1. الرئيسية
  2. التوضيح لشرح الجامع الصحيح
  3. كتاب بدء الخلق
  4. باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه

التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3067 3239 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن قتادة.

وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية، حدثنا ابن عم نبيكم يعني: ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكا خازن النار". والدجال في آيات أراهن الله إياه، فلا تكن في مرية من لقائه [السجدة: 23]. 3396 - مسلم: 165 - فتح: 6 \ 314]
قال أنس وأبو بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تحرس الملائكة المدينة من الدجال".

[ ص: 96 ] ذكر فيه خمسة عشر حديثا:

أحدها: حديث عائشة في النمرقة. وقد سلف في البيوع.

ورواه عن محمد وهو ابن سلام -كما نبه عليه أبو نعيم وأبو علي - عن مخلد وهو ابن يزيد الحراني.

ثانيها: حديث ابن عباس عن أبي طلحة: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل".

هذا الحديث رواه أيضا بعده من حديث: زيد بن خالد عن أبي طلحة.

وفيه: "إلا رقم في ثوب" ورواه مرة عن أحمد، ثنا ابن وهب. وأحمد هذا: هو ابن صالح المصري، قاله أبو نعيم، وقال غيره: هو ابن عيسى، وأخرجه مسلم، والأربعة أيضا.

قال الدارقطني: وافق معمرا -يعني: راويه هنا عن الزهري- جماعة، وخالفهم الأوزاعي فرواه عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة، لم يذكر ابن عباس، والقول قول من ذكره.

ورواه سالم أبو النضر، عن عبيد الله، نحو رواية الأوزاعي.

[ ص: 97 ] وفي النسائي عن هقل، عن الأوزاعي، كرواية الجماعة، وقال: (هذا خطأ) ثم رواه من حديث الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عبيد الله قال: حدثني أبو طلحة فذكره.

وعند الترمذي مصححا عن عبيد الله قال: دخلت على أبي طلحة أعوده، وعنده سهل بن حنيف، فدعا أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته، فقال له سهل: لم تنزعه؟ قال: لأن فيه تصاوير، وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ما علمت، قال سهل: أولم يقل: "إلا رقما في ثوب" قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي.

وللنسائي: قال عبيد الله: خرجت أنا وعثمان بن حنيف نعود أبا طلحة، وفيه: فقال له عثمان: أما سمعت يا أبا طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نهى عن الصور يقول: "إلا رقما" الحديث.

قال الخطابي: أصل الرقم: الكتابة، رقمت الكتاب أرقمه رقما، وقال تعالى في: كتاب مرقوم [المطففين: 9] والصورة غير الرقم، ولعله أراد أن الصورة المنهي عنها ما كان له شخص ماثل دون ما كان منسوجا في ثوب، وهذا قد ذهب إليه قوم، ولكن حديث القاسم، عن [ ص: 98 ] عائشة يفسد هذا التأويل.

وحاصل ما في الصور أربعة أقوال:

(أولها): المنع مطلقا رقما كان أو غيره، قاله أبو طلحة.

ثانيها: منع ما كان له شخص ماثل.

ثالثها: منع ما فيه روح دون غيره، قاله ابن عباس.

رابعها: قاله أبو سلمة: كل ما يوطأ ويمتهن فلا بأس به، قال مالك: تركه أحب إلي.

ومن ترك ما فيه رخصة غير محرم له فلا بأس، قال: وما كان في الصورة في الطست والإبريق والأسرة والثياب فإن كانت خرطت فهي أشد.

قال الداودي: حديث عائشة ناسخ لكل ما جاء من الرخصة، وهو خبر، والخبر لا ينسخ. وتعقبه ابن التين فقال: هذا غير ظاهر; لأن قوله: "إلا ما كان رقما في ثوب" خبر اتفاقا فالعمل على الصحيح منها.

فصل:

قوله: (" لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب" قال ابن التين: يريد كلب دار، قال: وأراد بالملائكة غير الحفظة، وكذا قال النووي: إن هؤلاء الملائكة هم الذين يطوفون بالرحمة والتبرك والاستغفار، بخلاف الحفظة.

[ ص: 99 ] قال الخطابي: إنما لم تدخل في بيت إذا كان فيه شيء من هذه مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، وأما ما ليس بحرام من كلب الصيد أو الزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما، فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه.

وقال النووي: الأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، فإن الجرو الذي لم يعلم به - عليه السلام - تحت السرير -المذكور عند مسلم - كان العذر فيه ظاهرا، ومع هذا فقد امتنع جبريل من دخول البيت وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل.

فصل:

قيل: سبب المنع من دخول الملائكة كونها معصية فاحشة، وكونها مضاهاة لخلق الله جل وعز، وفيها ما يعبد من دون الله، وامتناعهم من الدخول في بيت فيه كلب كثرة أكله النجاسات; ولأن بعضها يسمى شيطانا، والملائكة ضد لهم; ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة الكريهة; ولأنها منهي عن اتخاذها، أي: مما لم يؤذن فيه، فعوقب متخذها بحرمانه زور الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له، وتبريكها عليه، ورفعها أذى الشيطان.

الحديث الثالث: حديث زيد بن خالد عن أبي طلحة وقد سلف.

[ ص: 100 ] الرابع:

حديث سالم عن أبيه: وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل; فقال: "إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب".

هذا الحديث راويه عن سالم عمرو، وزعم أصحاب الأطراف أنه عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولما رواه أبو نعيم قال فيه محمد بن عمر، وكشط الدمياطي الواو من عمرو في أصله، وقال: ما ذكرناه -في الحاشية- عن أصحاب الأطراف.

الحديث الخامس:

حديث أبي هريرة: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد". سلف في الصلاة.

الحديث السادس:

حديث أبي هريرة: "أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه" وسلف أيضا هناك.

الحديث السابع:

حديث صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر: ونادوا يا مالك [الزخرف: 77] قال سفيان: في قراءة عبد الله (ونادوا يا مال) [الزخرف: 77] هذا الحديث ذكر في التفسير أيضا وستعلمه.

[ ص: 101 ] الحديث الثامن:

حديث ابن شهاب عن عروة، عن عائشة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم أشد من أحد؟.. الحديث بطوله.

وفيه: عرضه نفسه على ابن عبد ياليل بن عبد كلال "فلم يجبني" ويأتي في التوحيد.

وأخرجه مسلم أيضا.

وفي "مغازي موسى بن عقبة" عن ابن شهاب: لما مات أبو طالب عمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثقيف بالطائف رجاء أن يئووه فوجد ثلاثة نفر وهم سادة ثقيف يومئذ، وهم إخوة عبد ياليل، وحبيب ومسعود بنو عمرو، فعرض إليهم نفسه وشكى إليهم ما انتهك منه قومه، فردوا عليه أقبح رد، وفي "الطبقات" خرج إلى الطائف في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة، فأقام به عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم، وقالوا: اخرج من بلدنا وأغروا به سفهاءهم. وفي قرن الثعالب دعا - عليه السلام - دعاءه الطويل المشهور، فما استتمه حتى أتاه جبريل.

وقوله في البخاري: "ابن عبد ياليل" الذي رأيناه: (عبد ياليل) كما أسلفناه، وكذا ذكره أبو عبيدة وغيره، وفي "الجمهرة" للكلبي: عبد ياليل بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عيرة بن عوف بن ثقيف.

[ ص: 102 ] وعند الزجاج في قوله تعالى: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف: 31] المعنى على رجل من رجلي القريتين عظيم، والرجلان: الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة، والآخر: عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف.

و"قرن الثعالب": هو قرن المنازل، ميقات أهل نجد، على مرحلتين من مكة.

وأصل (القرن): كل جبل صغير منقطع من جبل كبير، وقيل: هو على يوم من مكة، وذكر القاضي عياض أنه يقال فيه: قرن، غير مضاف، على يوم وليلة من مكة، قال: ورواه بعضهم بفتح الراء، وهو غلط، وعن القابسي: من سكن الراء أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن فتح أراد الطريق التي يتفرق منه، فإنه موضع فيه طرق متفرقة.

فصل:

و(الأخشبان) بفتح الهمزة، ثم خاء معجمة ساكنة، ثم شين معجمة، ثم باء موحدة: جبلا مكة; أبو قبيس والجبل الذي يقابله; وسميا أخشبين لصلابتهما، وغلظ حجارتهما، وفي حديث آخر: "لا تزول مكة حتى يزول أخشباها".

[ ص: 103 ] الحديث التاسع:

حديث أبي إسحاق الشيباني: سألت زر بن حبيش عن قول الله تعالى: فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى [النجم: 9 ، 10] قال: حدثنا ابن مسعود أنه رأى جبريل له ستمائة جناح.

قاب الشيء: قدره.

الحديث العاشر:

حديث علقمة، عنه: لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم: 18] قال: رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء.

يأتيان في سورة النجم من التفسير.

والرفرف: يقال: هي ثياب خضر، واحدها: رفرفة، وفي التنزيل: متكئين على رفرف [الرحمن: 76] قيل: رياض في الجنة، وقيل: الوسائد، وجاء في رواية: أنه رأى جبريل في حلتي رفرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض. ويحتمل -كما قال الخطابي- أن يكون أراد بالرفرف أجنحة بسطها كما تبسط الثياب.

الحديث الحادي عشر:

حديث عائشة - رضي الله عنها -: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية، ولكن قد رأى جبريل في صورته (وخلقه سادا) ما بين الأفق.

[ ص: 104 ] وعن ابن أشوع -وهو سعيد بن عمرو بن أشوع بالشين المعجمة، الهمداني الكوفي، مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري- عن الشعبي، عن مسروق قال: قلت لعائشة - رضي الله عنها -: فأين قوله: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى [النجم: 8 ، 9] قالت: ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجل، وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسد الأفق.

وهو من أفراده، ويأتي في التفسير في سورة النجم مطولا.

و(محمد بن يوسف) في إسناد الأول هو البيكندي، نص عليه الجياني.

وإنكار عائشة للرؤية لم تذكره رواية; إذ لو كان معها فيه رواية لذكرته، وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات، وهو مشهور قول ابن مسعود، ونقل قولها عن أبي هريرة بخلف.

وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته -جل وعز- في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين.

وعن ابن عباس: أنه - عليه السلام - رآه بعينه.

[ ص: 105 ] وروى ابن مردويه في "تفسيره" عن الضحاك وعكرمة في حديث طويل، وفيه: "فلما أكرمني ربي برؤيته بأن أثبت بصري في قلبي احتد بصري لرؤية نور العرش.. " الحديث، ورواه اللالكائي من حديث حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: "رأيت ربي جل وعز" ومن حديث أبي هريرة قال: "رأيت ربي جل وعز.. " الحديث، وروى عطاء، عن ابن عباس: رآه بقلبه، وكذا رواه عكرمة عند الترمذي محسنا، وروى من حديث الحكم بن أبان، عن عكرمة عنه: رأى محمد ربه، قال: فقلت: الله يقول: لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103] الحديث، ثم قال: حسن غريب، وفي "صحيح مسلم" عن أبي العالية عنه: رآه بفؤاده مرتين، وذكر ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله: هل رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه؟ فقال: نعم.

والأشهر عنه: أنه رآه بعينه، روي ذلك عنه من طرق، وقال: إن الله -جل وعز- اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمدا بالرؤية.

[ ص: 106 ] وحجته: ما كذب الفؤاد [النجم: 11] الآية.

قال الماوردي: قيل: إن الله قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى، فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين.

وحكى أبو الفتح الرازي وأبو الليث السمرقندي هذه الحكاية عن كعب، وروى عبد الله بن الحارث قال: اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس: أما نحن بنو هاشم فنقول: إن محمدا قد رأى ربه مرتين فكبر كعب حتى جاوبته الجبال، وقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلمه موسى ورآه محمد بقلبه، وروى شريك عن أبي ذر في تفسيره الآية، قال: رأى محمد ربه.

وحكى السمرقندي عن محمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس: أنه - عليه السلام - سئل: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيته بفؤادي ولم أره بعيني".

وروى مالك بن يخامر عن معاذ: أنه - عليه السلام - قال: "رأيت ربي" قال: وذكر كلمة.

