التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3006 [ ص: 642 ] 16 - باب: كيف ينبذ العهد إلى أهل العهد؟

وقوله تعالى: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء [الأنفال: 58]

3177 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرنا حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر - رضي الله عنه - فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل: الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر. فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك. [انظر: 369 - مسلم: 1347 - فتح: 6 \ 279]


ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك.

الحديث. سلف في الحج وفي آخره: فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج مشرك عام حجة الوداع.

ويأتي في المغازي والتفسير وذكره أبو مسعود وابن عساكر في مسند أبي بكر، وخلف في مسند أبي هريرة .

ومعنى الآية: فانبذ إليهم عهدهم الذي عاهدتهم عليه.

وقال الأزهري: معناه: إذا هادنت قوما فعلمت بهم النقض فلا ترفع بهم سابقا إلى النقض، حتى تلقي إليهم أنك نقضت العهد، فيكونوا في [ ص: 643 ] علم النقض مستوين، ثم أوقع بهم.

وقوله: (يوم الحج الأكبر يوم النحر)، هو قول مالك وجماعة من الفقهاء وقيل: يوم عرفة.

وقوله: (وإنما قيل: الأكبر لأجل قول الناس: الحج الأصغر) قال الداودي : يعني العمرة. وقيل: إنما قيل له الأكبر؛ لأن الناس كانوا في الجاهلية يقفون بعرفة، وتقف قريش بالمزدلفة؛ لأنهم كانوا يقولون: لا نخرج من الحرم، فإذا كان صلاة الفجر يوم النحر وليلة النحر اجتمعوا كلهم بالمزدلفة، فقيل له: الحج الأكبر؛ لاجتماع الأكبر فيه.

قال ابن بطال : حجة الأول ما قصه أبو هريرة ونادى به في الموسم، عن الصديق، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوم الحج يوم النحر، وأما جهة النظر فيوم النحر يعظمه أهل الحج وسائر المسلمين بالتلبية. وفيه صلاة العيد والنحر بالتكبير، ألا ترى قوله: " أي يوم هذا؟ " فجعل له حرمة على سائر الأيام كحرمة الشهر على سائر الشهور، والبلد على سائر البلاد.

فصل:

قام الإجماع على أن للإمام نبذ عهد من يخاف خيانته وغدره بالحرب بعد أن يعلمه بذلك، وقيل: إن هذه الآية نزلت في قريظة؛ لأنهم ظاهروا المشركين على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقضوا العهد.

وقال الكسائي: السواء: العدل. وقال ابن عباس : المثل. وقيل: أعلمهم أنك قد حاربتهم حتى يصيروا مثلك في العلم.

[ ص: 644 ] قال المهلب : وإنما خشي - عليه السلام - من المشركين عند الطواف بالبيت خيانتهم، ولم يأمن مكرهم، فأراد الله تعالى أن يطهر البيت من نجاستهم " لقوله: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا [التوبة: 28] وأراد تنظيف البيت ممن كان يطوف عريانا.

وفيه: دليل أن حجة الصديق أبي بكر بالناس كانت حجة الإسلام؛ - لأنه وقف بعرفة ووقف في ذي الحجة، والوقوف بعرفة بنص قوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس [البقرة: 199] يعني: طوائف العرب، وقد اتفق أهل السير أن العرب كانت تفترق فرقتين، فرقة تقف بعرفة، وكانت قريش تقف بالمشعر الحرام، وتقول: نحن الحمس ولا نعظم غير الحرم، فإذا كان يوم النحر اجتمعت القبائل كلها بمنى، وهو يوم الاجتماع الأكبر، وقد أسلفنا اجتماعهم بالمزدلفة أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية