التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2869 [ ص: 232 ] 159 - باب: الفتك بأهل الحرب

3032 - حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لكعب بن الأشرف؟ ". فقال محمد بن مسلمة: أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم". قال: فأذن لي فأقول. قال: "قد فعلت". [انظر: 2510 - مسلم: 180 - فتح: 6 \ 160]


ذكر فيه حديث جابر - رضي الله عنه - أيضا - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله؟ ". فقال محمد بن مسلمة: أنا، أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم". قال: فأذن لي فأقول. قال: "فعلت"

(الفتك) - بفتح الفاء - : الغدر، وهو القتل أيضا، يقال: فتك به إذا اغتاله، وظاهر الترجمة أن ذلك سائغ أن يغدر بأهل الحرب، ومذهب مالك أنهم إن ائتمنوه على شيء فليؤد أمانته، وكذلك إن ائتمنوه على أن لا يهرب. وقال سفيان: لا يؤدي الأمانة فيه. قال في "النوادر": ولو أظهر المسلمون أنهم رسل للخليفة عندما أتوا حصنا للعدو وأظهروا كتابا كذبا وقالوا: نحن تجار فأدخلوهم على شيء من ذلك فليوفوا مما أظهروا.

قلت: فإن كعب بن الأشرف وسفيان بن عبد الله قتلا غيلة بأمره - صلى الله عليه وسلم - وأظهر إليهما من جاءهما غير ما جاءا فيه، ولم يكن ذلك أمانا لهما، قال: هذان قتلا بأمره - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأذاهما الله ورسوله فلا أمان لهما.

[ ص: 233 ] ثم الفتك على وجهين: محرم وجائز:

فالأول: الذي يحرم به الدم أن يصرح بلفظ يفهم منه التأمين، فإذا أمنه فقد حرم بذلك دمه والغدر، وعلى هذا جماعة العلماء.

والثاني: أن يخادعه بألفاظ هي معاريض غير تصريح بالتأمين؛ فالحرب خدعة.

واختلف في تأويل قتل كعب بن الأشرف على وجوه:

أحدها: أنه من المباح؛ لأن ابن مسلمة لم يصرح له بشيء من لفظ التأمين وإنما أتاه بمعاريض من القول، فيجوز هذا أن يسمى فتكا على المجاز.

ثانيها: أنه قتله هو من باب أن من آذى الله ورسوله فقد حل دمه ولا أمان له يعتصم به، فقتله جائز على كل حال؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قتله بوحي من الله وأذن له في قتله، فصار ذلك أصلا في جواز قتل من كان لله ولرسوله حربا، ألا ترى لو أن رجلا أدخل مشركا في داره وأمنه فسب عنده الشارع، حل لذلك الذي أمنه قتله ونحوه، هذا ما حكاه ابن حبيب: سمعت المدنيين من أصحاب مالك يقولون: إنما تجب الدعوة لكل من لم يبلغه الإسلام ولا يعلم ما يقاتل عليه، فأما من قد بلغه الإسلام وعلم ما يدعى إليه ومن حارب وحورب مثل الروم والإفرنج، فالدعوة فيما بيننا وبينهم مطرحة، ولا بأس بتثبيت مثل ذلك بالإغارة وتصبحهم وانتهاز الفرصة فيهم بلا دعوة، وقد بعث الشارع عبد الله بن أنيس الجهني إلى عبد الله بن نبيح الهذلي فاغتاله بالقتل وهو بعرنة من جبال عرفة، وبعث نفرا من الأنصار إلى ابن

[ ص: 234 ] أبي الحقيق
وإلى كعب بن الأشرف، فهجموا عليهما بالقتل في بيوتهما بخيبر، فلا يجوز كما قال ابن بطال أن يقال: إن ابن الأشرف قتل غدرا؛ لأنه لم يكن معاهدا ولا كان من أهل الذمة، ومن ادعى ذلك كفر (كما قال ابن بطال . قال: و) يقتل بغير استتابة؛ لأنه ينتقص الشارع، ورماه بكبيرة وهو الغدر، وقد نزهه الله تعالى عن كل دنية، وطهره من كل ريبة، ألا ترى قول هرقل لأبي سفيان؛ وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون. وإنما قال هذا هرقل؛ لأنه وجد في الإنجيل صفته وصفة جميع الأنبياء - عليهم السلام - أنه لا يجوز عليهم النقص؛ لأنهم صفوة الله وهم معصومون من الكبائر، والغدر كبيرة.

وسلف في الرهون في باب رهن السلاح زيادة في معنى قتل كعب بن الأشرف، وروي في الأثر أن يامين السبائي قال في مجلس علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : إن ابن الأشرف قتل غدرا فأمر به علي فضربت عنقه، وقد قال مالك: من ينتقص الشارع فإنه يقتل، ومن قال: زره وسخ يريد بذلك الإزراء عليه قتل. قال: ومن سبه قتل بغير استتابة إن كان مسلما، وإن كان ذميا قتل إلا أن يسلم. وقال الكوفيون: من سبه فقد ارتد، وإن كان ذميا عزر ولم يقتل.

التالي السابق


الخدمات العلمية