التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2852 [ ص: 185 ] 148 - باب: قتل النساء في الحرب

3015 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لأبي أسامة: حدثكم عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان. [انظر: 3014 - مسلم:

1744 - فتح: 6 \ 148].


حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لأبي أسامة: حدثكم عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان؟

ثم ساقه وقال مكان (فأنكر): (نهى). وأخرجه مسلم أيضا، وقد عرفت فقهه في الباب قبله.

قال ابن بطال : ولا يجوز عند جميع العلماء قصد قتل نساء (الحرب) ولا أطفالهم؛ لأنهم ليسوا ممن يقاتلون في الأغلب، وقال تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم [البقرة: 190] وبذلك حكم الشارع في مغازيه أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية؛ لأنهم مال للمسلمين إذا سبوا.

قلت: قد حكى الحازمي عن قوم جواز قتلهم مطلقا لكنه مصادم للنص.

واتفق الجمهور على جواز قتل النساء والصبيان إذا قاتلوا، وهو

[ ص: 186 ] قول الأربعة والليث والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور، وقال الحسن البصري : إن قاتلت المرأة وخرجت معهم إلى ديار المسلمين قتلت، وقد قتل الشارع يوم قريظة والخندق أم قرفة، وقتل يوم الفتح قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فرع:

اتفق مالك والكوفيون والأوزاعي والليث أنه لا تقتل الشيوخ ولا الرهبان، وأجاز قتلهم الشافعي في أحد قوليه، واحتج بأن الشارع أمر بقتل دريد بن الصمة يوم حنين، وقام الإجماع على أن من قاتل من الشيوخ قتل، نعم في حديث بريدة مرفوعا: "لا تقتلوا شيخا كبيرا"، وحديث المرقع بن صيفي في المرأة المقتولة: "ما كانت هذه تقاتل"، وهو قال على أن من أبيح قتله هو الذي يقاتل، ويجمع بينهما بأن النهي من الشارع في قتل الشيوخ هم الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب من قتال ولا رأي.

[ ص: 187 ] وحديث دريد في الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب كما كان لدريد، فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا مقاتلين؛ لأن تلك المعونة أشد من كثير من القتال، وهذا قول محمد بن الحسن، وهو قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف.

تنبيهات:

أحدها: محل قتلهن إذا قاتلن هو ما إذا كان بالسيف والرمح ونحوهما، فإن قاتلن بالرمي بالحجارة فقال ابن حبيب: لا يقتلن إلا إذا قتلن وإن أسرن، إلا أن يرى الإمام إبقاءها، ومثلها الصبي. وقال سحنون : من رمت منهن بالحجر رميت به وإن قتلت به، لقوله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل [الشورى: 41] وإذا وجب قتلهن وقدر عليهن بعد أسرهن فقال ابن القاسم : يقتلن بالأسر كما لو قتل أحدا من المسلمين. وقال غيره: لا؛ لأنهن ممن يقر على غير جزية؛ فلم يجز قتلهن بالأسر كما لو لم يقاتلن، فإن حاربت المرأة، فقال سحنون : لا تقتل. وقال الأوزاعي : تقتل.

ثانيها: ثبت في مسلم من حديث بريدة: "اغزوا ولا تقتلوا وليدا" وفي الترمذي من حديث سمرة مرفوعا: "اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم" ثم قال: حسن صحيح غريب، وفي النسائي عن ابن عباس : إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلهم فلا تقتلوهم يقوله لنجدة الحروري

[ ص: 188 ] وقد عرفت وجه ذلك، وتمسك أبو حنيفة بعموم هذه الأحاديث في قتل المرتدة.

ثالثها: إذا تترس الكفار بصبيانهم أو نسائهم ولا يستطيع المسلمون رميهم إلا بإصابة أولئك. فقال مالك: يحرم رميهم، وكذا إذا تحصنوا بحصن أو سفينة فحرام خرق السفينة، ورمي الحصن إذا خيف تلفهما، وقال الشافعي وأبو حنيفة : يجوز؛ فالنهي عند القصد، أما إذا قصد غيرهم ولا يمكن إلا بتلفهما فلا بأس بذلك.

رابعها: قوله في الباب الماضي: (سئل عن أهل الدار). هذا هو الموجود في سائر نسخ البخاري : (الدار). وهو رواية الجمهور في مسلم، وصوبه القاضي قال: وأما الذراري بتشديد الياء على التصحيح، وقد تخفف فليست بشيء، وهي تصحيف وما بعده يبين الغلط، وجعل النووي أيضا لها وجها.

خامسها: معنى البيات في الباب الماضي أن يغار عليهم ليلا فلا يعرف رجل من امرأة. قال الحازمي: ورأى بعضهم حديث الصعب منسوخا؛ ومنهم ابن عيينة والزهري بحديث الأسود بن سريع: "ألا لا تقتلن ذرية". وبحديث كعب بن مالك: نهى عن قتل النساء والولدان، إذ بعث إلى ابن أبي الحقيق. قال الشافعي :

[ ص: 189 ] وحديث الصعب كان في عمرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن كان في الأولى فقتل ابن أبي الحقيق قبلها أو في سنتها، وإن كان في عمرته الأخيرة فهي بعد ابن أبي الحقيق بلا شك. قال: ولم نعلمه رخص في قتل النساء والصبيان ثم نهى عنه.

قلت: حديث الصعب كان في عمرة القضية، جاء ذلك مصرحا به في عدة أحاديث وجمع بعضهم مما رواه رباح بن الربيع أخي حنظلة الكاتب: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة مقتولة في غزوة فقال: "ما كانت هذه تقاتل" ثم قال لرجل: "الحق خالدا فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا" أخرجه أبو داود، (ورواه) النسائي أيضا من حديث أخيه حنظلة بمثله، وهو واضح في تأخره عن حديث الصعب؛ لأن خالدا كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاتلا سنة ثمان، وروى ابن المنذر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال: "من قتل هذه؟ " قال رجل: أنا. قال: "ولم؟ " قال: نازعتني قائم سيفي. قال: فسكت. وفي أبي داود: قتل - صلى الله عليه وسلم - امرأة من بني قريظة لحدث أحدثته من جملة من قتل من رجالهم، وذكر ابن إسحاق أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قتلها بطرحها رحى على خلاد بن سويد.

سادسها: حديث: "لا حمى إلا لله ورسوله" سلف شرحه في موضعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية