التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2897 [ ص: 303 ] 182 - باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

3062 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري ح. وحدثني محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: "هذا من أهل النار". فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله، الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إلى النار". قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراحا شديدا. فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: "الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله". ثم أمر بلالا فنادى بالناس: "إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر". [4203، 4204، 6606، مسلم: 111 - فتح: 6 \ 179]


ذكر فيه حديث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: "هذا من أهل النار". فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إلى النار". قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراحا شديدا. فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: "الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله". ثم أمر بلالا فنادى في الناس: "إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".

[ ص: 304 ] هذا الحديث ذكره هنا أولا عاليا ثم نازلا، وإن كانت العادة ذكر النزول ثم العلو، وسيأتي أيضا في غزوة خيبر، وزعم ابن إسحاق والواقدي، وغيرهما أن هذا كان بأحد.

واسم الرجل قزمان، وهو معدود في جملة المنافقين، وكان تخلف عن أحد فعيره النساء، فلما أحفظنه خرج فقتل سبعة، وقصة قزمان كانت بأحد، وقد سلفت قصته في الجهاد.

وأما حديث أبي هريرة فالصحيح أنه كان في خيبر، كما ذكره البخاري وهما قصتان، وهذا مما أعلمنا الشارع أنه ممن نفذ عليها الوعيد من الفجار المذنبين، لا أن كل من قتل نفسه أو غيره يقضى عليه بالنار، ويحتمل كما قال ابن التين أن يكون استوجبها إلا أن يغفر الله له، أو بقوله في غير ذلك الرجل على الحقيقة، ويحتمل إن كان على الحقيقة أن يعاقب بقتله نفسه، أو يكون قد ارتاب وشك حين أصابته الجراحة، وهذا أسعد بظاهر الحديث لقوله: "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة". وقال ابن المنير: هذا رجل ظاهر الإسلام، قتل نفسه فظاهر النداء عليه يدل على أنه ليس مسلما، والمسلم لا يخرجه قتل نفسه عن كونه مسلما، فلا يحكم بكفره ويصلى عليه، ويجاب عن ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - اطلع من أمره على سره فعلم بكفره؛ لأن الوحي عنده عتيد.

[ ص: 305 ] وقوله: (الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار) معنى (له): فيه، قال ابن الشجري: اللام قد تأتي بمعنى (في) قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [الأنبياء: 47] أي: فيه.

وقوله: (فكاد بعض الناس أن يرتاب). كذا في الأصل إثبات (أن) مع (كاد) وهو قليل.

وقوله: (وإن الله ليؤيد) كذا في الأصل، وفي رواية: حذف اللام، ويجوز في (إن) هذه الفتح والكسر - أعني المحذوفة اللام - وقد قرئ في السبعة: (إن الله يبشرك). ولا يعارض هذا حديث: "إنا لا نستعين بمشرك"؛ لأن (المسلم) غير المسلم الفاجر، مع أن هذا الحديث عنه أجوبة، منها نسخه، ومنها أن يكون خاصا في ذلك الوقت؛ لأنه قد استعان بصفوان بن أمية في هوازن واستعار منه مائة درع بأداتها، وخرج معه صفوان حتى قالت له هوازن: تقاتل مع محمد ولست على دينه؟ فقال: رب من قريش خير من رب من هوازن. وقد غزا معه المنافقون وهو يعلم بنفاقهم وكفرهم. قال الطحاوي : قتال صفوان مع رسول الله باختياره فلا يعارض قوله: "إنا لا نستعين بمشرك"

قلت: وهذا أيضا كان مختارا، وهل يستعان بالكفار في المجانيق وشبهها؛ فمنعه مالك واختاره ابن حبيب، حكاه ابن التين .

وقوله: ("وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر") يشمل المسلم والكافر، فصح أن حديث: "إنا لا نستعين بمشرك"، خاص بذلك الوقت.

[ ص: 306 ] وفيه: من أعلام النبوة إخباره بالغيب الذي لا يدرك مثله إلا بالوحي.

وفيه: جواز إعلام الصالح بفضيلة تكون فيه والجهر بها ليبلغ (معانديه) من أهل الباطل والقدح في فضله، (فيحزنهم) ذلك ويعلمون ثباته وشدته على الحق.

فائدة: موضع الترجمة - كما قال ابن المنير - : أنه لا يتخيل في الإمام أو السلطان الفاجر إذا حمى حوزة الإسلام أنه مطرح النفع في الدين لفجوره، فيخرج عليه ويخلع؛ لأن الله قد يؤيد دينه به، فيجب الصبر عليه والسمع والطاعة له في غير المعصية، ومن هذا الوجه استحسان العلماء الدعاء للسلاطين بالتأييد وشبهه من أهل الخير من حيث تأييدهم للدين لا من حيث أحوالهم الخارجة.

التالي السابق


الخدمات العلمية