التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2998 [ ص: 604 ] 7 - باب: إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟

3169 - حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث قال: حدثني سعيد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود". فجمعوا له فقال: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه؟". فقالوا: نعم. قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أبوكم؟". قالوا: فلان. فقال: "كذبتم، بل أبوكم فلان". قالوا: صدقت. قال: "فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه؟" فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: "من أهل النار؟". قالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا" ثم قال: "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟". فقالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: "هل جعلتم في هذه الشاة سما؟". قالوا: نعم. قال: "ما حملكم على ذلك؟". قالوا: أردنا إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيا لم يضرك. [4249، 5777 - فتح: 6 \ 272]


ذكر في حديث أبي سعيد - وهو المقبري - عن أبي هريرة : لما فتحت خيبر أهديت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود". فجمعوا له، فقال: "إني سائلكم.. ." الحديث، وفي آخره: وإن كنت نبيا لم يضرك.

ويأتي في المغازي والطب.

وأخرجه مسلم، وقال: "ما كان الله ليسلطك على ذلك".

[ ص: 605 ] وأخرجه أبو داود من حديث ابن شهاب عن جابر، ولم يسمع عنه.

وفي آخر المغازي: قال البخاري : قال يونس : عن عروة: قالت عائشة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة، مازلت أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم" وهو تعليق أسنده الإسماعيلي من حديث عنبسة، عن خالد، عن يونس به، والحاكم في "إكليله"، أخرجه من حديث عنبسة أيضا.

وروى البخاري من حديث أنس، قال: (يا) رسول الله ألا نقتلها؟ يعني: التي سمته قال: "لا". قال: فمازلت أعرفها في لهوات النبي.

ولابن إسحاق : فدعا بالتي سمته فاعترفت.

ولأحمد من حديث ابن مسعود : كنا نرى أنه - عليه السلام - سم في ذراع الشاة، وأن اليهود سموه.

وعن ابن عباس : أنه - عليه السلام - احتجم وهو محرم من أكلة أكلها من شاة مسمومة.

[ ص: 606 ] وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أن أم بشر دخلت على رسول الله في وجعه الذي قبض فيه فقالت: ما تتهم على نفسك؟ قال: "الطعام الذي أكله ابنك بخيبر وهذا أوان قطع أبهري".

وللواقدي عن الزهري : أن زينب التي سمته، هي: ابنة أخي مرحب، وأنه - عليه السلام - قال لها: "ما حملك على هذا؟ " قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي. قال محمد: فسألت إبراهيم بن جعفر عن هذا قال: أبوها الحارث، وعمها يسار، وكان أجبن الناس، وهو الذي أنزل من الرف، وأخوها زبير، وزوجها سلام بن مشكم.

وأما السهيلي فقال: هي أخت مرحب. قال محمد بن عمر: والثبت عندنا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلها ببشر بن البراء بن معرور: يعني الآكل معه منها، وأمر بلحم الشاة فأحرق.

وهذه المسألة سأل عنها مالك الإمام الواقدي، قال المنتجالي: وذلك أن مالكا سئل عنها، ولم يكن عنده فيها شيء، فرأى الواقدي - وهو شاب إذ ذاك - فسأله عنها، فقال: الذي عندنا: أنه قتلها، فخرج مالك إلى الناس فقال: سألنا أهل العلم فأخبرونا أنه قتلها.

وعن الزهري قال: قال جابر: احتجم رسول الله يومئذ على الكاهل حجمه أبو طيبة بالقرن والشفرة، وقيل: بل حجمه أبو هند، واسمه: عبد الله.

[ ص: 607 ] ولأبي نعيم في "طبه" عن عبد الرحمن بن عثمان: احتجم - عليه السلام - تحت كتفه اليسرى من الشاة التي أكل يوم خيبر، وعن عبد الله بن جعفر: احتجم على قرنه بعد ما سم. وفي إسنادهما ضعف.

قال الواقدي : وألقي من شحم تلك الشاة لكلب، فما تبعت يد رجل حتى مات.

ولأبي داود: أمر بها فقتلت، وفي لفظ: قتلها وصلبها.

وفي "جامع معمر" عن الزهري : لما أسلمت تركها، قال معمر: كذا قال الزهري : أسلمت، والناس يقولون: قتلها، وأنها لم تسلم، وكانت أهدت الشاة المصلية لصفية.

قال السهيلي : قيل: إنه صفح عنها، والجمع بين القولين: أنه - عليه السلام - كانت عادته أنه لا ينتقم لنفسه، فلما مات بشر بن البراء بعد ذلك بحول. فيما ذكره البيهقي، وعند القرطبي : لم يبرح من مكانه حتى مات - قتلها به.

وعن ابن عباس : دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها، ومن ذلك الحين لم يأكل - عليه السلام - من هدية تهدى له حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها.

