التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2909 [ ص: 334 ] 190 - باب: القليل من الغلول

ولم يذكر عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرق متاعه، وهذا أصح.

3074 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له: كركرة، فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هو في النار". فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها. قال أبو عبد الله: قال ابن سلام: كركرة - يعني بفتح الكاف - وهو مضبوط كذا. [فتح: 6 \ 187 ]


ثم ساق حديث ابن عمرو قال: كان على ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له: كركرة، فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هو في النار". فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها. قال أبو عبد الله: قال ابن سلام: كركرة.

الشرح:

قوله: (وهذا أصح)، يعني: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرق رحل كركرة حين وجد فيه الغلول، فهو أصح من حديث ابن عمرو الذي أخرجه أبو داود، عن محمد بن عوف، عن موسى بن أيوب، عن الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه.

قال أبو داود: وزاد فيه علي بن بحر، عن الوليد ولم أسمعه منه: ومنعوه سهمه.

قال: وثنا الوليد بن عتبة وعبد الوهاب بن نجدة، عن الوليد، عن زهير، عن عمرو قوله.

[ ص: 335 ] ولم يذكر ابن نجدة منع سهمه.

وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال فقال الجمهور: يعذر على قدر حاله على ما يراه الإمام، ولا يحرق متاعه، وهو قول الأربعة خلا أحمد وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، منهم: الليث والثوري .

وقال الحسن وأحمد وإسحاق ومكحول والأوزاعي : يحرق رحله ومتاعه كله، قال الأوزاعي : إلا سلاحه وثيابه التي عليه. وقال الحسن: إلا الحيوان والمصحف.

وادعى ابن العربي في "مسالكه" أنه ثبت في الصحيح من الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غل فاضربوه وأحرقوا رحله".

وأما حديث ابن عمر، عن عمر مرفوعا في تحريق رحل الغال، فهو حديث تفرد به صالح بن محمد، وهو ضعيف عن سالم.

قال أبو عمر: تفرد به صالح ولا يحتج به.

وقال أبو داود لما ذكره بعد رفعه موقوفا من فعل الوليد بن هشام بن عبد الملك: وهذا أصح الحديثين.

[ ص: 336 ] وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والعمل عليه عند بعض أهل العلم وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: إنما روى صالح بن محمد، وهو منكر الحديث، قال: وقد روي في غير حديث الغال، ولم يأمر فيه - صلى الله عليه وسلم - بحرق متاعه.

قال البخاري في "تاريخه": عامة أصحابنا يحتجون بحديث صالح في الغلول، وهو باطل ليس بشيء.

وقال الدارقطني : أنكروا هذا الحديث على صالح، قال: وهو حديث لم يتابع عليه، ولا له أصل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قلت: ومما يوهنه حديث الباب كما ذكره البخاري، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرق رحل الذي وجد عنده العباءة، ولا الخرز، ثم على تقدير صحته فهو محمول كما قاله الطحاوي على أنه كان حين كانت العقوبة في الأموال جائزة، كما في أخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل وسرقة التمر، وكله منسوخ.

وأنكر مالك حرق الرحل، ويؤدب إن ظهر عليه قبل أن يتنصل.

[ ص: 337 ] واختلف هل يؤدب إذا جاء تائبا؟ فقال مالك: لو أدب كان أهلا.

وقال ابن القاسم وابن حبيب وسحنون : لا يؤدب؛ لأنها تسقط النكال والتقريع، وإنما الذي لا تسقطه التوبة الحدود، فإن ظهر عليه قبل أن يتنصل أدب وتصدق بثمنه. قاله مالك عند محمد.

وفي الحديث ما ترجم له وهو تحريم قليل الغلول وكثيره كما قال - صلى الله عليه وسلم - للذي أتاه بالشراك من المغنم، فقال: "شراك أو شراكان من نار" وقال في الشملة: "إنها تشعل عليه يوم القيامة نارا".

قال المهلب : وحديث الباب يشبه ما قبله، أي: في أنه في طريق النار إن أنفذ الله عليه الوعيد.

وقال ابن التين : يحتمل أن يكون هو جزاؤه إلا أن يغفر الله له، ويحتمل أن يصيبه في القبر، ثم ينجو من جهنم، ويحتمل أن يكون وجوب النار من نفاق كان يسره، أو بذنب مات عليه مع غلول، أو مما غل، فإن مات مسلما فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، ولم يقل: إن له النار من أجل العباءة التي غل، ذكره كله الداودي .

فائدة: (كركرة) بفتح الكاف وكسرها، وقد حكاهما البخاري، فإنه أولا بالكسر فيما رأيته في أصل الدمياطي، ثم قال: قال ابن سلام: كركرة بالفتح مضبوطا.

التالي السابق


الخدمات العلمية