التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3002 [ ص: 624 ] 12 - باب: الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، وإثم من لم يف بالعهد

وقوله: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله الآية. [الأنفال: 61]. قال: جنحوا : طلبوا.

3173 - حدثنا مسدد، حدثنا بشر - هو ابن المفضل - حدثنا يحيى، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر، وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دم قتيلا، فدفنه ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: "كبر كبر". وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما، فقال: "أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟ " أو "صاحبكم". قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: "فتبريكم يهود بخمسين". فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده. [انظر: 2702 - مسلم: 1669 - فتح: 6 \ 275]


ذكر فيه حديث سهل بن أبي حثمة في قصة حويصة ومحيصة.

وقد سلف في أبواب الصلح في باب: الصلح مع المشركين، ويأتي في الأدب والديات والأحكام وأخرجه مسلم والأربعة أيضا، وبعده.

( جنحوا ): طلبوا.

[ ص: 625 ] وقال ابن التين : مالوا. والسلم والسلم واحد وهو الصلح كما قال أبو عبيدة - (قال أبو عمرو): السلم: الصلح. والسلم: الإسلام.

ومعنى (يتشحط): يضطرب في دمه، قاله الخطابي . وقال الداودي : المتشحط: المتخضب.

وقوله: ("كبر كبر") فيه أدب وإرشاد إلى أن الأكبر أولى بالتقدمة في الكلام وفي الإكرام.

وقوله: ("تحلفون وتستحقون صاحبكم") فيه دلالة على أن مدعي الدم يبدءون باليمين وبه قال مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة، وقد جاء في رواية: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" إلا في القسامة.

واختلف في إيجابها القود، فقال مالك بوجوبه، وخالف الشافعي، واختلف في ضابط اللوث، ومحله كتب الفروع.

وعند الشافعي : لا بد من اشتهار العداوة على نحو ما في الحديث.

[ ص: 626 ] قال أبو حنيفة : ويجب على من اختط المحلة لا على السكان.

وخالفه أبو يوسف. وقول الميت لوث عند مالك خلافا لأبي حنيفة والشافعي . وعن ابن القاسم وجماعة: القسامة ضعيفة.

فصل:

قوله: (فعقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده). قال الداودي : كانت إبل الصدقة؛ لأنهم كانوا ممن يحل لهم الصدقة. ففي رواية: خرجوا من جهد أصابهم. ويجوز أن يكون الشارع عقله من ماله من باب الائتلاف.

يقال: عقلته: أديت ديته، وعقلت عنه إذا لزمته دية فأديتها عنه. قال الأصمعي: كلمت أبا يوسف القاضي في ذلك بحضرة الرشيد فلم يفرق بين عقلته وعقلت عنه حتى فهمته.

فصل:

قال المهلب : لا بأس بالموادعة والمصالحة للمشركين بالمال إذا كان ذلك بمعنى الاستئلاف للكفار. لا إذا (كان) الجزية؛ لأنها ذلة وصغار.

وقد قال تعالى: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون [محمد: 35] وقد أسلفنا أنه يحتمل أن يكون - عليه السلام - وداه من عنده استئلافا لليهود وطمعا في دخولهم الإسلام، وليكف بذلك شرهم عن نفسه وعن المسلمين مع إشكال القضية بإبائة أولياء القتيل من اليمين وإبائتهم أيضا من قبول أيمان اليهود فكان الحكم أن يكون مغلولا، ولكن أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوادع اليهود بالغرم عنهم؛ لأن الدليل كان متوجها إلى اليهود في القتل لعبد الله.

[ ص: 627 ] وأراد أن يذهب ما بنفوس أوليائه من العداوة لليهود بأن غرم لهم الدية، إذ كان العرف جاريا أن من أخذ دية قتيله فقد انتصف.

وذكر الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على فدية أو هدنة يؤدونها المسلمون إليهم فقال: لا يصلح ذلك إلا عن ضرورة وشغل من المسلمين عن حربهم من قتال عدوهم، أو فتنة شملت المسلمين، فإذا كان ذلك فلا بأس به.

قال الوليد: وذكرت ذلك لسعيد بن عبد العزيز فقال: قد صالحهم معاوية أيام صفين، وصالحهم عبد الملك بن مروان؛ لشغله بقتال ابن الزبير، يؤدي عبد الملك إلى طاغية الروم في كل يوم ألف دينار وإلى تراجمة الروم وأنباط الشام في كل جمعة ألف (دينار).

وقال الشافعي : لا يعطيهم المسلمون شيئا بحال إلا أن يخافوا أن يصطلموا لكثرة العدو؛ لأنه من معاني الضرورات، أو يؤسر مسلم فلا يخلى إلا بفدية، فلا بأس به؛ لأنه - عليه السلام - قد فدى رجلا برجلين.

وقال ابن بطال : ولم أجد لمالك وأصحابه ولا الكوفيين نصا في هذه المسألة.

وقال الأوزاعي : لا بأس أن يصالحهم الإمام على غير خراج يؤدونه إليه ولا فدية إذا كان ذلك نظرا للمسلمين وإبقاء عليهم.

وقد صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا عام الحديبية على غير خراج أدته قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا فدية.

التالي السابق


الخدمات العلمية