جاء ذلك في حديث أخرجه ابن مطير في "معجمه" عن أحمد بن حنبل : حدثنا سعيد بن أحمد، ثنا أبو تميلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا [ ص: 608 ] عبد الملك بن أبي بكر عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن ابن الحوتكية، يعني: يزيد عن عمار بن ياسر... فذكره.

وأخرجه الطبراني في أكبر معاجمه عن عبد الله بن أحمد، ثنا سعيد بن محمد، فذكره إلى عمار قال: كان رسول الله لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت له.

وذكره ابن عساكر في "تاريخه" في ترجمة مسلم بن قتيبة: حدثني أبي، ثنا يحيى بن الحصين بن المنذر، عن أبيه: أن ساسان قال: سمعت عمارا، به، ذكره عن أبي نصر القشيري، أنا البيهقي، أنا الحاكم، أنا علي الحسيني، أنا خالد بن أحمد، حدثني أبي، حدثني سعيد بن سلم بن قتيبة به، ولفظه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل الهدية حتى يأكل منها من أهداها إليه بعد ما أهدت إليه المرأة الشاة المسمومة بخيبر.

فصل:

في هذا الحديث: أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الذي يوجب القصاص، وهو قول مالك.

وقال الكوفيون: لا قصاص فيه، وفيه الدية على العاقلة، قالوا: ولو دسه في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا عاقلته.

وقال الشافعي : إذا فعل ذلك وهو مكره، ففيه قولان في وجوب القود، أصحهما: لا.

[ ص: 609 ] فصل:

وفيه أيضا: من علامات النبوة ما هو ظاهر من كلام الجماد، وأن السم لم يؤثر فيه حتى كان عند وفاته، لتجتمع له النبوة مع الشهادة؛ مبالغة في كرامته ورفع درجته.

وفيه: أن السموم لا تؤثر بذاتها بل بإذن الرب - جل جلاله - ومشيئته، ألا ترى أن السم أثر في بشر ولم يؤثر في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال.

فصل:

فيه: العفو عن المشركين إذا غدروا لشيء يستدرك إصلاحه وجبره، ويعصم الله منه إذا رأى الإمام ذلك، وإن رأى عقوبتهم عاقبهم لما يؤديه إليه اجتهاده، وأما إذا غدروا بالقتل أو مما لا يستدرك جبره، وما لا يعتصم من شره، فلا سبيل إلى العفو كما فعل الشارع في العرنيين عاقبهم بالقتل، وإن كان - عليه السلام - قال لعائشة : "ما زالت أكلة خيبر لتعاهدني، فهذا أوان انقطاع أبهري" لكنه عفا عنهم حين لم يعلم أنه يقضي عليه؛ لأن الله تعالى دفع عنه ضر السم بعد أن أطلعه على المكيدة فيه بآية معجزة أظهرها له من كلام الذراع، ثم عصمه الله من ضره مدة حياته، حتى إذا دنا أجله بغى عليه السم، فوجد ألمه.

وأراد الله تعالى له الشهادة بتلك الأكلة ولذلك لم يعاقبهم، وأيضا فإن اليهود قالوا: أردنا أن نختبر بذلك نبوتك وصدقك، فإن كنت نبيا لم يضرك، فقد يمكن أن يعذرهم بتأويلهم، وأيضا فإنه كان لا ينتقم لنفسه؛ تواضعا لله كما مر، وكان لا يقتل أحدا من المنافقين المناصبين له

[ ص: 610 ] بالعداوة والغوائل؛ لأنه كان على خلق عظيم من الصلح والإغضاء والصبر، وأصل هذا كله أن الإمام فيه بالخيار، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه.

فصل:

ترجمة البخاري : هل يعفى عنهم؟ ولم يذكر في الحديث العفو ولا عدمه، وليس فيه أن ذلك كان بعد عهد، فإن يكن عفا فهو بفضل منه لوجه يرجوه من إسلامهم أو لاستئلاف من حلفائهم من المسلمين وإن يكن عاقب بقتل أو سبي، فهو جزاؤه، قاله الداودي .

وقد أسلفنا رواية قتلها، ثم قال: والذي يدل عليه ظاهر الأمر أنه أبقاهم لحاجته إليهم في عمل الأرض.

قال: وفيه دليل أنه أخبر بالسم، ولم يذكر قبل أن أكل ولا بعد، وفي الحديث الآخر: أن امرأة جعلت له سما في شاة، فإما أن يكون الأمران جميعا أو في إحدى الروايتين وهما.

وقوله: لم يذكر هل كان قبل أن يأكل أو بعده.

تنبيه:

الحديث: أنه كان بعد أن أكل؛ لأنه قال: "ما زالت أكلة خيبر تعادني، فهذا أوان انقطاع أبهري".

التالي السابق


الخدمات العلمية