التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3032 [ ص: 34 ] 3204 - حدثني محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن إسماعيل قال: حدثني قيس، عن أبي مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلوا ". [انظر: 1041 - مسلم: 911 - فتح: 6 \ 297]


الشرح:

أثر مجاهد رواه عبد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه، به.

وعن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: يدوران في مثل قطب الرحى.

وقول غيره: بحساب، كأنه يشير إلى ما رواه عبد ثنا جعفر بن عون، ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك الشمس والقمر بحسبان [الرحمن: 5] قال: بحساب ومنازل.

وقوله: ( ضحاها : ضوءها) هو قول مجاهد وعنه: إشراقها.

[ ص: 35 ] وقال قتادة: نهارها. قال الفراء: وكذلك والضحى [الضحى: 1] هو النهار كله.

والمعروف في اللغة كما قاله ابن التين: أن الضحى إذا طلعت الشمس وبعد ذلك قليلا، فإذا زاد قيل: الضحاء بالفتح والمد.

ومعنى (حثيثين): سريعين. وقال الضحاك: أي لا يزول الليل من قبل ضحى النهار. وقال الداودي: أي: لا يأتي الليل في غير وقته، قال: ويحتمل قوله: أن تدرك القمر أي: لا يكون ليلا، وما ذكره في ( نسلخ : نخرج)، هو كما قال، يقال: سلخت الشيء من الشيء: أزلته وخلصته حتى لم يبق منه شيء.

وما ذكره في ( واهية متشققة) قاله القزاز. وقال ابن عباس: ضعيفة، وقيل: منحرفة. أي: ضعيفة جدا، من وهى يهي. و ( أرجائها : أطرافها) قاله ابن عباس و جن عليه الليل : غطى وأظلم كما ذكره.

وقول الحسن رواه ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الأشج، ثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، عنه، به.

ومعنى التكوير: لفها كلف العمامة، مثل كورت العمامة أكورها [ ص: 36 ] كورا، وكورتها تكويرا: إذا لففتها. وقال النحاس: تكورت الشيء وكورته لففته. وقال الربيع بن خيثم: كورت أي: رمي بها.

يقال: طعنه فكوره إذا ألقاه، وما ذكره في وسق قاله ابن عباس، وخص الليل بذلك; لأنه مجمع الأشياء، والنهار ينتشر فيه، وقيل: معنى وسق هنا: علا; لأن الليل يعلو كل شيء ويجلله ولا يمتنع منه شيء. وما ذكره في اتسق هو قول ابن عباس.

وقال مجاهد: هو مأخوذ من وسق; لأن الأصل فيه اوتسق أي: يجمع ضوؤه، وذلك في الليالي البيض.

وقال ابن عرفة: اتسق : تتابع ليالي حتى ينتهي منتهاه، يريد في الزيادة والنقصان، وما ذكره في تفسير البروج أحد الأقوال. وقال أبو صالح: هي النجوم العظام. وقيل: هي قصور في السماء.

[ ص: 37 ] وأثر ابن عباس ذكره ابن أبي زياد في "تفسير ابن عباس".

وقوله أولا ( الحرور بالنهار مع الشمس) هو قول أبي عبيدة، وقيل: يعني به الضال والمهتدي. وقال الفراء: هو الحر الدائم ليلا كان أو نهارا، والسموم بالنهار خاصة. وقال ابن عزير: الحرور: ريح حارة تهب بالليل، وقد تكون بالنهار، والسموم بالنهار، وقد تكون بالليل.

وما ذكره في يولج ظاهر، قيل: يولج ليل الصيف في نهاره، ويدخل نهار الشتاء في ليله.

ثم ذكر البخاري في الباب ستة أحاديث.

أحدها:

حديث أبي ذر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين غربت الشمس: "تدري أين تذهب؟ ". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم [يس: 38].

الشرح:

قوله: ("تدري أين تذهب؟ ") أراد إعلامه.

[ ص: 38 ] وقوله: ("فتستأذن") يدل على أنها تعقل، وكذلك قوله: "تسجد".

وقوله: ("يوشك أن تسجد فلا يقبل منها") يقول: لا يؤذن لها حتى تسجد.

وقوله: ("فتستأذن فلا يؤذن لها") يريد بالسير إلى مطلعها.

وقوله: ( والشمس تجري لمستقر لها ) وفي الكهف: تغرب في عين حمئة [الكهف: 86].

وقوله: (قلت: الله ورسوله أعلم) أي: هل تذهب إلى تحت العرش؟ أو تكون هي الذاهبة؟

وقرأ ابن عباس: (لا مستقر لها) أي: هي جارية لا تثبت، تطلع كل يوم في مطلع وتغرب في آخر لا تعود إليه إلا في مثل ذلك في العام، حتى يكون طلوعها من حيث غروبها.