وحكى عبد الرزاق: أن الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه، وكذا ذكر مقاتل، وحكى عبد بن حميد في "تفسيره" عن هوذة، عن عوف، عنه في قوله: ما كذب الفؤاد قال: رآه مرتين بقلبه، وذكر أيضا عن أبي صالح، وعن محمد بن كعب قال: رآه بفؤاده مرتين.

[ ص: 107 ] وعن إبراهيم التيمي: رآه بقلبه، ثم قال: حدثني أبي، عن أبي ذر: رآه بقلبه ولم يره بعينه.

وفي "تفسير ابن عباس" لابن أبي زياد الشامي: روى أبان، عن أنس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما انتهيت إلى الحجاب نامت عيناي ونظرت بقلبي، وفؤادي يقظان لم ينم منذ يومئذ" وحكاه أيضا جويبر، عن الضحاك، وعند الزجاج عن الإمام أحمد: رآه بقلبه.

وهو فضل خص به كما خص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة.

وحكاه (أبو عمر) عنه، جبن عن القول برؤيته في الدنيا بالأبصار، ولكن حكى النقاش عنه أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينيه، رآه رآه، حتى انقطع نفس أحمد.

وحكى عبد الله بن أحمد، عن أبيه أنه قال: رآه.

وعند اللالكائي، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر أنه رأى ربه -يعني بقلبه - وحكى أبو عمر الطلمنكي هذا عن عكرمة، وحكى بعض المتكلمين هذا المذهب عن ابن مسعود.

وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم.

وحكى عن سعيد بن جبير: لا أقول: رآه، ولا لم يره.

[ ص: 108 ] وقد اختلف في تأويل الآية الكريمة عن ابن عباس وعكرمة والحسن وابن مسعود، فعن ابن عباس ومولاه: رآه بقلبه. وعن الحسن وابن مسعود: رأى جبريل.

وعن ابن عطاء في قوله: ألم نشرح لك صدرك [الشرح: 1] قال: شرح صدره للرؤيا.

وقال الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه ببصره وعيني رأسه، وقال: كل آية أوتيها نبي من الأنبياء فقد أوتي مثلها نبينا، وخص من بينهم بتفضيل الرؤية.

ووقف بعض المشايخ في هذا فقال: ليس عليه دليل واضح، ولكنه جائز أن يكون، والحق -كما قال عياض-: أن رؤيته في الدنيا جائزة عقلا، وليس في العقل ما يحيلها، وجهه سؤال موسى لها، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على الله وما لا يجوز، بل لم يسأل إلا جائزا غير مستحيل، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. وليس في الشرع دليل قاطع على استحالتها ولا امتناعها; إذ كل موجود فرؤيته جائزة، غير مستحيلة.

وروى هبة الله الطبري، عن (عبد الرحمن) بن عايش مرفوعا: "رأيت ربي -عز وجل-" وروى (شعبة، عن) قتادة، عن أنس أنه - عليه السلام - رأى ربه.

[ ص: 109 ] ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله: لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103] لاختلاف التأويلات في الآية؛ إذ ليس يقتضي قول من قال: "في الدنيا" الاستحالة، وقد استدل بعضهم بهذه الآية (نفسها) على جوازاها وعدم استحالتها على الجملة، وقد قيل: لا تدركه أبصار الكفار وقيل: لا تحيط به، وهو قول ابن عباس، وقيل: لا تدركه الأبصار وإنما يدركه المبصرون، وكل هذه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية ولا استحالتها، وكذلك لا حجة لهم بقوله: لن تراني [الأعراف: 143] وقوله هنا: تبت إليك فلما قدمناه; ولأنها ليست على العموم; ولأن من قال: معناها: "لن تراني في الدنيا" إنما هو تأويل أيضا، فليس فيه نص الامتناع، وإنما جاءت في حق موسى وحيث تتطرق التأويلات وتتسلط الاحتمالات فليس للقطع إليه سبيل، وتوبته من سؤال ما لم يقدر له.

وذكر القاضي أبو بكر أن موسى رأى ربه -جل وعز- فلذلك صعق، وأن الجبل رأى ربه، فصار دكا، استنبطه من قوله: ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني [الأعراف: 143] ثم قال: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا [الأعراف: 143] وتجليه للجبل حتى رآه على هذا القول.

