التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2983 [ ص: 531 ] 3152 - حدثني أحمد بن المقدام، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها، وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين، فسأل اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتركهم على أن يكفوا العمل، ولهم نصف الثمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نقركم على ذلك ما شئنا". فأقروا حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحا. [انظر: 2285 - مسلم: 1551 - فتح: 6 \ 252]


ذكر فيه عشرة أحاديث:

أحدها: حديث حكيم بن حزام. وسلف في الزكاة.

والتعليق قبله أخرجه البخاري مسندا في المغازي. والتمني عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن عباد بن تميم عنه.

ثانيها: حديث نافع أن عمر قال: يا رسول الله، إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية. فأمره أن يفي به.

وقد سلف في بابه. زاد هنا: وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين، فوضعهما في بعض بيوت مكة، قال: فمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبي حنين، فجعلوا يسعون في السكك، فقال عمر: يا عبد الله، انظر ما هذا؟ فقال: من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السبي. قال: اذهب فأرسل الجاريتين.

[ ص: 532 ] قال نافع: ولم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله.

وزاد جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: من الخمس.

ورواه معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في النذر، ولم يقل: يوم.

وزيادة جرير أخرجها مسلم عن أبي الطاهر: أنا ابن وهب، عن جرير به.

ورواية معمر أسندها في المغازي، عن ابن مقاتل، أنا عبد الله عن معمر به، لما قفلنا من حنين سأل عمر عن نذر.

وقال الدارقطني : اختلف على ابن عيينة عن أيوب في أمر الجاريتين، فأرسله عنه قوم، ووصله آخرون، وفي بعض أسانيده إرسال وتعليق، وسائرها مسندة.

وقال الجياني: كذا روي مرسلا عند ابن السكن وأبي زيد، وعند أبي أحمد الجرجاني: أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، وذلك وهم. والصواب: الإرسال من رواية حماد بن زيد.

وقول نافع: (ولم يعتمر رسول الله) من الجعرانة، وهم ظاهر كما نبه عليه الدمياطي؛ لأن مسلما وأبا داود والترمذي وابن سعد رووه: أنه

[ ص: 533 ] اعتمر منها من حديث قتادة عن أنس، ورووه أيضا عن ابن عباس إلا مسلما .

وقد رواه البخاري في باب: من قسم الغنيمة في غزوه وسفره من حديث همام، عن قتادة، عن أنس : اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين. وقد أسلفناه.

وقال البخاري في المغازي: ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة، عن أيوب .

تعليق حماد: أخرجه مسلم من حديث حجاج بن منهال عنه، وأخرجه من حديث ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر في النذر، وفي حديثهما جميعا: اعتكاف يوم.

وذكر في "الأطراف": أن رواية حجاج هذه عن حماد. وذكر ابن طاهر في "رجال الصحيحين": أن حجاج بن منهال سمع حماد بن سلمة في النذور من رواية الدارمي عنه.

قال البخاري : وقال بعضهم: حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر .

قلت: أخرجه مسلم، عن أحمد بن عبدة، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع . قال: ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من

[ ص: 534 ] الجعرانة، قال مسلم، ثم ذكر نحو حديث جرير بن حازم ومعمر عن أيوب .

الحديث الثالث: حديث عمرو بن تغلب: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه، فقال: "إني أعطي أقواما أخاف ظلعهم وجزعهم، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى، منهم عمرو بن تغلب". قال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم.

وزاد أبو عاصم، عن جرير قال: سمعت الحسن: ثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو بسبي فقسمه. بهذا.

وهذه الزيادة سلفت في العيدين عن محمد بن معمر، عن أبي عاصم.

فائدة:

عمرو بن تغلب هو من النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بصري. وقال بعضهم: هو عبدي. أي: من عبد الله بن أفصى، للحسن عنه أحاديث منها في الصحيحين.

الحديث الرابع: حديث أنس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إني أعطي قريشا أتألفهم؛ لأنهم حديث عهد بجاهلية". ويأتي في المغازي.

[ ص: 535 ] الخامس: حديثه أيضا أن ناسا من الأنصار قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن... الحديث.

الحديث السادس: حديث جبير بن مطعم بينما هو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه الناس مقبلا من حنين، علقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة... الحديث.

الحديث السابع: حديث أنس : كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني... الحديث.

