التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2914 3080 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال عمرو وابن جريج: سمعت عطاء يقول: ذهبت مع عبيد بن عمير إلى عائشة - رضي الله عنها - وهي مجاورة بثبير فقالت لنا: انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - مكة. [3900، 4312 - مسلم:

1864 - فتح: 6 \ 190]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث ابن عباس : "لا هجرة بعد الفتح" وقد سلف.

ثانيها: حديث مجاشع بن مسعود قال: جاء مجاشع بأخيه مجالد ليبايعه على الهجرة.

وقد سلف في باب البيعة في الحرب ألا تفروا. قريبا. ومجاشع هو ابن مسعود بن ثعلبة بن وهب سلمي بصري حاصر توج ففتحها قبل يوم الجمل، خرج حين قدوم طلحة والزبير البصرة فلقي عبد الله بن الزبير في جبل، فقتل مجاشع وغيره.

[ ص: 347 ] ثالثها: حديث عطاء: ذهبت مع عبيد بن عمير إلى عائشة وهي مجاورة بثبير، فقالت لنا: انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - مكة.

وعبيد هذا هو ابن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع، أبو عاصم، سمع ابن عباس وابن عمر، ومات قبله.

وفي رواية له: "لا هجرة اليوم"، وكان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، وأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام. والمؤمن يعبد ربه حيث شاء. "ولكن جهاد ونية"، وهو دال على نسخ الهجرة بعد الفتح - أي: من مكة - إلا أن سقوطها بعده لا يسقطها عمن هاجر قبل الفتح، فدل على أن قوله: "لا هجرة بعد الفتح" ليس على العموم؛ لأن الأمة مجمعة أن من هاجر قبل الفتح أنه يحرم عليه الرجوع إلى وطنه الذي هاجر منه، كما حرم على أهل مكة الرجوع إليها.

ووجب عليهم البقاء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والتحول معه حيث تحول لنصرته ومؤازرته وصحبته وحفظ شرائعه والتبليغ عنه، وهم الذين استحقوا اسم المهاجرين (ومدحوا) به دون غيرهم، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - رثى لسعد بن خولة أن مات بمكة في الأرض التي هاجر منها، ولذلك دعا لهم فقال: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم".

وذكر أبو عبيد في كتاب "الأموال" أن الهجرة كانت على غير أهل مكة من الرغائب، ولم تكن فرضا، دل على ذلك قوله للذي سأله عن

[ ص: 348 ] الهجرة: "إن شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي زكاتها؟ " قال: نعم. قال: "فاعمل من وراء البحار؛ فإن الله لن يترك من عملك شيئا"، ولم يوجب عليه الهجرة، وقيل: إنما كانت واجبة إذا أسلم بعض أهل البلد، ولم يسلم بعضهم لئلا يجري على من أسلم أحكام الكفار، فأما إذا أسلم كل من في الدار فلا هجرة عليهم. لقوله لوفد عبد القيس حين أمرهم بما أمرهم، ولم يأمرهم بهجرة أرضهم؛ وقد عذر الله المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا، يعني: طريقا إلى المدينة. وأما الهجرة الثابتة إلى يوم القيامة فقوله: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

قلت: وكذا إذا أسلم في بلد الكفار، ولم يمكنه إظهار دينه عملا بقوله: "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار".

التالي السابق


الخدمات العلمية