وقيل: تجري لمستقر لها أي: إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع فلا تجاوزه.

قال ابن الجوزي: ربما أشكل الأمر في هذا الحديث على من لم يتبحر في العلم فقال: نحن نراها تغيب في الأرض، وقد أخبر تعالى أنها تغيب في عين حمئة، فإذا دارت تحت الأرض وصعدت فأين هي من العرش؟

فالجواب: أن الأرضين السبع في ضرب المثال كقطب رحى، والعرش لعظم ذاته كالرحى، فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش وذلك مستقرها.

[ ص: 39 ] وقال ابن العربي: أنكر قوم من أهل الغفلة اقتداء بأهل الإلحاد سجودها، وهو صحيح ممكن، وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم، وأنه يعني بالعرش الملك. يعني: المخلوقات، وعلى مذهب الملحدة أنه تحتها في التحت غيرها وفوقها من الفوق غيرها في جميع سيرها، فلا يصح أن تكون ساجدة تحت العرش، وعلى التأويل الأول يصح أن تخرج عن مجراها، والقدرة تشهد له، وعلى الثاني يكون المعنى في وجه المجاز ساجدة أبدا.

وقوله: "تحت العرش" يريد تحت الملك أي: القهر والسلطان، وهي تستأذن في السير فيؤذن لها حتى يقال لها: ارجعي. فتطلع من مغربها، وتذهب الهيئة المدبرة فيها، وبعد الرجوع يكون التكوير.

وقوله: "تحت العرش" صحيح; لأن الكل من الأرض تحت العرش، بل العالم جميعه.

وقراءة الجماعة: لمستقر لها أي: في حركة دائمة إن طلعت غربت أو سجدت سارت، وقراءة ابن عباس سلفت، وهي قراءة ابن مسعود وعكرمة وعلي بن الحسين والكسائي في رواية الدوري. وفي "ربيع الأبرار" قال طاوس: ورب هذا البيت إن هذا القمر يبكي من خشية الله تعالى ولا ذنب له. وسيأتي بزيادة في ذلك في التفسير في سورة الأنعام والحشر إن شاء الله تعالى.

الحديث الثاني:

حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الشمس والقمر مكوران يوم القيامة" وهو من أفراده.

[ ص: 40 ] وفيه عبد الله الداناج: وهو ابن فيروز -والداناه - وهو العالم بالفارسية - بصري، وليس له في البخاري غيره، أما عبد الله بن الديلمي فذاك آخر تابعي لم يخرج له في الصحيح، خرج له مسلم وأبو داود وابن ماجه.

قال الخطابي: روي في هذا الحديث زيادة لم يذكرها أبو عبد الله، وهي ما حدثنا ابن الأعرابي، ثنا عباس الدوري، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله الداناج: شهدت أبا سلمة، ثنا أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الشمس والقمر ثوران يكوران في النار يوم القيامة" قال الحسن: وما ذنبهما؟ قال أبو سلمة: أنا أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت تقول: ما ذنبهما؟ فسكت الحسن.

وروى أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعا: "إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار" وذكره أبو مسعود الدمشقي في بعض نسخ "أطرافه" موهما أن ذلك في الصحيح، وذكر ابن وهب في كتاب "الأموال" عن عطاء بن يسار أنه تلا هذه الآية وجمع الشمس والقمر [القيامة: 9] فقال: يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في النار فتكون نار الله الكبرى. وعن كعب الأحبار: يجاء بهما كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في النار.