ويأتي في اللباس والأدب، وأخرجه مسلم في الزكاة، والنسائي في اللباس مختصرا.

الحديث الثامن: حديث ابن مسعود لما كان يوم حنين آثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل.. ويأتي في المغازي وأحاديث الأنبياء، وأخرجه مسلم أيضا.

الحديث التاسع: حديث أسماء بنت أبي بكر: كنت أنقل النوى من أرض الزبير... الحديث. وأخرجه مسلم والنسائي، وقال

[ ص: 536 ] أبو ضمرة، عن هشام، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير، (هذا مرسل).

الحديث العاشر: حديث ابن عمر : أن عمر أجلى اليهود والنصارى... الحديث. وسلف في المزارعة.

واعلم أن المؤلفة قلوبهم جماعة، منهم: أبو سفيان بن حرب، حكيم بن حزام، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو الجمحي، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أمية، ومالك بن عوف، والعلاء بن جارية.

قال ابن إسحاق : أعطى كل واحد من هؤلاء مائة بعير، وأعطى مخرمة بن نوفل وعمير بن وهب الجمحي وهشام بن عمرو العامري، ولا أدري كم أعطاهم، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين بعيرا، وعباس بن مرداس أباعر قليلة.

وذكر منهم أبو عمر: النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة، وعيينة بن حصن ووهب بن أبي أمية المخزومي، وسفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن الأسود، وأبا جهم بن حذيفة، ونوفل بن معاوية.

وذكر ابن الجوزي منهم الأقرع بن حابس، وعبد الرحمن بن يربوع، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، والجد بن قيس، وجبير بن مطعم، وحكيم بن طليق بن سفيان بن أمية بن عبد شمس، وخالد بن قيس

[ ص: 537 ] السهمي،
وعمرو بن مرداس السلمي، وأبا السنابل بن بعكك، وقيس بن عدي السهمي.

وذكره عبد الرزاق في "تفسيره" عن يحيى بن أبي كثير، وعدي بن قيس السهمي، وقيس بن مخرمة (بن المطلب)، ومعاوية بن أبي سفيان، وعند ابن طاهر في "إيضاح الإشكال" وعمرو بن الهيثم، وعند الصغاني، وأبي بن شريق، وكعب أبو الأخنس وأحيحة بن أمية بن خلف، وحرملة بن هوذة، وخالد بن (أسيد) بن أبي العيص، و (خالد) بن هشام، وخالد بن هوذة العامري، وشيبة بن عثمان الحجبي، وعكرمة بن عامر العبدري، وعمير بن ودقة، ولبيد بن ربيعة العامري، والمغيرة بن الحارث بن عبد المطلب، وهشام بن الوليد أخو خالد بن الوليد، فهؤلاء نحو الخمسين.

وقال ابن التين : إنهم فوق الأربعين. (وعدد) منهم عكرمة بن أبي جهل.

فصل:

حقيقة المؤلفة: من أسلم ونيته ضعيفة أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه. وحاصل المذهب عندنا: أنهم يعطون من الزكاة، ومؤلفة الكفار لا يعطون شيئا؛ لأن الله أعز الإسلام وأهله.

[ ص: 538 ] وادعى ابن بطال (وأصحابه) أن الشافعي (قال): إنه كان يعطيهم من خمس الخمس، وقال: وهذه الآثار ترد قوله فإن زعم: أنه - عليه السلام - إنما كان يعطيهم وغيرهم من خمس الخمس خاصة؛ لأنه سهمه خاصة، وهذا شيء يتقوله على الشافعي، فإن مذهبه: أنهم يعطون من الزكاة. وقيل: من سهم المصالح.

ثم نقل عن إسماعيل القاضي: أن هذه قسمة لم يعدل فيها الشافعي؛ لأنه لا يتوهم أحد أن خمس الخمس يكون مبلغه ما أعطي المؤلفة من تلك العطايا الكثيرة، فإن كان ذلك كله من خمس الخمس، فإن أربعة أخماس الخمس أضعاف ذلك (كله).

قال إسماعيل: وإعطاؤه المؤلفة قلوبهم من الخمس، وليس للمؤلفة ذكر فيه ولا في الفيء، وإنما ذكروا في الصدقات، فدل إعطاؤهم من غنائم حنين أن الخمس يقسمه الإمام على ما يراه، وليس على الأجزاء التي قال الشافعي وأبو عبيد، ولو كان كذلك لما جاز أن يعطي المؤلفة من ذلك شيئا.

