "قد صدقكم" أو يريد أنه وإن صدق فلا عذر له، وقد أثبت الله لحاطب الإيمان في قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي الآية...، وكانت أمه بمكة فأراد أن يحفظوه فيها.

العاشر:

قوله: ("وما يدريك؟ ") أي: يعلمك، ولعله للترجي، وهو هنا يتحقق بدليل ما ذكر في آل عمران والأنفال.

الحادي عشر:

قوله: ("اعملوا ما شئتم") ظاهره الاستقبال، وقال ابن الجوزي : ليس هو على الاستقبال، وإنما هو للماضي، تقديره: اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر، ويدل على هذا شيئان:

[ ص: 166 ] أحدهما: أنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر.

والثاني: أنه كأن يكون إطلاقا في الذنوب، ولا وجه لذلك، ويوضحه أن القوم خافوا من العقوبة فيما بعد؛ فلهذا كان عمر يقول: يا حذيفة أنا منهم؟ قال القرطبي : وهذا التأويل وإن كان حسنا فإن فيه بعدا؛ لأن اعملوا: صيغة أمر، وهي موضوعة للاستقبال، ولم تضع العرب قط صيغة الأمر موضع الماضي لا بقرينة ولا بغير قرينة، كذا نص عليه النحويون، وصيغة الأمر إذا وردت بمعنى الإباحة إنما هي بمعنى الإنشاء والابتداء لا بمعنى الماضي، قال: واستدلاله عليه بقوله: "قد غفرت لكم" ليس بصحيح "لأن اعملوا ما شئتم" يحمل على صلب الفعل ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي فيتعين حمله على الإباحة والإطلاق، وحينئذ يكون خطاب إنشاء، فيكون كقول القائل: أنت وكيلي وقد جعلت لك التصرف حيث شئت، وإنما يقتضي إطلاق التصرف من وقت التوكيل لا قبل ذلك.

قال: وقد ظهر لي وجه؛ وهو أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف يضمن أن هؤلاء القوم حصلت لهم حالة غفرت لهم بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ذنوب مستأنفة إن وقعت منهم لا أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة، بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع، ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء، إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت له أهليتها، وكذلك القضاء وغيره، وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع منه من الذنوب، ثم إن الله أظهر صدق رسوله للعيان في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك؛ فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن توفوا، ومن وقع منهم

[ ص: 167 ] في أمر ما أو مخالفة لجأ إلى التوبة ولازمها حتى لقي الله عليها؛ يعلم ذلك قطعا من حالهم من طالع سيرهم وأخبارهم.

وذكر القاضي عياض الإجماع على أن من ثبت عليه حد أنه يقام عليه، وقد ضرب الشارع مسطحا الحد.

الثاني عشر: في فوائده الجمة:

وسيأتي بعضها في باب المتأولين في آخر كتاب الديات، وفي كتاب الاستئذان في باب: من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره. ونذكر هنا منها جملة، فنقول:

فيه: هتك ستر الجاسوس رجلا كان أو امرأة إذا كان في ذلك مصلحة، أو كان في الستر مفسدة.

وفيه: - كما قال ابن الجوزي - أن حكم المتأول في استباحة المحظور خلاف حكم المتعمد؛ لاستحالته من غير تأويل وأن من أتى محظورا أو ادعى فيه ما يحتمل التأويل قبل وإن كان غالب الظن خلافه.

وفيه: - كما قال القرطبي - : أن ارتكاب الكبيرة لا يكون كفرا.

وفيه: - كما قال الداودي - : أن الجاسوس يقتل وإنما نفى القتل عن حاطب مما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، لكن مذهب الشافعي وطائفة: أن الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله، وإن كان ذا هيئة عفي عنه لهذا الحديث: "فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بكفر بعد إيمان، أو زنا [ ص: 168 ] بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق" وعن أبي حنيفة والأوزاعي : يوجع عقوبة ويطال حبسه.

وقال بعض المالكية - وهو ابن وهب - : يقتل إلا أن يتوب. وعن بعضهم أنه يقتل إذا كانت عادته ذلك وإن تاب، وهو قول ابن الماجشون.

وقال ابن القاسم في "العتبية": يضرب عنقه؛ لأنه لا تعرف توبته وهو قول سحنون، ومن قال بقتله فقد خالف الحديث وأقوال المتقدمين، فلا وجه لقوله كما قال ابن بطال، وعن مالك: يجتهد فيه الإمام.

قال الأوزاعي : فإن كان كافرا يكون ناقضا للعهد، وإن كان مسلما أوجع عقوبة، وقال أصبغ: الجاسوس الحربي يقتل، والمسلم والذمي يعاقبان، إلا أن يظاهرا على الإسلام فيقتلان.

وفيه: - كما قال الطبري - : أن الإمام إذا ظهر من رجل من أهل الستر على أنه قد كاتب عدوا من المشركين ينذرهم ببعض ما أسره المسلمون فيهم من غرم، ولم يكن الكاتب معروفا بالسفه والغش (للإسلام) وأهله وكان ذلك من فعله هفوة وزلة من غير أن يكون لها أخوات فجائز العفو عنه، كما فعل رسول الله بحاطب من عفوه

[ ص: 169 ] عن جرمه بعد ما اطلع عليه من فعله، وهذا نظير الخبر الذي روته عمرة، عن عائشة - رضي الله عنها - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا حدا من حدود الله".

فإن ظن ظان أن صفحه إنما كان لما أعلمه الله من صدقهم، ولا يجوز لمن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعلم ذلك فقد ظن خطأ؛ لأن أحكام الله في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم، وقد أخبر الله سبحانه نبيه عن المنافقين الذين كانوا بين ظهراني أصحابه مقيمين معتقدين الكفر، وعرفه (إياهم) بأعيانهم ثم لم يبح له قتلهم وسبيهم؛ إذ كانوا يظهرون الإسلام بألسنتهم، فكذلك الحكم في كل أحد من خلق الله أن يؤخذ مما ظهر لا مما يظن، وقد روي مثل ذلك عن الأئمة، وروى الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي منصور قال: بلغ عمر بن الخطاب أن عامله على البحرين أتى برجل قامت عليه بينة أنه كان عدوا للمسلمين بعورتهم، وكان اسمه ضرياس، فضرب عنقه وهو يقول: يا عمراه، يا عمراه. فكتب عمر إلى عامله يقدم عليه، فجلس له عمر وبيده حربة، فلما دخل عليه (علا بجبينه) بالحربة وجعل يقول: أضرياس لبيك، أضرياس لبيك. فقال له عامله: يا أمير المؤمنين، إنه كاتبهم بعورة المسلمين وهم أن يلحق بهم. فقال له عمر: وقتله على هذه؟ وأينا لم يهم لولا أن تكون سنة (لقتلتك).

وقول البخاري : (التجسس: التبحث) قد سلف الكلام عليه أول الكتاب.

[ ص: 170 ] وفيه: - كما قال الطبري - أيضا: البيان عن بعض أعلام النبوة، وذلك إعلام الله نبيه بخبر المرأة الحاملة كتاب حاطب إلى قريش، ومكانها الذي هي به، وحالها الذي يضاف عليها من السير، وكل ذلك لا يعلم إلا بوحي.

وفيه: - كما قال المهلب - : هتك ستر المريب، وقد سلف، وكشف المرأة العاصية، وأن الجاسوس قد يكون مؤمنا وليس تجسسه مما يخرجه من الإيمان" وأنه لا يتشور في قتل أحد دون رأي الإمام، وإشارة الوزير بالرأي على السلطان وإن لم يستشره، والإشداد عند السلطان على أهل المعاصي، والاستئذان في قتلهم، وجواز العفو عن الخائن لله ورسوله بتجسس أو غيره، ومراعاة فضيلة سلفت ويشهد شاهده الجاسوس وغيره من المدنيين، والتشفع بذلك.

وأهل بدر: قال مالك: كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر. وزاد الأوزاعي اثنين على ذلك، وقيل: بزيادة اثنين آخرين أيضا، قيل: منهم ثلاثة وسبعون من المهاجرين. وقيل: مئة. ولم يحضره إلا قرشي أو أنصاري أو حليفهما أو مولاهما، ذكره ابن التين .

وفيه أيضا: الحجة بترك إنفاذ الوعيد من الله لمن شاء ذلك له؛ لقوله: "لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".

وفيه: - جواز غفران ما تأخر وقوعه من الذنوب قبل وقوعه، كذا في [ ص: 171 ] كتاب ابن بطال، وقد سلف ما فيه.

وقد أسلفنا الخلاف في المستأمن وقول أصبغ والأوزاعي في الكافر، وقال الثوري والكوفيون والشافعي في الحربي المستأمن والذمي يتجسس ويدل على العورات: لا يكون ذلك نقضا للعهد منهما، ويوجعه الإمام ضربا ويطيل حبسه.

وقال الأوزاعي فيما أسلفناه: قد نقض العهد وخرج عن الذمة، فإن شاء الإمام قتله أو صلبه، وهو قول سحنون، وقال مالك في أهل الذمة: إذا تلصصوا أو قطعوا الطريق لم يكن ذلك نقضا للعهد حتى يمنعوا الجزية، ويمتنعوا من أهل الإسلام، فهؤلاء فيء إذا كان الإمام عادلا، وعند مالك: إذا استكره الذمي المسلمة فزنا بها فهو نقض للعهد وإن طاوعته لم يخرج من العهد. وعند الشافعي : لا تنتقض الذمة بشيء من ذلك إلا عند الشرط، إلا الامتناع من أداء الجزية أو الامتناع من الحكم، فإذا فعلوا ذلك نبذ إليهم، وعندنا في الهدنة الانتقاض خلاف الإطلاق السالف. وقال الطحاوي : لم يختلفوا أن المسلم إذا فعل ذلك لم يبح دمه، فكذلك المستأمن والذمي قياسا عليه. ولم يراع الطحاوي اختلاف أصحاب مالك في ذلك إذ لم يقل بقولهم مالك ولا غيره من المتقدمين مع خلافهم للحديث.

التالي السابق


الخدمات العلمية