[ ص: 41 ] وروى عكرمة عن ابن عباس فيما ذكره الطبري عن محمد بن منصور الأيلي، ثنا خلف بن واصل، ثنا أبو نعيم، عن مقاتل بن حيان، عنه تكذيب كعب في قوله. وقال: هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، الله أكرم وأجل من أن يعذب على طاعته، ألم تر إلى قوله تعالى: وسخر لكم الشمس والقمر دائبين [إبراهيم: 33] يعني: دوبهما في طاعته، فكيف يعذب عبدين أثنى الله عليهما؟! ثم حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا فيه: أن الله لما أبرم خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم، خلق الشمس من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علمه أنه أبدعها شمسا فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارق الأرض ومغاربها، وأما ما كان في علمه أن يطمسها ويحولها قمرا فإنه دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى مغربها من شدة ارتفاع السماء، فلو نزل الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يكن يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل، فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر -وهو يومئذ شمس- ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور، فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فهو أثر المحو، ثم خلق الشمس عجلة من ضوء نور العرش، لها ثلاثمائة وستون عروة، ووكل بها ثلاثمائة وستين ملكا، كل ملك معلق بعروة من تلك العرى، ووكل بالقمر وعجلته ثلاثمائة وستين ملكا، كالشمس، وخلق له مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفي السماء، ثمانين ومائة عين في المغرب طينة سوداء، وثمانين ومائة عين في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غليا كغلي القدر، فكل [ ص: 42 ] يوم وكل ليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد، وخلق الله بحرا دون السماء مقدار ثلاث فراسخ، وهو موج (مكفوف) قائم في الهواء لا يقطر قطره، والبحار كلها ساكنة، وذلك البحر جار في سرعة السهم وانطلاقه في الهواء مستويا كأنه جبل ممدود، تجري الشمس والقمر بحسبان في لجته، فذلك قوله: وكل في فلك يسبحون [الأنبياء: 33] والفلك: دوران العجلة في لجة ذلك البحر، فلو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كل شيء، ولو بدا القمر لافتتن به أهل الأرض حتى يعبدوه. وفي آخره: يجاء بالقمر والشمس أسودين مكدرين ترعد فرائصهما، فإذا كانا حيال العرش سجدا وقالا: إلهنا قد علمت طاعتنا لك فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا، فيقول -جل وعز-: صدقتما وإني معيدكما إلى ما بدأتكما منه، وإني خلقتكما من نور عرشي، ارجعا إليه، فيرجعان ويختلطان بنور العرش، فذلك قوله: يبدئ ويعيد [البروج: 13] وفي آخره أن كعبا جاء إلى ابن عباس واعتذر إليه بأنه ذكر ذلك عن كتاب دارس، وأنت تذكر عن كتاب محفوظ جديد عن سيد الأنبياء، وسأله أن يحدثه الحديث ليحفظه، فأعاده له (قلما تخرم) حرفا.

وفيه: وإذا أراد الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية فيستعتبهم جرت الشمس من العجلة (فتقع في نجم) ذلك البحر وهو الفلك، فإذا (أراد) الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد، [ ص: 43 ] وقعت الشمس كلها. يعني: لا يبقى منها على العجلة، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم، وهو المنتهى من كسوفها، فإذا أراد أن يجعل الله آية دون آية، وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء، ويبقى سائر ذلك على العجلة، وهو كسوف دون كسوف، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بالعجلة فرقتين فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة، والأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم، فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة فيحمدون الله على ما قواهم، ويتعلقون بعرى العجلة، ويجرونها في الفلك بالتسبيح، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين، فيسقط من أفق السماء في العين، قال: فإذا غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة حتى بلغوا بها السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة ويسجد معها الموكلون بها، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين يمضي النهار.

قال الطبري: في إسناده نظر.

وعن مجاهد: السواد الذي في القمر خلقه الله كذلك، وكذا روي عن قتادة. وليس بين قول ابن عباس وما أسلفنا عن غيره خلف، ويؤيد قول غيره قوله تعالى: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم الآية [الأنبياء: 98] وأيضا فليس تكويرهما في النار عذابا لهما كما أجاب به الخطابي، ولكنه تبكيت لعبدتهما الذين عبدوهما في الدنيا; ليعلموا أن عبادتهم إياهما كانت باطلا، وهذا [ ص: 44 ] كما روي أن الذباب كله في النار، ولا ذنب لها، والمعنى في ذلك: لتكون عقوبة لأهل النار يتأذون بها كما يتأذون بالحيات وشبهها.

قال الإسماعيلي: وقد جعل الله في النار ملائكة وليست تتأذى بها ولا تعذب بها، وحجارة يعذب بها أهل النار، فيجوز أن يجعل الشمس والقمر عذابا في النار لأهل النار، أو بآلة من آلات العذاب، نعوذ بالله من النار.

وقيل: إنهما خلقا من النار فعادا إليها، حكاه ابن التين.

قال الخطابي: معنى التكوير في الشيء: البسط. أي: يلف بعضه على بعض كالثوب ونحوه، وعند المفسرين في قوله: إذا الشمس كورت [التكوير: 1] قالوا: يجمع ضوؤها ويلف كما تلف العمامة، وقد أسلفناه.

وفي "الموضوعات" للنقاش عن ابن مسعود مرفوعا: "تكلم ربنا بكلمتين سير أحدهما شمسا والأخرى قمرا، وكلاهما من النور، ويعودان يوم القيامة إلى الجنة".

الحديث الثالث:

حديث ابن عباس: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله".

[ ص: 45 ] الرابع: حديث ابن عمر قبله.

الخامس: حديث عائشة في الكسوف بطوله.

السادس: حديث ابن مسعود: "الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد".

وحديث ابن عباس سلف في الصلاة، والباقي في الكسوف.

التالي السابق


الخدمات العلمية