قال ابن بطال : وآثار الباب ترد أيضا مقالة قوم ذكرهم الطبري : زعموا أن إعطاءهم كان من جملة الغنيمة لا من الخمس، وزعموا أنه كان له أن يمنع الغنيمة من شاء ممن حضر القتال ويعطيها من لم يحضر، وهو قول مردود بالآثار الثابتة، وبدلائل القرآن.

[ ص: 539 ] ونقل ابن التين عن مالك: إعطاؤهم من الخمس وإن أتي عليه. قال: وقيل: مما لله ورسوله من الخمس.

فصل:

وكان حكيم ممن استؤلف بالمال؛ لأنه كان يحبه.

وفيه: (رد) السائل إذا ألحف بالموعظة الحسنة لا بالانتهار الذي نهى الله عنه.

وفيه: أن الحرص على المال والإفراط في حبه وطلبه يوجب المحق له، وأن النفس الشريفة التي هي سخية به إن أعطته أو أخذته، ولم تكن عليه حريصة يبارك لها فيه، كما قال - عليه السلام - ، وقد سلف كثير من معانيه هناك.

وفيه: ذم كثرة الأكل وتقبيحه.

قال الداودي : قوله: "فمن أخذه بسخاوة (نفس) " أي: نفس المعطي، ويحتمل الآخذ. وكذا قوله: "بإشراف نفس".

وقوله: "خضرة حلوة" كذا في بعض النسخ، والصواب: "خضر حلو" أي: محبوب.

وقوله: "كالذي يأكل ولا يشبع" قال الداودي : هو من تتوق نفسه إلى كل شهوة، فيبذر ولا يبقي شيئا، كلما أتلف شيئا عاد إلى مثله.

وقيل: هي علة تسمى الكلبة، يأكل معها من هي به ولا يشبع. ومعنى: (لا أرزأ): لا آخذ منه شيئا. وأصل أرزأ: انتقص.

[ ص: 540 ] فصل:

وقول عمر: (كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية)، قيل: يريد زمن الجاهلية وهو مسلم، وقيل: وهو كافر، ونسخ ذلك، ذكره ابن التين . وإنما ذكره هنا؛ لذكر الجاريتين.

وفيه: أن سبي حنين كان قسم بعد الانتظار.

والسكك: الطرق. وقوله: (فمن النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبي حنين).

فيه: قبول ما فشا من الخير وإن لم يسمعه من يعتمد عليه.

وقول نافع: (لم يعتمر من الجعرانة). قد أسلفنا أنه وهم، وأنه اعتمر منها. قال ابن التين : قد ذكر جماعة أنه اعتمر منها حين فرغ من حنين والطائف، وكان ذلك عام ثمانية، وانصرف من العمرة في آخر ذي القعدة، وحج بالناس غياث بن أسيد، وليس في قول نافع حجة؛ لأن ابن عمر ليس كل ما علمه حدث به نافعا، ولا كل ما حدث به من حفظه نافع ولا كل ما علمه ابن عمر لا ينساه. والعمرة من الجعرانة أشهر من هذا وأظهر من أن يشك فيها.

وقول ابن عمر : ومن الخمس: صواب؛ لأن الغنيمة إذا قسمت لم يختلف في ملكهم لها.

فصل:

وقول عمرو بن تغلب: (عتبوا)، أي: لاموا، قال الخليل: حقيقة العتاب: مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة.

فصل:

وقوله في حديث أنس الثاني: "إني لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر" هو جار على مذهب سيبويه وحده في قوله: مررت برجل حسن وجهه.

[ ص: 541 ] والجماعة لا يجيزونه على إضافة حسن إلى الوجه.

فصل:

والسمرة في حديث جبير: شجر طوال متفرق الرءوس، قليل الظل، صغار الورق، قصار الشوك، جيد الخشب، و (العضاه)، شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر؛ قاله القزاز . قال الخطابي : السمرة ورقها أثبت وظلها كثيف، قال: ويقال: هي شجر الطلح.

وقال الداودي : السمر هي العضاه.

