التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3012 3183 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء ابنة أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومدتهم، مع أبيها، فاستفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأصلها قال: "نعم، صليها". [انظر: 2620 - مسلم: 1003 - فتح: 6 \ 281]


حدثنا عبدان، ثنا أبو حمزة - أي: بالحاء والزاي - سمعت الأعمش، سألت أبا وائل: أشهدت صفين؟ قال: نعم، وسمعت

[ ص: 650 ] سهل بن حنيف يقول: اتهموا رأيكم.


ثم ساقه من حديث أبي وائل وفيه: اتهموا أنفسكم... الحديث.

ويأتي في التفسير في سورة الفتح.

وحديث أسماء ابنة أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش. وفي آخره: "نعم، صليها". وسلف في الهبة.

وغرض البخاري بهذا الباب أن يعرفك أن الصبر على المفاتن والصلة للقاطع أقطع للفتنة وأحمد عاقبة، فكأنه قال: باب الصبر على أذى الفاتنين وعاقبة الصابرين، ألا ترى أنه - عليه السلام - أخذ يوم الحديبية في قتال المشركين بالصبر لهم والوقوع تحت الدنية التي ظنها عمر في الدين، وكان ذلك الصبر واللين الذي فهمه الشارع عن ربه في (بروك) الناقة على التوجه أفضل عاقبة في الدنيا والآخرة من القتال لهم وفتح مكة على ذلك الحنق الذي نال المسلمين من تحكمهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان عاقبة صبره ولينه لهم أن أدخلهم الله في الإسلام، وأوجب لهم أجرهم في الآخرة، ألا ترى قوله: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" فكيف بأهل مكة أجمعين، وهم الذين كانوا أئمة العرب وسادة الناس، وبدخولهم دخلت العرب في دين الله أفواجا.

ففيه: أن صلة المقاطع أنجع في سياسة النفوس وأحمد عاقبة. وعلى مثل هذا المعنى دل حديث أسماء في صلة أمها وهي مشركة.

[ ص: 651 ] وفي حديث سهل بن حنيف الدلالة البينة أنه - عليه السلام - كان يدير كثيرا من حروبه بحسب ما يحضره من الرأي مما الأغلب عنده أنه من الصواب، وإن كان الله قد كان عهد إليه في جواز الصلح في مثل الحال التي صالحهم عليها عهدا، فمن ذلك الرأي كان، لولا ذلك لما كان عمر وسهل بن حنيف ومن كان ينكر الصلح ويرى قتال القوم أصلح في التدبير والرأي لينكروا ذلك ويؤثروا آراءهم بالقتال على تركه لو كان عندهم أنه عن أمر الله تعالى نبيه، ولكنه كان عندهم أنه رأي من النبي صلى الله عليه وسلم، وإبقاء على من معه من الصحابة؛ لقلة عددهم وكثرة عدد المشركين.

وكان عمر والذين يرون قتال القوم بحسن بصائرهم وجميل نياتهم في الإسلام، إذ كانوا أهل الحق والمشركون أهل الباطل، يرون أن الحق لا يعلوه باطل، لاسيما عدد الله ورسوله وليهم فأيدهم، فعظم لذلك عليهم الانحطاط إلى الصلح، ورأوه وهنا في الدين.

وكان - عليه السلام - أعلم مما تؤدي إليه عاقبة ذلك الصلح منهم مما هو أجدى على الإسلام وأهله نفعا، وأن الله أوحى إليه الأمر بترك قتال القوم؛ لأن ذلك أسد في الرأي.

وفيه: الدلالة الواضحة على أن لأهل العلم الاجتهاد في النوازل في دينهم مما لا نص فيه من كتاب ولا سنة، وذلك أن الذين أنكروا الصلح يوم أبي جندل أنكروه اجتهادا منهم، والشارع بحضرتهم يعلم ذلك من أمرهم، فلم ينههم عن القول بما أدى إليه اجتهادهم، وإن كان قد عرفهم خطأ رأيهم وصواب رأيه. ولو كان الاجتهاد خطأ كان حريا - عليه السلام - أن يتقدم إليهم بالنهي عن القول عما أداه إليه اجتهادهم أشد النهي.

[ ص: 652 ] وفيه أيضا: أن المجتهد عند نفسه مما يدرك بالاستنباط لا تبعة عليه فيما بينه وبين الله (خطأ) إن كان منه في اجتهاده إذا كان اجتهاده على أجل، وكان من أهله؛ لأنه - عليه السلام - لم يؤثم عمر ومن أنكر الصلح، والمعاني التي جرت بينهم في كتاب الصلح مما كان خلافا لرأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كانوا في ذلك مذنبين لأمرهم بالتوبة، ولكنهم كانوا على اجتهادهم مأجورين، ولو كان الصواب فيما رآه - عليه السلام - ، وذلك نظير قوله - عليه السلام - : "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر" وسيأتي زيادة فيه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى.

وقول عمر: (أليس قتلانا في الجنة) إلى آخر هذه المراجعة هي التي قال فيها عمر في حديث مالك: نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ثلاث مرات] (كل ذلك) لا يجيبك.

فصل:

قال المهلب : قوله: (اتهموا رأيكم). يعني: في هذا القتال يعظ الفريقين؛ لأن كل فريق منهما يقاتل على رأي يراه واجتهاد يجتهده، فقال لهم سهل: اتهموا رأيكم، وإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم برأي رأيتموه، فلو كان الرأي يقضى به لقضيت برد أبي جندل برد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية حين قاضى أهل مكة ليرد إليهم من فر عنهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين، فخرج أبو جندل يستغيث يجر

[ ص: 653 ] قيوده، وكان قد عذب على الإسلام، فقال سهيل والد أبي جندل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه. فرد إليه أبا جندل وهو ينادي: أتردونني إلى المشركين (وأنا منكم) (وترون) ما لقيته من العذاب في الله.

وقام سهيل إلى ابنه بحجر فكسر فمه، فغارت نفوس المسلمين يومئذ، وقال عمر: ألسنا على الحق.

وكذلك قال سهل: ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرددته.


فصل:

وقوله: (وضعنا سيوفنا) يعني: ما جردناها في الله لأمر فظيع علينا عظيم إلا أسهلت بنا سيوفنا وأفضت بنا إلى السهل من أمرنا من غير هذا الأمر. يعني: أمر الفتنة التي وقعت بين المسلمين في صدر الإسلام، فإنها مشكلة لم تتبين السيوف فيها الحقيقة، بل حلت المصيبة بقتل المسلمين، فنزع السيف أولى من سله في الفتنة.

فصل:

قوله: (لأمر يفظعنا). قال ابن فارس : فظع وأفظع لغتان، ومعناه لأمر شديد. والحديبية: بئر، وفيها التخفيف والتشديد كما سلف.

[ ص: 654 ] وأنكر أبو جعفر النحاس التشديد، وقال: لم يقل به أحد من أهل اللغة.

فصل:

قول أسماء: قدمت أمي مع أبيها، قال الزبير : هو الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن (مخزوم ).

التالي السابق


الخدمات العلمية