وقال جعفر بن محمد: شغله بالجبل حتى تجلى، ولولا ذلك لمات صعقا بلا إفاقة، وقوله هذا يدل على أن موسى رآه، وقد وقع لبعض المفسرين في الجبل أنه رآه، وبرؤية الجبل له استدل من قال برؤية نبينا؛ إذ جعله دليلا على الجواز، ولا مرية على الجواز; إذ ليس في [ ص: 110 ] الآيات نص بالمنع.

الحديث الثاني عشر:

حديث أبي رجاء، عن سمرة: "رأيت الليلة رجلين.. " الحديث، سلف في الصلاة.

وأبو رجاء اسمه: عمران بن ملحان، ويقال: ابن عبد الله، ويقال (ابن تيم) العطاردي البصري، له إدراك، أسلم بعد الفتح، مات قبل الحسن عن ثلاثين ومائة سنة.

الحديث الثالث عشر:

حديث أبي هريرة: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح" تابعه شعبة وأبو حمزة وابن داود وأبو معاوية، عن الأعمش أي: عن أبي حازم عن أبي هريرة، وسيأتي في النكاح.

الحديث الرابع عشر: حديث جابر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثم فتر عني الوحي فترة" إلى آخره.

وقد سلف في الإيمان ويأتي في التفسير.

وأخرجه مسلم أيضا.

[ ص: 111 ] وقوله: "فجئثت" أي: رعبت، وكذا معنى (جثثت) (ذكره ابن فارس وغيره، وفي رواية أبي ذر جثثت) لامه واو قلبت ياء في بناء الفعل لما لم يسم فاعله، ومعناه: أنه برك على ركبتيه، مثل: وترى كل أمة جاثية [الجاثية: 28].

ومعنى ("هويت"): سقطت.

وقوله: (وقال أبو سلمة: الرجز: الأوثان) هو بكسر الراء وضمها، وقيل: بالكسر: العذاب ولا يضم.

الحديث الخامس عشر:

حديث أبي العالية، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا.." الحديث، ويأتي في أحاديث الأنبياء، وأخرجه مسلم أيضا.

وأبو العالية: اسمه رفيع بن مهران، أعتقته امرأة من بني رياح سائبة لوجه الله، وطافت به على حلق المسجد، يقال: أدرك الجاهلية.

ومعنى "آدم" أسمر، و"جعد" هو خلاف السبط.

وقال الداودي: ما أرى "جعد" المحفوظ; لأن الطوال لا يوصف بالجعودة، وهذا كلام غير صحيح; لأن الطوال لا ينافيها بل يكون الطويل جعدا وسبطا، قاله ابن التين. والسبط بإسكان الباء وقد تكسر.

[ ص: 112 ] وقوله: ("كأنه من رجال شنوءة") أي: في طوله وسمرته. وشنوءة قبيلة من قحطان، مأخوذ من التقرز، وشنوءة على وزن فعولة، ولا أدري ما أراد بتشبيهه بهم.

قال القزاز: اختلفت الرواية: هل هو جعد أو سبط؟ وهل هو ضرب نحيف أو جسيم؟

وقوله في عيسى: ("إلى الحمرة والبياض") قال الداودي: ما أراه محفوظا; لأنه قال في رواية مالك: "رجل آدم كأحسن ما أنت راء".

وقوله: ("ورأيت مالكا خازن النار، والدجال") في آيات أراهن الله إياه يريد ليلة الإسراء، وسلف الاختلاف في اشتقاق الدجال.

وقول البخاري: (قال أنس وأبو بكرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تحرس الملائكة المدينة من الدجال") قد سلفا في الحج مسندين.

ثم اعلم أن البخاري -رحمه الله- إنما ساق هذه الأحاديث; لأجل ذكر الملائكة فيها وموافقة أغراضهم، فغفران الذنب على الموافقة، ومن ذلك عدم دخولهم بيت التصاوير والبيت الذي فيه الكلب، وكذا قوله: ونادوا يا مالك [الزخرف: 77] أي: لو فعلوا ما يوافق غرض الملائكة لنجوا منها وكذا لعنها عند الغضب عليها كذلك، وكذا سائر الباب.

التالي السابق


الخدمات العلمية