التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3123 3299 - وقال عبد الرزاق، عن معمر: فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب.

وتابعه يونس، وابن عيينة، وإسحاق الكلبي، والزبيدي.

وقال صالح وابن أبي حفصة وابن مجمع، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: رآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب. 3297 - مسلم: 2233 - فتح: 6 \ 347]


ذكر فيه حديث هشام بن يوسف، أنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر يقول: "اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يطمسان البصر، ويستسقطان الحبل".

[ ص: 228 ] قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حية لأقتلها، فناداني أبو لبابة: لا تقتلها.

فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بقتل الحيات. قال: إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت. وهي العوامر.


وقال عبد الرزاق، عن معمر: فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب. وتابعه يونس، وابن عيينة، وإسحاق الكلبي، والزبيدي.

وقال صالح وابن أبي حفصة وابن مجمع، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: رآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب.

الشرح:

(الدابة): ما كانت له نفس، يقال: في البحر ستمائة أمة وفي البر أربعمائة، وأول ما يهلك منها الجراد. وذكر أن عمر بن الخطاب أبطأ عليه الجراد سنة من السنين فخاف الساعة، فأرسل البرد في الآفاق حتى أتي بشيء منه فسكن جأشه.

وأثر ابن عباس أخرجه ابن جرير في "تفسيره" من حديث شهر بن حوشب عنه في قوله تعالى: فإذا هي ثعبان مبين يقول مبين: له خلق حية.

و(الحيات): جمع حية يقع على الذكر والأنثى، وإنما دخلته الهاء; لأنه واحد كدجاجة.

وقد روي عن العرب: رأيت حيا على حية. أي: ذكرا على أنثى.

وقول البخاري: (يقال: الحيات أجناس..) إلى آخره قال ابن خالويه: ليس في كلام العرب أسماء الحيات وصفاتها إلا ما أذكره، [ ص: 229 ] وعدد لها نحو سبعين اسما منها: الشجاع، الأرقم، الأسود، الأفعى، الأبتر، الأعيرج، الأصلة، الصل، الجاث، والجنان، والجأن -بالهمز- والأصم، والجرارة، والرملا. وذكر الجاحظ أيضا أنواعها، وبينها، منها: المكللة الرأس طولها شبران أو ثلاثة، إن حاذى جحرها طائر سقط، ولا يحس بها حيوان إلا هرب، فإن قرب منه حذر ولم يتحرك، وتقتل بصفيرها، ومن وقع عليه نظرها مات، ومن نهشته ذاب في الحال، ومات كل من قرب من ذلك الميت من الحيوان، فإن مسها بعصا هلك بواسطة العصا، ولهذا قيل: إن رجلا طعنها برمح فمات هو ودابته في ساعة واحدة. قال: وهذا الجنس كثير ببلاد الترك وإنما تقتل من بعد ثم تنفصل من عينها في الهواء.

وحديث ابن عمر قول عبد الرزاق فيه أخرجه مسلم من حديث عبد بن حميد عنه، ومتابعة يونس فمن بعده أخرجه مسلم أيضا، وكذا من بعده من قول صالح فمن بعده أخرجه أيضا.

و(الزبيدي): هو محمد بن الوليد أبو الهذيل.

و(ابن أبي حفصة) اسمه محمد بن أبي حفصة ميسرة.


و(ابن مجمع): هو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد بن جارية -بالجيم- بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن جارية.


و(إسحاق الكلبي): هو ابن يحيى الحمصي، وعند الترمذي: "يلتمسان البصر ويسقطان الحبل".

[ ص: 230 ] وقال ابن المبارك: إنما يكره من قتل الحيات الحية التي تكون دقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيها. وفي أبي داود من حديث عائشة: "اقتلوا الجنان كلهن، فمن تركهن خيفة ثأرهن فليس مني" وعن أبي هريرة: "ما سالمناهن منذ حاربناهن".

فصل:

وزيد بن الخطاب المذكور فيه هو أخو عمر بن الخطاب لأبيه، وله في الصحيح هذا الحديث، استشهد باليمامة.

فصل:

وأبو لبابة هو بشير بن عبد المنذر بن رفاعة بن زنبر بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، رده رسول الله من الروحاء حين خرج إلى بدر، واستعمله على المدينة. وضرب له بسهمه وأجره، وتوفي بعد قتل عثمان، وله عقب، وأخوه مبشر بن عبد المنذر، شهد بدرا وقتل بها، وأخوهما رفاعة بن عبد المنذر، شهد العقبة وبدرا وقتل بأحد، وليس له عقب، ذكره أجمع بن سعد في "طبقاته".