واختلف في واحد العضاه: فقيل: عضهة، مثل: شفة أصلها: شفهة، حذفت منها الهاء الأصلية في مفردها فصارت: شفة، وقيل: هي عضاهة، مثل شجرة وشجر.

وفيه: استعمال حسن الأخلاق والحلم لجهال الناس والأعراب، وقلة ردهم بالخيبة.

وفيه: أن سنة الأمراء أن يسكتوا عن رد السائل ويتركوه تحت الرجاء، ولا يؤيسوه ويوحشوه.

وفيه: مدح الرجل نفسه إذا ألحف عليه بالمسألة في المال أو العلم أو غيره.

وفيه: أنه - عليه السلام - مدح نفسه بالجود العظيم، ووصف نفسه بالشجاعة والبأس الذي بسببه كانت الأعراب تسأله، ووصف نفسه بالصدق فيما يعد به من العطايا.

وفيه: أن من أخلف وعدا أنه جائز أن يسمى كاذبا. وقد قال تعالى: إنه كان صادق الوعد [مريم: 54].

[ ص: 542 ] وفيه: - كما قال ابن المنذر - : أن الإمام بالخيار؛ إن شاء قسم الغنائم بين أهلها قبل أن يرجع إلى بلاد الإسلام، وإن شاء أخر ذلك على قدر فراغه وشغله إلى وقت خروجه، وعلى قدر ما يرى من الصلاح فيه.

فصل:

وفي حديث أنس أن على الإمام أن يمتحن ما يكره مما يبلغه من الأخبار، ولا يدع الناس يخوضون من أمره فيما يؤزرون به. فربما أورث ذلك نفاقا في قلوبهم، يجب امتحان ما سمعه من ذلك واختباره بنفسه، حتى يتبين وجه ما أنكر عليه، ومعنى مراده ليذهب نزغات الشيطان من نفوسهم، كما فعل - عليه السلام - بالأنصار حين رضاهم مما لم يكونوا يرضون به من قبل من الأثرة عليهم، لما بينه لهم.

وفيه: أن الإمام إذا اختص قوما بنفسه وجيرته أن يعلم لهم حق الجوار على غيرهم من الناس.

وفيه: شرف جيران الملك على سائر من بعد عن جيرته.

وفيه: أن الرجل العالم والإمام العادل خير من المال الكثير.

وفيه: استئلاف الناس بالعطاء الجزيل؛ لما في ذلك من المنفعة للمسلمين والدفاع عنهم.

وفيه: أن الأنصار لا حق لهم في الخلافة؛ لأنه - عليه السلام - عرفهم أنه سيؤثر عليهم، والمؤثر يجب أن يكون من غيرهم، ألا ترى قوله: "اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله" فعرفهم أن ذلك حالهم إلى انقضاء الزمن.

وفي حديث أنس أيضا: صبر السلاطين والعلماء بجهال السؤال،

[ ص: 543 ] واستعمال الحلم لهم، والصبر على أذاهم نفسا ومالا.

فصل:

وفي حديث ابن مسعود : الأثرة في القسمة نصا.

وفيه: الإعراض عن الأذى إذا لم يعين قائله، والتأسي بمن تقدم من الفضلاء في الصبر والحلم.

وفي حديث أسماء: عون المرأة للرجل فيما يمتهن فيه الرجل، وذلك من باب التطوع منها، وليس بواجب عليها، وسيعلم في كتاب النكاح ما يلزمها من خدمة زوجها، واختلاف العلماء فيه عند ذكره.

وهذه الأرض التي أقطعها له من بني النضير ليست من جملة الخمس؛ لأنه - عليه السلام - أجلى بني النضير حين أرادوا الغدر به وقتله، فكانت فيئا لمن لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فحبس منها لنوائبه، وقسم أكثرها في المهاجرين خاصة، فلم يجر فيها خمس.

وأما خيبر: فإن ابن شهاب قال: إن بعضها عنوة، وبعضها صلحا، وما كان عنوة فجرى فيه الخمس.

وأما قوله: (وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين) فقد اختلفت الرواية في ذلك، فروى ابن السكن عن الفربري: (وكانت الأرض لما ظهر عليها لله، وللرسول، وللمسلمين).

وقال القابسي: (لليهود) ولا أعرفه، وإنما هو لله وللرسول وللمسلمين، وقال ابن أبي صفرة: بل الصواب لليهود، وهو الصحيح، وكذلك روى النسفي عن الفربري.

[ ص: 544 ] وقوله: (لما ظهر عليها) أي: بفتح أكثرها ومعظمها، قبل أن تسأله اليهود أن يصالحوه بأن ينزلوا ويعطوه الأرض، ويسلمهم في أنفسهم، فكانت لليهود، فلما صالحهم أن يسلموا له الأرض، كانت هذه لله ورسوله يريد: هذه الأرض التي صالحه اليهود بها، وخمس الأرض التي كان أخذها عنوة، وللمسلمين الأربعة الأخماس من العنوة، ولم يكن لليهود فيها شيء؛ لخروجهم عنها بالصلح، والدليل على ذلك أن عمر لما أخرجهم، إنما أعطاهم قيمة الثمرة لا قيمة الأصول، فصح أنهم كانوا مساقين فيها بعد أن صولحوا على أنفسهم.

قال الخطابي : لست أدري كيف يصح إقطاع أرض المدينة وهم أسلموا راغبين في الدين إلا أن يكون على الوجه الذي جاء فيه الأثر عن ابن عباس أن الأنصار جعلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يبلغه الماء من أرضهم، فيحتمل أن يكون - عليه السلام - أقطع الزبير منها فأحياها.

ودل قول أسماء: (أنقل النوى منها) أنه كان فيها نخل فلا ينكر أن يكون الزبير غرز فيها نخلا، فطالت وأثمرت؛ لأنه بقي إلى أيام علي، ومات يوم الجمل كما سلف، وأما إقطاعه من أرض بني النضير فهو بين، وهو أن يكون ذلك من ماله؛ لأنه - عليه السلام - اصطفاها فكان ينفق منها على أهله، ويرد فضلها في نوائب المسلمين.

وقد روي أنه - عليه السلام - أعطاه الأنصار حين قدم المدينة بخلاف كل قبيلة، فلما أجلى بني النضير ردها فلا يبعد أن يكون أقطع الزبير.

[ ص: 545 ] فصل:

في حديث ابن عمر : (أجلى اليهود) أي: أخرجهم من وطنهم، يقال: أجليت القوم عن وطنهم، وجلوتهم، وجلا القوم، وأجلوا وجلوا، وإنما فعل هذا عمر - رضي الله عنه - ؛ لقوله - عليه السلام - : "لا يبقين دينان بجزيرة العرب" والصديق اشتغل عنه بقتال أهل الردة أو لم يبلغه الخبر.

خاتمة للباب: كانت المؤلفة قسمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

مؤمن لم يستقر الإسلام في قلبه، فلم يزل يعطيهم حتى استقر في قلوبهم، وجماعة من أهل الكتاب وغيرهم كان يتألفهم اتقاء شرهم، وقال جماعة: هم قوم كانوا يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، كانوا يتألفون بدفع سهم من الصدقة إليهم؛ لضعف يقينهم.

وقال الزهري : المؤلفة من أسلم من يهودي أو نصراني، وإن كان غنيا، واختلف العلماء في بقاء سهمهم، فقال عمر والحسن والشعبي وغيرهم: انقطع هذا الصنف بعز الإسلام وظهوره، وهو مشهور مذهب مالك وأبي حنيفة، وقال بعض الحنفية: لما أعز الله الإسلام وقطع دابر الكافرين اجتمعت الصحابة في زمن الصديق على سقوط سهمهم.

[ ص: 546 ] وقال الشافعي : هذا الصنف مفقود اليوم، فإن وجدوا أخذوا، والأصح عنده: خلافه، وقالت جماعة: هم باقون، ثم إن سهمهم يرجع إلى باقي الأصناف، وقال الزهري : يعطى نصف سهمهم لعمارة المساجد.

وقال الرازي : كانوا يتألفون لجهات ثلاثة:

أحدها: الكفار؛ لدفع مضرتهم وكف أذاهم عن المسلمين، واستعانة بهم على غيرهم من المشركين.

ثانيها: لاستمالة قلوبهم للإسلام، ولئلا يمنعوا من أسلم من قومهم من الثبات على الإسلام.

الثالثة: لأنهم حديثو عهد بكفر، فيخشى من رجوعهم إليه.

فصل:

قوله: ("وترجعون برسول الله إلى رحالكم"). فيه: تغبطهم بذلك، وأعظم بها غبطة.

التالي السابق


الخدمات العلمية