فصل:

ذو الطفيتين ضرب من الحيات في ظهره خيطان أبيضان، وبهما عبر عنه بذي الطفيتين. والطفية: (بضم الطاء) أصلها: خوص المقل [ ص: 231 ] فشبه الخيط الذي على ظهر هذه الحية به، وربما قيل لهذه الحية طفية على معنى ذات طفية، وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره، وقيل: هما نقطتان، حكاه القاضي; قال الخليل: وهي حية خبيثة، وغلط; إنما الطفي: خوص المقل. كما أسلفناه ثم شبه الخط الذي على ظهرها.

فصل:

"والأبتر" الناقص، ومنه خطبة زياد البتراء لنقص الحمد والصلاة. قيل: واسم الله. وهو من الدواب: من لا ذنب له. وقيل: هي حية قصيرة الذنب. والبتر: شرار الحيات.

قال النضر بن شميل: وهي صنف أزرق مقطوع الذنب، ولا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها. وقيل: إنه الأفعى يفر من كل أحد، ولا يراه أحد إلا مات. فيما ذكره أبو الفرج، وقال الداودي: هي الأفعى التي تكون قدر الشبر أو أكثر شيئا، وقلما يكون في البيوت. وذكر البخاري في الباب بعد من حديث ابن عمر "لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين".

وظاهره أن الأبتر هو ذو الطفيتين والذي في أكثر الأحيان أنه غيره. والجنان -بكسر الجيم وتشديد النون-: جمع جان: الحيات الطوال البيض.

وقلما يضر، فلذلك أمسك عن قتلها. وقال ابن فارس: حية بيضاء. وقال ابن عرفة: صغيرة. قال: وقوله تعالى في العصا: فإذا هي ثعبان مبين [الأعراف: 107] [ ص: 232 ] وقال مرة: كأنها جان [النمل: 10] المعنى أنها في خلق الثعبان العظيم، وخفة الحية الصغيرة.

واختلف في البيوت: فقال مالك: يريد بيوت المدينة. وقيل: يريد كل بيت في المدائن.

فصل:

وإنما أمر بقتلها; لأن الجن لا تتمثل بهما، ولهذا أدخل البخاري حديث ابن عمر في الباب. ونهي عن قتل ذوات البيوت; لأن الجن تتمثل بها، قاله الداودي.

"ويطمسان البصر": أي: يخطفانه، ويروى: "يلتمعان ويخطفان".

و"يسقطان الحبل" هو بفتح الباء: الجنين. وظاهره أن هذين النوعين لهما من الخاصية ما ذكره، فلا شك فيه، فلا ينطق عن الهوى، وأمر أن ينادى ثلاثا، قال الداودي: يعني ثلاثة أيام. وقال غيره: ثلاث مرات. فحيات البيوت تنذر بخلاف النوعين السالفين.

وفي مسلم من حديث أبي سعيد: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليه ثلاثا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه; فإنه كافر".

والمراد بالعوامر: الجن، يقال للجن عوامر البيوت وعمار، والمراد: طول لبثهن في البيوت، مأخوذ من العمر، وهو طول البقاء. والمراد بالتحريج: أن تقول لها: أنت في حرج - أي: ضيق - إن عدت إلينا. فأما في الصحاري والأودية فيقتل من غير إنذار; لعموم قوله: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم" وذكر منهن الحية.

[ ص: 233 ] وفي لفظ: "من تركهن مخافة شرهن فليس منا".

فصل:

الأمر بقتلها من باب الإرشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات، فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله، كما أرشد إليه فيما مضى بقوله: "اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر" عم ثم خص منبها على سبب عظم ضررهما.

وقد بين ابن عباس سبب العداوة بيننا وبين الحية فيما ذكره الطبري من حديث أبي صالح، وليث عن طاوس; عنه أن عدو الله إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أيها يحمله حتى (يدخل) الجنة فكل الدواب أباه، حتى كلم الحية فقال لها: أمنعك من بني آدم وأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني الجنة. فأدخلته. قال ابن عباس: اقتلوها حيث وجدتموها، اخفروا ذمة عدو الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية